الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th November,2006 العدد : 177

الأثنين 29 ,شوال 1427

حول كتاب (الوأد عند العرب)
قراءة على قراءات..! «24»
مرزوق بن تنباك

يبدأ الأستاذ محمد العامر الفتحي الحلقة الثانية من ردوده بهذه الجملة: (ثالث هذه المزالق أن الدكتور ابن تنباك يرى أن المرأة في الإسلام تعيش واقعاً مغلوباً).
لقد كنت مثل أخي أحسن الظن بالناس، وعندما رأيته ينقل هذه الجملة المذكورة أعلاه أحببت أن أرجع إلى الكتاب لأعرف ما قال حقيقة، ولا سيما أنه نقل في ذيل الصفحة نصاً مخالفاً لما ذكر في صدر الجملة التي ذكرت أن المرأة تعيش في الإسلام واقعاً مغلوباً.
وعند العودة إلى الكتاب وجدت المؤلف قد عقد فصلاً كاملاً من الصفحة 108 إلى الصفحة 124 سماه (الموقف من إنجاب البنات) بدأه بما أخبر به القرآن عن حال الأمم القديمة منذ عهد إبراهيم مروراً بالإغريق والفرس واليونان، ونقل ما ورد عن موقف هؤلاء من إنجاب البنات وعدم رضاهم به ثم عرج على العرب في الجاهلية وموقفهم منه وكذلك ما جاء في الإسلام من أحاديث تحث على الإحسان إلى البنات وإلى المرأة عامة، واستشهد بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية.
وأخونا الفتحي -حفظه الله- وقع في هذه الفقرة التي سماها المزلق الثالث للمؤلف بين الرغبة في إدانة المؤلف والأمانة العلمية ولهذا نقل نص المؤلف الذي يقول فيه: (في ضوء ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وموروث الأمم والشعوب منذ القدم يظهر جانب مهم في الأمر وهو أن واقع الأنثى في المجتمعات القديمة هو واقع مغلوب، ولهذا لا يستغرب أن يقف العرب منها موقف الأمم الأخرى..).
هذا نص المؤلف وهو ما جعلني أعود إلى الكتاب فأجد ما أشار إليه في كتابه عن قصص القرآن ووصف حال المرأة في المجتمعات القديمة نصاً قبل الإسلام، ولكن الفتحي يخلط الفصل الكامل للموضوع الذي يتحدث عن واقع المرأة عبر العصور ويدخل جملاً جاءت في هذا الفصل ويلصق بعضها في بعض مع تباعد السياق وتقاطع الجمل والعبارات حتى يوهم القارئ الذي لم يطلع على الكتاب أن المؤلف يقول ما أشار إليه، والأمر في الكتاب ليس كذلك، يظهر ذلك جلياً عندما ينقل أخونا الفتحي بعد العبارات السابقة قول المؤلف (نجد ذلك حتى في بعض الشعائر الدينية..) فهذه الجملة وما بعدها لا تتعلق بالقرآن وما أشار إليه لدى الأمم القديمة وإنما أوردها المؤلف بسياق آخر وهو سياق الأحاديث والآثار والشعر الذي وصف موقف العرب المسلمين من البنت وانسحب ذلك حتى على الدية فنصِّفت وجُعلت دية المرأة نصف دية الرجل ولم يورد المؤلف أن الله غلب المرأة كما ذكر أخونا الفتحي بالنص (كيف حاك في صدر الدكتور - يعني مؤلف الكتاب - أن الله غلب المرأة مراعاة لميل الناس إلى الذكر).
هذا قول لم يرد في الكتاب وسأنقل ما جاء في الكتاب إبراءً للذمة يقول المؤلف (وحين نقرأ ما تقرره الشريعة، نجد - مثلاً - أن الإرث للأنثى نصف ما للذكر إذا استويا في القرابة - الابن، البنت -، بل حتى فيما هو من الشعائر الظاهرة، على سبيل المثال تكون العقيقة شاة واحدة للبنت، وشاتين للذكر؛ ومثل ذلك الدية، فدية المرأة نصف دية الرجل، ولا يمكن أن نشك بعدالة الإسلام وشعائره، ولا اعتراض على مراد التشريع وحكمته، وإنما جاء ذلك لما يعلمه الله من ميل الناس للابن من الولد خاصة وتفضيلهم الابن عن البنت في كل الأحوال).
فالمؤلف دقيق في عرضه عندما قال الشريعة والتشريع ولم يقل القرآن أو الدين، ولا قال إن الله غلب المرأة كما قوَّلته أنت ذلك وهل تريد مني أن أشرح لك معنى الشريعة التي ذكرها المؤلف في عرضه والتشريع الذي أشار إليه.
وأنا أرجو من القراء الذين لم يطلعوا على الكتاب أن يقرؤه حتى يعرف الجميع ما قال المؤلف، وما دافع عنه في الشريعة التي أشار إليها وكيف تكون آفة النقل، ولعلم أخينا الفتحي والقراء فإن هناك قراءاتٍ فقهية تثبت أن النصوص التي اعتمد عليها في التنصيف تنصيف الدية هي موضوع مراجعة ونظر، وليس فيها نص قطعي الثبوت ومن أراد معرفة ذلك فليقرأ كتاباً قِيماً بعنوان أحكام المرأة في القصاص والدية مناقشة وتحليل للأستاذ الدكتور عبد اللطيف محمد عامر وبحثاً حديثاً للشيخ يوسف القرضاوي في الموضوع نفسه الذي نشرته جريدة الراية القطرية على حلقتين في 24-5-2005م ليعلم أن الشريعة التي أشار إليها المؤلف ليست القرآن ولا أركان الإسلام وثوابته التي يريد صديقنا الفتحي أن يحملها على المؤلف عندما أشار إلى الشعائر الظاهرة.
المزلق الرابع كما يرى أخونا الفتحي عند المؤلف ينزلق فيه الفتحي نفسه فهو ينقل عن كتاب مرقمة صفحاته ولكنه يهمل الإشارة إلى أرقام الصفحات وهذا ما شوش على من يقرأ المقال وأربكه فلا يجد ما ينسبه الفتحي للمؤلف وقد يلهيه قوله عن العودة إلى نص المؤلف الذي لا يوافق معنى ما ينقله عنه فقد نقل عن المؤلف فيما سماه المزلق الرابع النص التالي: (لو جاءت آية (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) بعد هذا السياق من القرآن، ونظر فيها أهل اللغة والفصاحة والبيان العربي الذي أشرنا إلى فصاحتهم عند نزول الوحي عليهم قبل ضعف السليقة، لما فسروها بغير النفس، ولما احتاجوا إلى العدول بالقرآن عن سياقه إلى المعنى البعيد الذي اتخذه المفسرون، وأسرفوا في تأويله،وعدلوا بالقرآن ومعناه عما تقوله اللغة وتسمح به ولا سيما أن الحديث عن القتل بكل أنواعه هو حديث عن النفس المقتولة).
هذا النص الذي نقله الفتحي جاء في ص152 من الكتاب.
ثم ينقل بعد هذا النص مباشرة نصاً جاء في ص 149 من الكتاب وهو: (في هذه الصفحات سنتحدث عن سياق لغوي وقرآني ظاهر الدلالة في لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم، حتى يظهر للقارئ المنصف، الذي يبحث عن الصواب أو يحاوله نسق اللغة، واستعمال الدلالة اللفظية عند العرب الذين تلقوا القرآن، وأدركوا مضامينه اللغوية ودلالته الدينية، وأظهر ذلك في الإرث اللغوي، وفي النص القرآني، الذي جاء يحكي عن العرب الأقحاح مدى فهمهم للدلالة اللفظية، مهما كان المراد منها، حين قال تعالى عن العرب الذين خاطبوا النبي خطاب الرفض المسبب لما في أذهانهم).
ثم يتساءل أخونا الفتحي عن الخطأ فيقول: (أين الخطأ؟ أفي ورود الآية بعيداً عن السياق الذي يفترض هو أن تكون قد وردت فيه؟ أم في تفسير العرب لها تفسيراً خاطئاً - كما يظن - ).
لا أظن أن هذا هو فهم أخينا الفتحي ولا يمكن أن يلتبس عليه ذلك لكنه يريد أن يبلبل ذهن القارئ غير المتخصص في حدية المعاني.
فالمؤلف يفرق في كلامه في صفحة 149 في الكتاب بين من يعنيهم في هذا النص وهم العرب الذين تلقوا القرآن من النبي? وهم أهل الفصاحة والبيان الذين أشار إليهم إشارة واضحة بأنهم العرب الذين سمعوا القرآن من النبي? مباشرة. وبين مَنْ يعنيهم في النص الذي ورد في ص152 وهم المفسرون الذين جاءوا بعد العرب الأقحاح بمئات السنين وتعلموا أساليب العربية تعلماً وكانت نشأتهم في البلاد الإسلامية بعد ضعف السليقة اللغوية وفساد اللغة ولكنّ أخانا الفتحي يخلط النصوص ويخرج منها بنص من عنده فيقول سامحه الله: (هل لاحظتم أنه يؤكد على تمتع العرب الذين نزل القرآن بلغتهم بكثيرٍ من متانة الفهم، وكمال الوعي بالأساليب العربية اللفظية والدلالية مهما كان المراد منها. ثم يعود ليقول إن العرب الأقحاح هؤلاء كانوا في حاجة ماسة لأن يأتي الفرزدق بأبياته في الوأد ليتصور في أذهانهم معنى لم يكونوا قد عرفوه قبل؟).
وأنا أقول وهل لاحظتم كيف يخلط أخونا الفتحي النصوص والأوراق فيجعل العرب الذين تلقوا الوحي من النبي? وأشار المؤلف إليهم صراحة في النص السابق في صفحة 149 هم الذين فسروا القرآن بعد مئات السنين وفساد اللغة في صفحة 152 وعناهم المؤلف ثم يقول على المؤلف ما لم يقل، فالمؤلف لم يصف هؤلاء بالعرب ولا بالفصحاء ولا بالأقحاح بل قال: (لوجاءت الآية بعد هذا السياق ونظر فيها أهل اللغة والفصاحة والبيان العربي) ومعنى ذلك أنه ينفي عن المفسرين هذه الصفة.
إن أخانا الفتحي يريد أن يقول شيئاً غير موجود في الكتاب فيحرف ما استطاع التحريف ويقفز من صفحة إلى أخرى ومن جملة مستقيمة إلى جملة أخرى، لا يربط بينهما إلا رغبته بما يريد أن يقول عن المؤلف والكتاب. أما المزلق الخامس عنده في مقاله الذي حمل به على المؤلف فلا أدري كيف استطاع أن يدلي به.
إذ المؤلف عندما يورد ما نقله عنه أخونا الفتحي فإنما يورد ذلك جدلاً وافتراضاً لا حقيقة ولا قناعة وأخونا الفتحي لا يجهل أساليب لاستحالة الجدلية ولو قرأ قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (24) سورة سبأ، لعرف ما يريد المؤلف مما قال حين نص في صفحة 39 بقوله: (على فرض قبولنا لهذا العدد الكبير الذي أحياه صعصعة). ثم استطرد للجدل بوضع احتمالين أحدهما أن يكون هذا العمل (منَّة في أعناق القوم يذكرونه لمن منَّ عليهم وعلى بناتهم).
أما الاحتمال الآخر فهو الجانب السلبي للاحتمال الثاني وهو أن يُهجى أباؤهن بما فعلوا، ولأن المحصلة هي الاستحالة لكلا الاحتمالين فقد جاء المؤلف بمقتضياتهما جدلاً.
وللطريقة نفسها التي اتبعها أخونا الفتحي جاء بنص المؤلف الأول مقطوع عن سياقه وهو أن تكون هذه المنة العظيمة في أعناقهن وأعناق آبائهن وعشيرتهن صفحة 39 وألصق به نصاً آخر مقطوعاً عن سياقه أيضاً وهو نقله عن الكتاب النص التالي: (وليس هنا عار وعيب من أن يعجز الرجل عن قوت ولده ، ويحاول قتله ، ثم ينقذه سيد من سادات قومه).
صفحة 42 وبين النصين ما ترون من عدد الصفحات التي ملئت بالجدل حول هذه القضية وفيها بيان مقنع وجدل محكم عن أن الوأد لم يحدث ولم تستنقذ بنت واحدة في كل جاهلية العرب.
وسادس المزالق التي يوردها الأستاذ محمد العامر الفتحي فتح الله عليه برحابة الصدر واطمئنان البال هو قوله: (يورد الدكتور - يعني مؤلف الكتاب - قصة يرى أنها تبين بطلان ما قيل عن قيس بن عاصم من الوأد، تلك القصة التي لم يوردها كاملة لأن في إيرادها كاملة ما يكشف زيفها).
هكذا يقول أخونا الفتحي ولكن المؤلف أورد القصة كاملة في صفحة 13 من الكتاب ضمن ترجمة كاملة لقيس بن عاصم ولم ينقص منها كلمة واحدة ولا شك أن الأستاذ الفتحي قد اطلع عليها ولكن لا أدري لماذا تجاهل وجودها في الكتاب، بل أظن أنه يريد أن يجد طريقاً لملء الصفحة باحتمالات وتفسيرات سيكولوجية لقيس بن عاصم.
إن كان قد فعل ما أشارت إليه القصة وهو: أنه لم يكترث بقتل ابنه وإنما أمر بدفنه ودفع الدية إلى أمه فالكتاب يورد القصة كما أوردتها مصادر ترجمة قيس بن عاصم، وليس غرض المؤلف إثبات القصة أو نفيها، وإنما غرضه دلالات يرددها الناس عن حلم قيس ورباطة جأشه حتى في مثل هذا الحدث. فتردد القصة في ترجمة قيس دالة على ما عرف عنه من حلم بغض النظر أن تكون القصة صحيحة أو غير صحيحة.
وينهي الحلقة الثانية بهذه الجملة: (فكيف ترك الدكتور - يعني مرزوق بن تنباك مؤلف الكتاب - معها الشك الناقد.. ذلك الشك الذي ما تخلى عنه حتى مع الثابت من أقوال العلماء والمفسرين؟ لا أجد تفسيراً لتخلي الدارس المتشكك حتى في ثقات المفسرين والمحدثين، عن شكه مع قصة متهالكة كهذه أوردتها المصادر القديمة التي هي أحق بالشك إلا بحث الدكتور عن دليل وليس هذا من العدل الأكاديمي في شيءٍ).
منذ بدأ أخونا الفتحي الرد وهو مهموم بترديد ما قاله المؤلف عن تفسير المفسرين للآية وهو بين فينةٍ وأخرى يشير إلى أنه لا يتهم الدكتور وأنه حسن الظن به ولكن الناس الذين يكتب لهم يهمهم أمر التفسير والمفسرين فعليهم أن يأخذوا بما يوحي به إليهم.
ففي كل مرة يعود إلى المفسرين وإلى التفسير بقلب رقيق رحيم، بهم ويشير بلغة موارية إلى ما أصاب التفسير والمفسرين من قول هذا المؤلف، ويحرض على ذلك ويعيد الكرة في كل مرَّة، وهو لا يضيف جديداً لما جاء في الكتاب. أما أقوال المفسرين وآراؤهم ورأي المؤلف فيها فهي مبسوطة في الكتاب.
والمؤلف يتحمل مسؤولية ما قال ولا يحتاج الأمر إلى كل هذا الإرجاف الذي ملأ به ردوده الأربعة، لكن القارئ يبحث عن الإضافة التي هي الغاية في الردود والاعتراض.
كل ما استطاع أخونا الفتحي هو تقليب النصوص التي أوردها الكتاب وناقشها المؤلف.
ولقد خيب الأستاذ الفتحي ظن القراء عندما لم يجد في كل التراث الذي هو تخصصه نصاً واحداً يثبت أن العرب يئدون البنات، ويكذب ما زعم الكتاب ومؤلفه، فذهب يقلب حجج المؤلف وآراءه ويذرف على المفسرين والمحدثين دموع التماسيح مما تعرضوا له من المؤلف الذي لم يأخذ آراءهم مسلمات لا تقبل النظر ولا الجدل إنما ناقش آراءهم وأقام الدليل على ما يذهب إليه، مع احترام كل الآراء وتقدير كل السابقين.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved