الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th November,2006 العدد : 177

الأثنين 29 ,شوال 1427

حديث مع كتاب الرواية العرب
قاسم حول*

عندما كتبت الملاحم الأولى والأساطير والمسرحيات، لم تكن ثمة أصول منهجية للكتابة. لم تكن ثمة بنية درامية ولا دراسة للشخصيات معدة مسبقا تشكل مع بناء تلك الأعمال الأدبية المنهج الأكاديمي للكتابة. لذلك كانت الأعمال التي تدرس حتى الآن في فكرتها وجمال حوارها وتشويق سردها الأدبي هي أعمال نادرة واستثنائية.
وشكلت مرجعية في المنهج الذي وضعه أكاديميون وخبراء وتبلور وتبلورت أسس البناء والحوار والشخصيات. فصارت هذه الأسس أسسا أكاديمية في العمل الروائي والمسرحي.
وينسحب هذا المبدأ على الفنون التشكيلية حيث نظرة فاحصة للتماثيل التي أكتشفها البحاثة تحت الأرض تؤكد بأن النحاتين والرسامين كانوا دقيقين في عملية التشريح للجسم الإنساني أو الحيواني، كما تدلل الكثير من الأعمال عن الأشكال التجريدية والتعبيرية التي أصبحت الآن مدارس في فن التشكيل. كما أصبحت ألف ليلة وليلة مرجعا لكتابة الدراما في حلقات وتعتبر أهم مرجع متقن سواء في طبيعة البناء الدرامي أم في رسم الشخوص ومتابعتها ضمن الأحداث وتطورها في عمل مدهش سيبقى نموذجا متألقا على مر التأريخ.
كتاب الرواية العرب أغلبهم لا يعرفون طبيعة البناء. وعندما تبدأ الحوار الصريح معهم يتهمونك بالكلاسيكية التي تعني (المنهج المدرسي - الكلاسية)، وكأن المنهجية عيب في المتلقي. ويبررون ذلك أما بالحداثة أو بأن كل عمل روائي يخلق منهجه. الحداثة تطور طبيعي للحياة فاللغة وحتى مفرداتها لم تعد تلك اللغة الكلاسيكية ولا كل المفردات لا تزال على قيد الحياة.
التطور هو سنة الحياة وبالضرورة الأدب والفن. ولكن الذهاب نحو الحداثة لا يستقيم بدون معرفة المنهج فالرسام التجريدي الذي لا يتقن فن (البورتريه) على سبيل المثال هو رسام هارب من المعرفة نحو الحداثة والرسام الذي لا يعرف سر اللون لا يمكنه إبداع هارموني اللون.
لماذا يطلق على سرد الرواية والمسرحية تعبير (البناء)؟ لأن فن العمارة هو من الفنون السبعة المهمة وإذا لم يكن للعمارة بناء أكاديمي ومنهجي وعلمي فإن العمارة قابلة للانهيار.
والرواية هي أيضا يجب أن تخضع للبناء الدرامي وإلا تصبح عملا مشهديا فيه مشاهد جميلة هناك وحوار ممتع هنا ولكن يدخل القارئ في متاهات فتنهار عملية التشويق والمتابعة التي هي من القيم الأساسية للعمل الروائي.
مكتبات العالم مليئة بالروايات وكل يوم يجد القارئ روايات جديدة في سوق الكتب ودور النشر العربية تتابع ما يكتب عن أهم تلك الروايات وتعمد إلى ترجمتها للعربية فيما دور النشر الغربية نادرا ما تترجم أعمالا أدبية عربية، والأعمال التي يصار إلى ترجمتها أحيانا تقوم بها مؤسسات تعنى ببعض الدراسات كأن تكون تلك الدراسات نابعة من الرغبة في معرفة نمط تفكير المرأة العربية فيصار إلى ترجمة روايات لكاتبات عربيات وما أشبه.
أما ظاهرة ترجمة الرواية العربية إلى لغة الغرب فإنها تندرج في الاستثناء وليس في القاعدة. والسبب يعود إلى فقدان الصيغة المنهجية في الكتابة. ولو أردنا أن نرسم هيكلا للرواية ووضعنا الروايات العربية ضمن ذلك الهيكل لشاهدنا الكثير من المشاهد والكثير من الديالوجات والمنولوجات والحوارات تتناثر خارج ذلك الهيكل، بمعنى أن البناء لهذه الرواية أو تلك قد انهار. دخول عالم الحداثة هو حق مشروع كما وإنه سمة من سمات الحياة وهو شيء جميل وينسجم مع روح العصر. لكن الحداثة لا تعني التعقيد لأن الحياة معقدة بما فيه الكفاية ومطلوب من النص الأدبي والفني أن يسهل الحياة ويبسطها لا أن يشكل انعكاسا (فوتوغرافيا) للواقع.
النص الأدبي والروائي والقصصي بالنسبة لي هو عالم ممتع وعالم زاخر بالقيم الجمالية التي ترتقي بالإنسان إلى أعلى من الواقع والحوار هو فن أخاذ وليس كل ما يقال يكتب حواراً. من هذا المنطلق تصبح الرواية قابلة للقراءة بل ومشوقة للقراءة.. صراحة أنا أحيانا أشعر بالإرهاق الشديد وأنا أقرأ بعض النصوص الروائية العربية لأنني أدخل في كم من الحوار لا يعبر عن الشخوص المرسومة بل يضع الكاتب نفسه ولغته على لسان كل شخصيات الرواية فتصعب معرفة شخوصها وأمزجتهم وصفاتهم وتكوينهم البشري. كما أن الخيط يضيع مني كثيراً، فإذا كنت مضطرا لقراءة هذه الرواية أو تلك معرفة بكاتبها ورغبة في معرفة نضجه الأدبي والفني فإنني كثيرا ما أعود للصفحات التي قرأتها لكي أتأكد أنني أمشي في الطريق الصحيح حتى أستطيع الوصول إلى نهايته.
إذا شاهدت في الفصل الأول من مسرحية ما بندقية.. فيجب أن تسمع منها إطلاقة في الفصل الأخير. هذا منهج من مناهج كتابة النص الأدبي، فكم من شخصية في روايات عربية تظهر وتغيب ولا نعرف أسباب ظهورها ولا أسباب اختفائها.
إن الأعمال المسرحية الكبيرة التي تركها تنسي وليامز لم تكن كذلك لولا أنه طبعها بعد أن تم إنتاجها على المسرح. فكان وليامز وهو الصديق للمخرج المسرحي إيليا كازان والذي تحول للسينما، كان يحضر تمرينات مسرحياته وكان يكتشف ضعف البناء ويكتشف الحوارات الفائضة ويكتشف ضعف بناء الشخوص هنا أو هناك في هذه الشخصية أو تلك وكان يصحح كتابة مسرحياته لأن تحريك العمل المسرحي المكتوب على المسرح يكشف خلال البناء بناء الشخصية أو البناء الدرامي، وكذا الحال في الروايات فعندما يحاول المخرج السينمائي تحويل الرواية إلى عمل للسينما ويبدأ في كتابة السيناريو فإن شكل الرواية سينكشف وفق المنهج الأكاديمي للأدب والفن.
تبقى الحداثة حقا ولكنه ضمن عملية التطور الطبيعي القائم على المنهج وإلا فإن الحداثة تسقط في الفوضى والثرثرة، وتتعب المتلقي وهو غير مجبر على الصمود في متابعة رواية قد تصل صفحاتها إلى أكثر من مائتي صفحة في عصر متعب ومرهق يحتاج فيه الإنسان إلى متعة فكرية وحسية وجمالية. وبالتالي فإن الكاتب حر في أن يكسب المتلقي أو يخسره.


* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved