Culture Magazine Thursday  02/02/2012 G Issue 361
عدد خاص
الخميس 10 ,ربيع الاول 1433   العدد  361
 
العملة النادرة
خير الدين حسيب

 

تعرفت على الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي - وهي فلسطينية الأصل أجبرت على مغادرة وطنها في فلسطين مع من أجبروا على مغادرتها عند نكبة 48 - قبل حصولها على الدكتوراه، تعرفت عليها عندما كانت تدرس للدكتوراه في جامعة لندن، وكنت حينها أدرس في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية (London School of Economics and Political Science - LSE)، حيث كنا غالباً ما نلتقي على الغداء في مطعم في مقر جامعة لندن (Senate House) وفيه مكتبة هامة، ولديهم مطعم يتميز إيجابياً عن مطعم كليتي وربما عن مطاعم كليات أخرى. وإضافة إلى سلمى كنا نجتمع خلال فترات الغداء هذه مع الأخت بثينة (من مصر) التي كانت تدرس الدكتوراه أيضاً في جامعة لندن وانقطعت الصلة بها بعد حصولها على الدكتوراه وعودتها إلى مصر، ومع الأخت حكمت أبو زيد التي كانت تحضر للدكتوراه أيضاً ثم غادرت إلى مصر بعد حصولها عليها واختيرت وزيرة للشؤون الاجتماعية في أوائل الستينيات أثناء عهد جمال عبد الناصر واستمرت العلاقة بها متقطعة في مصر ولبنان، وفي لبنان لفترة محدودة بعد غياب جمال عبد الناصر، وانقطعت الصلة بها منذ عودتها إلى ليبيا ثم إلى مصر. كانت هذه اللقاءات ممتعة وكنا جميعاً مهمومين بمشاكل أمتنا العربية وبطموحاتنا وأحلامنا.

كما كنت ألتقي أيضاً مع الأخت سلمى في مناسبات أخرى ومع زوجها الأستاذ برهان الجيوسي وكان يعمل دبلوماسياً في السفارة الأردنية في لندن، وقد افترقا فيما بعد ولا تزال تحمل اسم عائلته إضافة إلى اسم عائلتها (الخضراء).

وقد استمرت علاقتي معها بشكل أوثق مما استمرت علاقتي مع بقية المجموعة بعد عودتنا كل إلى وطنه. ثم زادت هذه العلاقة وثوقاً بعد أن انتقلت سلمى إلى الولايات المتحدة وأسست مشروعها (بروتا)، الذي قامت من خلاله، وبنفسها فقط، بإنجاز ما تعجز عنه مراكز دراسات أو ربما بعض وزارات ثقافة عربية. فقد اهتمت بترجمة عيون الإنتاج الأدبي والفكري العربي إلى اللغة الإنكليزية ونشرها، وقدمت من خلال ذلك خدمة كبيرة لعدد كبير من المفكرين العرب بتعريف الغرب على إنتاجهم. كما قدمت للغرب خدمة كبيرة بتعريفهم على بعض الإنتاج الفكري العربي. وتضمن ذلك فيما تضمن، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، تنظيمها لمؤتمرات كثيرة ومهمة، كالمؤتمر عن «الحضارة الإسلامية في الأندلس» الذي نُشر الكتاب الصادر عنه بمجلدين باللغة الإنكليزية وقام مركز دراسات الوحدة العربية بنشره بعد أن أشرفت الدكتورة سلمى على ترجمته إلى العربية.

وقد ميزت الدكتورة سلمى نفسها بأنها لا تقبل الفشل ولا تستسلم لفشل أول أو ثاني محاولة، ولديها إصرار تُغبط عليه في قدرتها على تحقيق طموحاتها مهما كانت العقبات. كما تتميز بقدرة عجيبة في الحصول على تمويل لمشاريعها من بعض الأنظمة ومن بعض المتمولين والأمراء العرب بشكل قل نظيره عربياً. وهي، رغم تعاملها مع عدد من الشيوخ والأمراء للحصول على تمويل لبعض مشاريعها، إلا أنها لم تساوم قط على قناعاتها القومية أو تبتعد أو تنسى تلك الهموم. وكانت قدرتها على الحصول على تمويل لمشاريعها هي ما مكنها من إنجاز الكثير من الكتب والموسوعات، بما فيه بعض كتبها نفسها عن الشعر والنقد الأدبي العربي. ورغم تقدمها في العمر فإنها لا تزال تواصل جهادها في هذا المجال، وأتمنى لها طول العمر لإنجاز مشاريعها الحالية والتي يصعب تصور إنجازها من خلال غيرها. ولا بد أن أشير إلى أنه إضافة إلى اهتماماتها الفكرية وترجمة ونشر عدد من الأعمال الفكرية العربية المهمة بالإنكليزية، إلا أنها كبيرة الاهتمام بقضايا أمتها الحيوية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. أمد الله بعمر سلمى، وجعل منها مثالاً وقدوة للمرأة العربية، لأننا بحاجة ماسة إلى العديد من أمثال سلمى، وهي عملة نادرة.

لندن

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة