Culture Magazine Thursday  02/02/2012 G Issue 361
عدد خاص
الخميس 10 ,ربيع الاول 1433   العدد  361
 
تغيير الآخر مسؤولية الأنا (المقاومة عن طريق الثقافة)
د. رشيد الحاج صالح

 

تقوم الفكرة المحورية في مشروع الجيوسي الثقافي، على أن تغيير الصورة النمطية السلبية عن العرب، التي تسيطر على الثقافة والإعلام العالميين، هي مسؤولية الثقافة العربية أولاً وقبل كل شي، على الرغم من أن الغرب هو الذي شوه صورتنا وأخطأ في حقنا.

فإذا كان العالم الغربي قد كون صورة ظلامية ومزيفة عن ثقافتنا وتاريخنا، وحولنا إلى مجرد شعوب متخلفة تعيش على هامش التاريخ ولم تقدم شيئاً يذكر للإنسانية، فإن هذا العالم لن يغير شيئاً من تلك الصورة، إلا إذا انتفض المثقفون العرب أنفسهم، وبذلوا جهوداً ترتقي إلى مستوى التحديات، بغية الكشف عن التدليس والتلفيق والتزوير الذي لحق بثقافتنا من جهة، ولإبراز ما في ثقافتنا من عناصر إبداع وانجازات ثقافية وحضارية، يجهلها الغرب، بل قد يجهلها قسم كبير من العرب أنفسهم من جهة ثانية.

وإذا كان الغرب لا يفهم إلا بلغته، فقد اختارت الجيوسي «الترجمة» إلى لغته كوسيلة رئيسة لتقديم منجزات وشوامخ الثقافة العربية. فهي تريد أن تحدثه عن حضارتنا وإبداعاتنا وسردياتنا وحياتنا ومدننا، وتقدم له أحسن ما عندنا عن طريق الترجمة. فهي بكل بساطة تترجم للغرب ولكن من أجل ثقافتنا، وتسعى إلى بناء الجسور معه ولكن لكي تدفع الغرب إلى السير عليها والاستماع إلى ما تقوله.

فالعالم الغربي لا يعرف عنا شيئاً، والنقص الموجود في كتبنا الثقافية ضمن المكتبات العالمية رهيب ومخيف. وبعد ذلك نسأل: لماذا لا ينصفنا الغرب ويتعاطف مع قضايانا وتراثنا ويتجاهل حقوقنا السياسية؟.

فالمسؤولية هي مسؤوليتنا نحن. ولذلك نجد الجيوسي كثيرة الشكوى من الجهود المتواضعة التي يبذلها المثقفون العرب لتغيير الوضع الراهن، والتصدي الثقافي لكل المظالم التي نعاني منها على الساحتين الثقافية والسياسية وغيرهما. كما أنها شديدة اللوم لوزارات الثقافة العربية وبعض المؤسسات الثقافية، لأنها لا تقوم حتى بالحدود الدنيا من دورها في نشر الثقافة العربية وتقديم كنوزها للعالم أجمع.

ولذلك نجد الجيوسي تصل إلى حقيقة مفجعة وقاسية، وهي أن أكبر عدو يواجهه العرب، ليس الغرب المتصهين الذي ينشر كل أنواع الأكاذيب والتزوير والتجاهل ضدنا، بل العرب أنفسهم الذين يظنون أن الغرب يمكن أن يغير مواقفه ويحسن من صورتنا النمطية، من تلقاء نفسه أو عن طيب خاطر. فثقافة الأمنيات والشكوى ولعنة الآخر، أساليب ليس لها أي مردود واقعي، وستمنحنا عالماً خيالياً مزيفاً يجعلنا نتوهم بأننا ننتصر في أكبر المعارك التي هزمنا بها.

أما أهم مواطن قوتنا فهي «الثقافة»، لأن العرب يملكون موروثاً ثقافياً وأدبياً وعمرانياً وفنياً لا نجد مثيله عند أغلب الشعوب، ولذلك ليس علينا سوى نفض الغبار عن هذا الموروث، وإعادة إنتاجه بأسلوب حداثي وبلغة عصرية، تجعل العالم يقبل عليه ويتعاطف معه بوصفه عطاءً إنسانياً لابدَّ من الاهتمام به.

وهذه ليست مهمة سهلة، بل تحتاج إلى جهد ووقت وعمل دؤوب ونوايا صادقة وإيمان بالواجب تجاه أمتنا، التي تعاني من تبعات الغزو الثقافي والإعلامي.

فمن يستطيع أن يلفت نظر العالم الغربي ويقنعه بأهمية «الفن العمراني العربي»، ويبن له «إسهامات العرب في النهضة الأوروبية»، ودور»بحوثهم في التكنولوجيا والزراعة والصناعة «على الحياة الاقتصادية في الأندلس، وأثر الشعر العربي على «اللغة الرومانسية في شعر بعض الأوربيين»، وأهمية» الإنجازات الموسيقية العربية» في الموسيقى الأندلسية، والدور الذي قام به التراث الإسلامي في» إغناء الأدب الإسباني» ومن ورائه الأوروبي. وكيف سيسمع الغرب عن إبداعات ذي الرمة وابن خفاجة وابن حزم وغيرهم...

ومن يستطيع أن يشرح للغرب أهمية العرب ثقافياً وفكرياً وإنسانياً سوى العرب أنفسهم. ومن يقدر على أن ينذر نفسه لهذه المهمة النبيلة، سوى أناس يتمتعون بدرجة عالية من الشعور بتحمل المسؤولية والغيرة على أوضاع الأمة والاستعداد لبذل جهود كبيرة، من أجل تغيير الصورة السلبية التي أرهقتنا كثيراً وأخطأت في حقنا أكثر.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن مايميز شخصية الجيوسي هو « التفاؤل « والإيمان بأن جهودها ستؤتي ثمارها وأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة. فهي تعتقد جازمة أن عدد المدركين لخطورة هذه المهمة يزداد شيئاً فشيئاً. وإن كنا تأخرنا كثيراً، فأن تصل متأخراً خيرٌ من أن لاتصل أبداً.

بل من يستطيع أن يبين للعالم الغربي أن العرب يمتلكون إرثاً وتجربة مشرفة،حتى فيما يسمى اليوم ب»حقوق الإنسان». فقبل أن تطرح قضية حقوق الإنسان على الساحة السياسية العالمية، وجدت الجيوسي أن هناك نصوصاً عربيةً تراثيةً تؤكد نزوع العربي المبكر نحو إقرار الحق واحترام الحريات وتبجيل كرامة الإنسان وصون حريته في التعبير. فثقافة حقوق ا لإنسان هي بمعنى ما ثقافة عربية قديمة وإن كانت الأسماء تختلف. وإن كان الوضع العربي الحالي يفتقر إلى ما كان جزءاً أساسياً من ثقافتنا بالأمس.

أكاديمي سوري

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة