Culture Magazine Thursday  03/05/2012 G Issue 372
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الآخر 1433   العدد  372
 
الثقافة الثالثة: نحو مواطنين مثقفين علمياً 2-2
د. محمد بن عبدالعزيز الأحمري

 

الفيزيائي C.P سنو ومفهوم الثقافتين

يستحيل على المرء أن يمضي بعيدًا في مناقشة العلم والثقافة، كما قدمت في محاضراتي عن «الثقافة الثالثة» بمعرض الكتاب 2012 من دون الإشارة إلى العمل العظيم الذي حدد مصطلحات الحوار على مدى نصف القرن الأخير. ذلك أنه في عام 1959 ألقى الفيزيائي سنو محاضرة قيمة في جامعة كمبردج تحمل عنوان «الثقافتان والثورة العلمية» ونشرها بعد ذلك في كتاب يحمل العنوان ذاته، واعتمد فرضية أساسية هي أن الثقافتين، العلمية والأدبية، نشأتا وتطورتا بحيث تنفي إحداهما الأخرى، واستدل بالأنماط الأدبية لإدانتها بأنها تمادت عامدة في الجهل بواحدة من أهم قوى تشكيل المجتمع. وعرض رؤيته على النحو التالي في إحدى فقرات كتابه سالف الذكر، التي أصبحت فيما بعد محل استشهاد واقتباس الكثير من المؤلفين:

(شاركت مرات كثيرة في مؤتمرات يوصف أصحابها بمعايير الثقافة التقليدية، بأنهم أصحاب ثقافة رفيعة، والذين أعربوا بأسلوب يفيض حيوية عن تشككهم إزاء أمية العلماء. واستفزني الحديث مرة أو مرتين، ومن ثم سألت المشاركين في المؤتمر من منهم بوسعه تعريف ما هو القانون الثاني للديناميكا الحرارية؟ أجاب أحدهم بإجابة محبطة وتافهة. على الرغم بأن الغاية من سؤالي هي المقابل علميًا لقولهم: (هل قرأت عملاً من أعمال شكسبير؟).

وكان ذلك المؤتمر في إنجلترا، حيث هذه الرؤية فجرت جدلاً عنيفًا وسط رموز الأدب الإنجليزي.

ورغبة مني في الارتفاع بمستوى العرض قبل أن استطرد في النقاش، أوضح للقارئ الكريم أن أكثر المعلومات الشائعة عن القانون الثاني تفيد بأن أي منظومة منعزلة لا يمكن أن تصبح أكثر إتزانًا وانتظامًا مع الزمن. وغني عن الإيضاح أن القانون الثاني له تجليات ونتائج هائلة في حياتنا، مثال ذلك، أن ثلث الطاقة بالكامل الناتجة عن احتراق الفحم لتوليد الكهرباء لا بد أن تفقد في صورة حرارة مبددة، وهو يشكل أحد أعمدة العلم الحديث.

بعد أن تطرقنا إلى القانون الثاني يمكننا العودة إلى الفرضية الأساسية عند «سنو» وهي أن ممارسي العلوم والإنسانيات أقاموا جدارًا أصم عازلاً فيما بينهم.. وليسمح لي القارئ بأن أبدأ بالحديث عن زملائي الأكاديميين، نلاحظ في أغلب الجامعات أن طلاب العلوم والهندسة ملزمون بتلقي مقررات خارج تخصصهم، وتسمى متطلبات كلية، وذلك حتى يحصلوا على شهاداتهم العلمية.

دعونا نطرح سؤالاً: ما التدريب الذي يريد أعضاء مجلس كلية العلوم والهندسة أن يتدرب عليه الطالب خارج مجال التخصص؟ وغالبًا ما تأتي الإجابات على النحو التالي من دون تغيير:

1- نريد للطلاب أن يكونوا في وضع أفضل من حيث الاتصال، خصوصًا عند الكتابة والتأليف.

2- نريد أن يتوافر للطلاب تقييم أفضل لدور كل من العلم والتكنولوجيا، في المجتمع سواء في الماضي أو الحاضر.

3- نريد أن تتوفر لدى الطلاب رؤية شاملة عن كل العلوم، بحيث يتسنى لهم فهم كيف يتلاءم مجال تخصصهم مع المجالات الأخرى؟

الجدير بالذكر أن الفيزيائيين والمهندسين لا ينقصهم الذكاء والفطنة ولكنَّ لدى كليات العلوم والهندسة هدفًا واضحًا، هو تخريج أفضل العلماء والمهندسين قدر الاستطاعة. ونتيجة لذلك يركزون اهتمامهم على حشو المقرر الدراسي بأكبر كمية من المعارف الفنية، بحيث يؤدي هذا إلى الحد من الساعات التي يمكن أن يقضيها الطلاب لاكتساب مهارات من خارج التخصص.

واعتقد أن هذا هو السبب في وجود رجل العلم (الأكاديمي) النمطي، غير الاجتماعي الرافض لكل شيء عدا مجال تخصصه.

ويؤكد الواقع العملي أن المقرر الدراسي شديد التخصص يضر ضررًا بالغًا بالطالب، حيث سيقضي الطالب جلّ حياته العملية عاكفًا على طاولة المعمل أو شاشة الحاسوب؛ مما يجعل الطالب يفقد التفاعل والتواصل مع الجمهور، أضف إلى ذلك أن النهج المنغلق على تعليم العلم والهندسة من شأنه أن يخلق ظواهر غريبة جدًا. وخرج لنا جيل من العلماء العاملين هو من أكثر الفرق الأمية علميًا في مجتمعنا.

جدة binaziz2012@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة