Culture Magazine Thursday  04/10/2012 G Issue 382
أوراق
الخميس 18 ,ذو القعدة 1433   العدد  382
 
الأمانة العلمية بين الفهم وسوء القصد 1-3
د. محمد عبيد

 

أهداني - في نهاية الأسبوع الماضي - صديقي الدكتور عبد الله العطوي إصداره الجديد عن تلقي المعلقات دراسة في الاستقبال التعاقبي وهو في الأصل رسالته التي حصل يها على درجة الدكتوراه، وقد أعجبت بالكتاب محتوى وإخراجًا، وراقني كثير من القضايا التي تكلم عنها، ولا سيما أنه يتكلم عن قضية مهمة جدًّا تتعلق بالتأثير الفاعل على تأويلية النصوص بين منشئ النص وشارحيه ومتلقيه فمنشئ النص والشارح يكونان مرسلين باعتبار الإنشاء وعليهما دور مهم في إغماض المعنى ووضوحه ويعول عليهما في إتاحة كثير من المعاني الأخرى التي يتحملها النص، ولن نكون مبالغين إذ ذكرنا أن المرسِل – أحيانًا- هو الذي يجعل النص قابلاً لقراءات متعددة وفق الإشارات التي يحمّلها خطابه، وعلى المتلقي حينئذٍ أن يقرأ هذه التأويلات وفق ثقافته الخاصة ورؤيته المستقلة للنص، إن هذه الإشكالية القائمة في القراءات المتعددة للنص الواحد تجعلنا نسأل – أو على الأقل يحق لنا التساؤل - أي هذه المعاني المتعددة يريدها صاحب النص؟؟؟ وكيف ينحرف مراد صاحب النص وفقًا لثقافة متلقيه، ومع تحقق المعاني المتوازية بين المنشئ والمتلقي يكون هناك سؤال آخر، هو: أي هذه المعاني تقبل أو ترفض، وأيها يقدم أو يؤخر؟؟؟

إن جدلية العلاقة بين المعاني التي يتحملها النص من الممكن أن تكون تكاملية، ويخدم بعضها بعضًا، وفي المقابل ربما نجد نصوصًا قد حُمّلت أنواعًا من المعاني المتصادمة والمتباعدة مما يزيد العبء على متلقى مثل هذه النوعية من النصوص إذا أراد المفاضلة بين هذه المعاني، وهذا الأمر قد يصل بهذا المتلقي لأن يقبل كل هذه المعاني، أو رفضها أيضًا جميعا، أو قبول بعضها، ورفض البعض الآخر، المهم في ذلك القبول – أو الرفض- أن تكون هناك القرائن التي يتم الترجيح من خلالها.

وقد حاول الدكتور عبد الله العطوي من خلال مؤلّفه أن يعطي لنا انطباعًا – أراه متكاملًا – دراسة أشكال التلقي – القديم والحديث – للمعلقات وفق منهج نظرية التلقي.

والأمر الآخر الذي أريد أن أقف معه هنا، هو ما أورده الدكتور عبد الله العطوي في إحدى نتائج الدراسة من الإشارة إلى قضية السطو على قراءة السابق، ومحاولة إيهام المتلقي أنها بكر، ومن الطبعي أن ذلك ينافي الأخلاق العلمية، وقد نصّ العطوي على عالمين أحدهما من المتقدمين وهو الإمام التبريزي في كتابه (شرح القصائد العشر)، والثاني متأخر، وهو الأستاذ الدكتور مصطفى الشورى في كتابه (الشعر الجاهلي تفسير أسطوري) قد تورطا في موضوع السطو العلمي على نقول من تقدمهما من العلماء.

وقد ذكر الدكتور عبد الله (ص 190) أن الإمام التبريزي قد نقل عن ابن الأنباري ولم يشر إليه، وذكر ص (194) أن التبريزي ينقل قراءة النحاس في كتابه (شرح القصائد التسع المشهورات) نقلا حرفيًّا ولا يشير أيضًا إلى ذلك.

ويحلل ذلك (ص 196) – نقلا عن أحد الباحثين – بأن التبريزي قد غلب عليه المنهج النقلي، فهو ينقل كل ما قاله العلماء السابقون دون أن يوثق ما ينقله عنهم.

وهذا الذي عبر عنه بأنه سطو فيما نقله التبريزي عن ابن الأنباري والنحاس وغيرهما من العلماء وهو كثير دون أن يشير إليه أجد في نفسي حرجًا أن أسميه عدم أمانة علمية، ولكني أجدني أبرر هذا الصنيع من التبريزي وعلماء تلك الفترة بأمور ربما تكون أقرب إلى الصواب، وهي :

- أن الغالب على علماء تلك الفترة أن يغفلوا ذكر أصحاب النصوص التي ينقلونها، ولذا كثرت في مصنفات السلف عبارات : ذهب بعضهم، أو ذهب بعض العلماء، أو منهم من قال، أو قال بعضهم، أو زعم البعض....، وهذا الصنيع من التبريزي وغيره ليس بدعًا منه – كما أسلفت – ولكنه متَّبِع في ذلك، ونظرة سريعة في مصنفات تلك الفترة تبرهن صحة هذا الكلام في عمومه.

- ربما يكون هذا الأمر متعمدًا لهذه الطريقة في بعض النقول لشهرة هذه الآراء والنقول وشهرة أصحابها وكان الناقل لها يعتمد على معرفة علماء عصره لها، وليس الإغفال بهدف السطو عليها.

ودليل آخر أراه مناسبًا جدًّا هو نظرة سريعة على مؤلف ابن الأنباري، والنحاس سنجد نفس صنيع التبريزي مع بعض النقول التي كانوا ينقلونها دون النص على صاحبها، وفي المقابل سنجد أيضًا بنظرة سريعة على مصنف التبريزي الذي ذكره الدكتور العطوي وغيره من المصنفات الأخرى سنجده يذكر أحيانا النقول مشفوعة بذكر أصحابها.

فهذا وغيره يعد متفقًا مع الأمانة العلمية لأنه نقل لم تتحق فيه قصدية المؤلف للسطو على النصوص التي ينقلها.

وليس هذا الأمر مقتصرًا على المصنفات الأدبية بل تجد هذا في المصنفات النحوية وانظر إلى كتاب الجنى الداني للمرادي، وكتاب مغني اللبيب لابن هشام في قسم الأدوات، وانظر إلى التذييل والتكميل لأبي حيان، وانظر إلى كتب التفاسير كاللباب لابن عادل حتى قيل ليس لابن عادل من كتابه شيء، وكذا شروح المصنفات الفقهية وكتب علم الكلام وغيرها من المصنفات العربية.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة