Culture Magazine Thursday  04/10/2012 G Issue 382
أوراق
الخميس 18 ,ذو القعدة 1433   العدد  382
 
سطوة قيمة التشدد على قيمة الثقافة السعودية
د.زهير محمد جميل كتبي

 

الذين سيطروا وقبضوا على مفاصل الكلمة ومنابع المنابر. هم الذين صنعوا.. (التشدد والتطرف والغلو الديني)..، وشكلوا حركات شعبية من جيل الشباب تعبر عن رفض واقع المجتمع. وسيطرة الظلامية والتشدد على المرحلة، وهذا ما قد يعوق بل أعاق تقدم وتطوير وتحديث بلادنا بالصورة المطلوبة حتى نستطيع اللحاق بالعالم الأول، والذي لا نملك مقوماته أو ركائزه أو قواعده أو نظمه أو قوانينه أو أخلاقه، بل إنه يهدد المستقبل بأكمله. وأصبح أولئك.. (المحتلين).. للساحة العامة في الوطن كأنهم مراقبون راقصون على القبور، ولو أدى الأمر بهم لنبش قبور البعض النائمين في صناديق القبور لمحاكمتهم ومعاقبتهم، فلم يسلم الموتي من ألسنتهم وأحكامهم العامة. بهدف التخويف والترهيب. في حين أن المجتمع كان، وما زال، وسيظل، في حاجة حقيقية إلى آمال تضيء المشهد والمجتمع للانتقال لمرحلة الرقي والارتقاء والتحديث للدخول في حضارة العالم الأول، بل إن المحتلين للساحة ركزوا وشددوا اهتماماتهم على تضخيم وإبراز أمراض المجتمع وعوراته بهدف فضح ممارساته الطبيعية وتضخمها لدرجة الرذيلة بطريقة مزعجة ومخيفة. بل وصل بهم الأمر إلى محاولة تحطيم وهدم أي مشروع تعليمي وتنويري، مثل محاربتهم بشدة مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز (للابتعاث الخارجي)..، -بظني- أن مشروع الملك عبدالله نحو الابتعاث هو (العمود الفقري).. لمشروع الملك عبدالله الإصلاحي والتنويري. أراد المتشدد، والمتطرف، أن يعمل بقوة على تعطيل هذا المشروع الحضاري والعصري. أراد المتطرف والمتشدد أن يقتل في دواخل هذا الشعب الطيب والعظيم (الابتسامة البطيئة)..، للحضور التنويري وذلك بدفع المشروع في اتجاه الموت، {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

أراد المتطرف والمتشدد أن يقتل هذا المشروع الحضاري والتنويري عبر (وصفة عيادية).. من داعية متشدد يزعم أنه طبيب لكل شيء ويفهم كل شيء وبيده كل شيء. ادعى أن الطالب السعودي المبتعث يتعاطى الخمور والمسكرات والمخدرات وأنه عربيد. وتغافل -بقصد -وسوء نية بشكل مفزع أن من ضمن، أولئك الشباب والشابات الذين أبدعوا وأنجزوا الكثير أثناء دراستهم بدول الغرب وحققوا تقدماً علمياً مميزاً وفريداً سبقوا طلبة الغرب أنفسهم، والقائمة بأسمائهم طويلة ومشرفة. ولم يكن هذا الأسلوب سوى انتحال أعذار وإلقاء اللوم على الحكومة عبر المؤامرات لتعطيل هذا المشروع التنويري، فلا يمكن أن نسمح لذلك المتطرف والمتشدد ومنهجه وتياره بالإفلات من العقاب، بفضحه وكشف عوراته وأهدافه الخبيثة. كنت أتوقع مثل كثيرين غيري أن يشكل اتفاق الكثير من عناصر المؤسسة الدينية الكثير من ردود الفعل على السيطرة الثقافية لأن ردود الأفعال كانت مشجعة لهم، ولكن مواقفهم المتشددة لم تخرج من كونها خرجت من أعمال سينمائية خلقت الإثارة ولكنها لم تخلق التأثير على القرار الرسمي الحكومي، وكانت تلك الردود بمنتهى البساطة والبهتان مشغولة بحس بديهي في التقاط اللحظة وتوجيه فعلها. وأظهرت تلك (الأعمال السينمائية).. أن مجتمعنا السعودي وصل إلى حال خلال المدة السابقة في غاية الخطورة والانحلال والفساد وأرادوا أن يقولوا: أننا نعيش وضعاً غير سليم، واستغلوا بعض الفعاليات الثقافية الرسمية وحاولوا قذفها بالحجارة، وكأنها امرأة زنت. باستغلال عبارة كتبها الكاتب صالح الشيحي تضمن القذف العام وتوجيه التهم الحاقدة والباطلة والفاسدة للأعراض الشريفة. هذا النوع من التشدد والتطرف في المنهج والفكر والموقف، يستوجب التعمق في دراسة مثل هذه الظواهر التدينة المزعجة في مجتمعنا، والتي تعيدنا للوراء كثيراً، فلا من الاهتمام الجدي بمعالجتها من جوانب عدة من قبل قبائل الثقافة والأدب والصحافة والفكر. لأننا إن تركنا الأمر بعلاته فسوف نعاني من مستقبل قاتم لبلادنا وأبنائنا ما لم يخرجوا هؤلاء المتشددين والمتطرفين من حياتنا العامة والثقافية. إن سيطرتهم ضربت أطنابها في أكثر من مناحي الحياة والمجتمع والمنابر الافتراضية وغيرها، بل إن السيطرة غدت ساحة لتبادل الشتائم والتهم الباطلة مثلما فعل ويفعله محمد العريفي تجاه المثقفين والكتاب، وقوله إنه لديهم ملف لكل واحد منا، وكأنه يقول إن تيار التشدد والتطرف يعمل كحكومة ظل، أو أنه حكومة داخل حكومة لقد اعترف العريفي بالتجسس وهذا أمر مخالف تماماً لنظام الحكم الذي يمنع ذلك بل منع حتى التنصت على المكالمات الهاتفية.. وهذا أمر بالغ الخطورة على مؤسسة الحكم والدولة معاً، أن يقال مثل هذا الكلام لقد أصبحت الساحة الثقافية رهينة التجاذبات بسبب تدخلات التيار الدين ي المتشدد والمتطرف في كل شيء بحياتنا العامة والخاصة، في يوم وليلة، جاءت التهم الباطلة والكبيرة من التيار الديني المتطرف والمتشدد إلى الساحة الثقافية، في اللحظة التي لم يكن ينتظرها أحد، كيف تعامل التيار الديني المتشدد مع مناسبة ثقافية مهمة وحساسة، في أول مشهد تعايش معه الجميع على امتداد أيام؛ التي غمرتها أحلام الثقافة والمثقفين ولكنها فرحة لم تتم. سيطرة المتشدد على القيمة الثقافية هي (ليّ ذراع).. على الأقل مع احتمال مفتوح دوماً على استدراج عناصر مساندة إلى واقعة ثقافية مع إدراج افتعال سياسي محموم بهدف مزيداً من الكسب الرسمي، أن تفهم وتستوعب بالعربي الفصيح أن هذه الأفعال المؤامراتية المتعاقبة في المعركة الدائمة والمستمرة بين المثقف والديني تجاوزت في بعض جوانبها الأخلاق والقيم والأعراف، بل والأنظمة والتعليمات مثل: فعل التجسس من قبل التيار الديني المتشدد على المثقف وسلوكياته وحياته وإنتاجه. إن المسألة الثقافية ومعها الاجتماعية أضحت معركة سياسية مفتوحة تدور على مشارف محاولة متقدمة لتعديل بعض قواعد اللعبة الثقافية داخل الوطن. اقتداء بما وقع في بعض البلدان العربية مثل مصر وتونس حين اختطفت التيارات الإسلامية تلك الدول وأصبحت تحكمها بقوة صندوق الانتخابات، والذي في ظني أنه ليس شرطاً أن يعبر عن الديمقراطية، والصندوق والديمقراطية لا يعبران عن الحرية. قد يكون الكثير من أعضاء الدين المتطرف مبالغاً في تصوير أية ملاحظات عابرة أو مستقرة في مكان ما، وزمن متغير يدفعهم إلى فرض مشروعاتهم المتشددة المتعاقبة، لتعطيل مشروعات أهل الثقافة والأدب. فتفقد التوافقات بينهما، وقد تقود إلى تحوير نظم الثقافة في الوطن. وهذا ما أخشاه وغيري من المثقفين. لكن لا يبدو لي أن المبالغة من قبلهم تثني أهل الثقافة والفكر عن مشروعهم الإصلاحي والتنويري والإبداعي. ولا تخيفهم سياسة (لي الذراع)..، متكئين في ذلك (اللي).. على الأكثرية من الأتباع والحلفاء. ثم إن ثمة ما يشير فعلا بأن منهج.. (لي الذراع) اضحي في جانب مكشوف وبدرجة حساسية شخصية من قبل أعضاء المؤسسة الدينية: إن أقطاب التيار الثقافي المتنور (يستشعرون زحفاً سياسياً وثقافياً لا تقلل وطأته توافقات أخرى حيال ملفات ثقافية سابقة مثل: الحداثة وغيرها. فالداعية أو الشيخ يأتي إلى المؤسسة الدينية بمشروعه المتشدد والفئات المعينة به قبل طرحه في الساحات، أي بفعل أمر واقع ولو اعتبر امتداد الملف مفتوح من السابق. مثل الاختلاط بين الرجال والنساء في المؤتمرات والملتقيات واللقاءات والندوات العامة. فيأتي ذلك الداعية أو الشيخ مدججا بصور ووثائق مزيفة ومركبة ومنظمة فنياً بهدف أن تخلق له رأي إيجابي داخل المؤسسة الدينية. وأنه يرغب إزالة الشوائب المرافقة لذلك المشروع، فالمسألة إذن تتصل مباشرة.. (بتشويه الحقائق).. وممارسة الكذب والتزييف والتضخيم. وفي مثل هذه الحالة الغشاشة والكذابة قد ينفجر الموقف كما ينفجر المرجل المكتوم من الضغط.. لأن قواعد المشروع طارئة وملتهبة وموجة. وهنا يقع ما لا تحمد عقباه. وما أتى، ويأتي، به الكثير من الدعاة والشيوخ من قذف وقدح وشتائم بحق الثقافة والمثقفين هو مما تعاقب عليه قوانين التيار الديني المتشدد. فهل يعتبر ذلك القذف والاتهام والقدح والردح والشتائم والسباب يمكن اعتباره تعبيراً حراً عن الرأي ؟. الجواب الطبيعي والشرعي والعقلاني هو (لا)..،. وخاصة إذا رافقه (التخوين).. بزيارة السفارات وحضور مناسباتها، والشتم الفكري لمن لا يقبل رأيهم وفكرهم. ولمن لا يؤمن بما آلت إليه توجهاتهم التدينية في مختلف المواقف والمناسبات. وهل من المعقول والمقبول أن تنتشر هذه الثقافة المتشددة والمتطرفة، التي تعتبر عن (بورنوغرافيا العقل)..، في وسائل الإعلام من قنوات فضائية وصحف ومجلات ووسائل أخرى مثل الإنترنت والفيس بوك، وتويتر، وغيرها. إنهم الدعاة والشيوخ الذين لا يشعرون بخطورة وفداحة ما يقولون ويفعلون! إنهم الذين يقولون ما لا يفعلون. كلما قام مشروع ثقافي، تنويري، حضاري، وطني، نجح في التحديث والتطوير والرقي والارتقاء والإصلاح للوطن والمواطن، ودك عروش (الطغيان الديني).. و(الاستبداد بالفكر).. و(قهر الظلام)..، تعلو أصوات مغطاة بغطاء ديني مصورة الحالة على أنها خطر قادم. إنهم الذين يرتعون في الأموال والبذخ والإسراف والرفاهية ويتمتعون بكل بهارج الحياة. يغفل أولئك الذين ارتهنوا إلى الفكر الواحد، والنظرة الواحدة، إنهم لا يستطيعون بافعالهم إلى (اقتلاع المشروع الثقافي التنويري).. أصوات على هذه الشاكلة نستطيع أن نتهمها بألف تهمة وتهمة، ولكن لن، ولن، نفعل مهما تطور الموقف معهم، وإن لبسوا أقنعة مرعبة جاعلة منها.. (فزاعة للدين).. أو مهاجمة مستقبلنا التنويري والتحديثي.

هذا المقال لا أرغب منه تبرير العنف والتعديات وعمليات الانتقام، والتشفي، والقول الغوغائي التي تحدث كل يوم أمامنا. ولكن قصدي أن أقول لأصحاب الأصوات الناعقة بالشؤم. تمهلوا على هذا المشروع الثقافي التنويري، ولا تشوه، أعطوه فرصة كي يكبر أمامنا وأمامكم، ليعبر عن ذاته، ويثبت توجهاته ويرسخ مبادئه وقيمه ومثله ويوضح مرتكزاته.. أرجو أن تحافظوا عليه كمحافظتكم على بؤبؤ أعينكم، أحيطوه بالعقل والموضوعية والمناقشة العقلانية حتى لا ينحرف عن جادة الصواب. الثقافة سيف ذو حدين، فإما أن تحسن استخدامه لاسترجاع مكانة الأمة وحضارتها، وإما أن ننحر بواسطتها بعضنا بعضاً!.. فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، حتى لا يضيع الوطن وأبناؤنا الذين هم في أمس الحاجة للجميع.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.

Zkutbi@hotmail.com Twitter : Drzkutbi

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة