Culture Magazine Thursday  05/01/2012 G Issue 359
فضاءات
الخميس 11 ,صفر 1433   العدد  359
 
تحولات امرأة نهرية
درس الأرز
ليلى إبراهيم الأحيدب

 

الكتابة رؤية

الكتابة موقف

الكتابة حزمة وعي تضيء درب من يقرأها

الكتابة جمال يجعلنا نتصالح مع قبح هذا العالم

عندما كتب قاسم حداد مختاراته (إيقاظ الفراشة التي هناك)، كان يكتب رؤية وموقف وحزمة من الوعي الجميل ليس في الشعر فحسب، بل في الحياة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، فهل يمكن أن نتخيل نصا إبداعيا يدور في فلك الأرز، رائحته، قوامه، طقوسه، كيف يُغسل ويُطبخ ويقدم، تقرأه مبهورا بعملية الخلق في الكتابة!

المدهش في هذا النص أنه قد يبدو خارج مواضيع الإبداع! فكيف يمكن كتابة نص عن حفنة أرز أبيض!

ثم كيف يمكن لرجل أن يكتب عن طقوس التعاطي مع الأرز، غسله وكمية الماء التي يحتاجها، كيف يلين بالماء وكيف يفيض على ضيوفه، كيف يمكن أن يكون لحبة أرز كل هذا الإرث الإبداعي في ذاكرة رجل!

كيف يمكن لحبة أرز بيضاء وناعمة أن تشبه عروسا تتخفف من أردية عرسها وتلين لفارسها!

كيف يمكن لها أن تشي بعرق الأصابع التي زرعتها وقطفتها وعبأتها!

كيف يمكن لحبة أرز أن تدفع شاعرا ليكتب نصا بكل هذا الجمال

من هنا تأتي قيمة الكتابة الحقيقية، إنها الخلق الذي لا ينازعك عليه أحد! القطعة الفنية التي تنسجها مدهوشا من كل تفصيلة صغيرة فيها، إنها الجمال الذي تراه أو القبح الذي تنفر منه!

تكتبه ولا يستطيع أحد أن يستوقفك ليقول.. كيف لشاعر كتب عن قيس وليلى أن يكتب عن حبة أرز بسمتي بنفس الشغف!

إنه الإبداع الذي يقوى بذاته لا بموضوعه الذي يطرحه!

هذا النوع من النصوص يستوقفني لأنه يوقظ فراشة الروح المخبأة، يستدعي البساطة في أجمل حللها، لا يقدمها ساذجة أو سطحية أو متلونة بالسائد والمكرور بل يكتبها كما يراها بعينه المبدعة

وكيف يمكن أن نتصالح مع قبح الكون بدون جمال الكتابة!

وكيف يمكن أن تكون الكتابة جميلة بدون روح مبدع حقيقي يخلص لروحه

بمثل روح هذا الشاعر الجميل تنجو الكتابة من فخ القبح

كتبت عن هذا النص لأنه يقول: الكتابة إبداع وليست مجرد (سوالف كثيرة نبحث لها عن قالب)

من يريد من خشاش الكتابة أن يتعلم درساً في الكتابة فعليه أن يقرأ قاسم حداد بشرط أن يستوعب ماذا تعني الكتابة لقاسم حداد، هذا الشاعر الذي كتب القصيدة الشطرية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، هذا المبدع الذي رأى الجمال فعبر عنه بكل ما يمتلك من أدوات، كتب النص المشترك وكتب النص اللوحة وكتب النص المفتوح على احتمالات الجمال.

هذا المبدع يعلمنا كيف يمكن أن نحب الحياة لأننا قادرون على كتابتها بعين الرضا وعين السخط، عين العبث وعين الجد، عين العاشق وعين الرجل البسيط.

هذه المعادلة لا يمتلكها خشاش الكتابة ولا يمكن أن يفعلوا (تسكب كيلة الأرز في الإناء فتسمعه ينهالُ في الصفحة مثل تدفق اللؤلؤ الناعم على قطيفة. تدسُّ أناملك بحنان بين الحبات فتشعر بها مثل بشرة الرضيع الذي ولد تواً. ترفع بالقبضة الرؤوفة حفنةً وتفرج كفّك لتدع الحبات تسيل بين أصابعك مثل حليب رائب. وترى بياضاً يفضح بضع شوائب صغيرة تقوم بانتشالها في رشاقة الصائغ البارع لكي تخلّص الأرز من ذكرياته الأخيرة عن الحقل. تلقي نظرتك الوالهة على صفحة الأرز في الإناء الفسيح وتدفعه تحت الصنبور وتطلق الماء لكي يندفق فرحاً مثل أطفال يهرعون إلى ساعة المرح).

- قاسم حداد - درس الأرز - إيقاظ الفراشة التي هناك

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة