Culture Magazine Thursday  05/01/2012 G Issue 359
فضاءات
الخميس 11 ,صفر 1433   العدد  359
 
المرئي كتابة في السينما العربية
قاسم حول

 

مع عشقي للسينما وخاصة في عصرها الذهبي وبشكل خاص ما يطلق عليه «أفلام المجتمع الأمريكي» ولكن يحلو لي أيضاً وكثيراً أن أتصفح كتباً وألبومات للسينما العالمية. فلقد أرخت هوليوود وأسست لذاكرتها مؤلفات فيها لحظات نادرة من إنجاز تلك الأفلام. الأسماء والنجوم وبدايات السينما. كل لحظة متحركة كانت ترفق بلحظة ثابتة وهي الصورة الفوتوغرافية. وإذا ما عرفنا بأن مستوى الطباعة والتجليد وطريقة الكتابة والمعلومة تمشي كلها بنظام دقيق وسلس للقراءة والمتابعة في الغرب وخاصة الغرب الأمريكي، فإننا نعرف لماذا التقدم ولماذا التأخر. إنها عملية واحدة لا يمكن تجزئتها. فالذي ينتج الكتاب الدقيق المتقن المشوق ينتج في ذات الوقت الغواصة النووية.

يطيب لي بين الحين والآخر أن أتصفح المجلدات الممتعة وفيها صور لها مذاق التاريخ والإبداع ومعلومات عن طرائق إنتاج الأفلام والنجوم الذين كانوا يسحرون المشاهدين في صالات السينما. أتطلع إلى ملصقات الأفلام وأناقة تلك الملصقات، وهي مصممة وفق أسس له قوانينها وليست مجرد تصميم. الكلمات والعناوين هندسية الشكل والألوان مدهشة. وأحتاج أحياناً أن أبحث عن مصادر في كتب عربية عن السينما فلا يطيب لي حتى تصفح تلك الكتب. صور المخرجين أو الأفلام مطبوعة على ورق بائس وصورهم غير واضحة وصور الأفلام كلها عليها تشويه، فأصاب بالخيبة. طيب لماذا؟ هل تنقص الأمة العربية الأموال؟ هي متوفرة ما شاء الله ويغدقون على بعض المهرجانات السينمائية الملايين ولكنهم لا يمنحون مبلغاً لمخرج من بلادهم لكي ينتج فيلماً يثير الاحترام.

بين يدي كتاب عن السينما حاول مؤلفه أن يبذل جهداً ممتازاً في توثيق معلومات عن ثلاثة عشر فيلماً سورياً أنتجت ما بين عام 1992 حتى عام 2009 بمعنى تم إنتاج هذا العدد من الأفلام خلال ثمانية عشر عاماً! وحسب مقدمة الفيلم أن سبب اختياره لهذه الأفلام يأتي من تمايزها في أنها غير تقليدية وتتجاوز الفهم التجاري للسينما. ويضيف أنها حظيت بجوائز في مهرجانات سينمائية. الكتاب للكاتب والناقد السوري فؤاد مسعد.

معلومة في إنتاج الأفلام - معدل إنتاج الأفلام في الهند فيلمين في اليوم!

يتحدث الكاتب عن كل فيلم من خلال قراءة تقييمية مختصرة ثم يوجه عدداً من الأسئلة للمخرج عن مضمون الفيلم وتجربته في إخراج ذلك الفيلم. وبذلك استطاع أن يوثق لنا حقبة من تاريخ السينما السورية عبر الكتابة النقدية للأفلام وهذا شأن مهم للسينما وللتاريخ وللذاكرة. بعض مخرجي هذه الأفلام هم أصدقائي لكنني لم أتعرف صراحة على صورهم المطبوعة بالأسود والأبيض! ونحن نعرف أن السينما هي جامعة الفنون والمفروض أن تكون المؤلفات التي تؤرخها في أناقة الفيلم السينمائي وأناقة الصورة السينمائية والضوء السينمائي. وقد وقعت أنا في ذات المشكلة يوم طبعت كتاباً عن السينما وفيه عدد من صور الأفلام الأمريكية حرصت على انتقائها والبحث عنها لتكون في أجود نوعية فطبع الكتاب وأصبت بالاكتئاب ولا أزال محرجاً في إهدائه ما دفعني ذلك لاتخاذ قرار إعادة طبع كافة مؤلفاتي السينمائية والروائية في أوروبا. وهكذا بدأت.

أن تبذل جهداً في الكتابة وبالذات الكتابة السينمائية المدعومة بالصور، صور الأفلام، وصور العمل السينمائي وبعد ذلك يظهر الكتاب بائساً في طباعته فإن ذلك يهدم حلم الكاتب.

فؤاد مسعد مؤلف الكتاب بذل جهداً حميماً في توثيق تجارب السينمائيين والأفلام الثلاثة عشر التي اختارها للبحث والتوثيق. ويمكن اعتبار الكتاب مرجعاً تاريخياً للكتاب والنقاد والباحثين السينمائيين. إن تأسيس الذاكرة السينمائية نحتاج إليها وتحتاج إليها الأجيال القادمة. ومن هذا المنطلق فإني ومع أهمية الكتاب الورقي أقترح لمن يريد أن يؤسس الذاكرة ويصدر مؤلفاً أن يسعى في نفس الوقت لتنضيده وتحميله في كتاب إلكتروني وفيه صور ثابتة وحتى متحركة من الأفلام، هذه الكتب الإلكترونية التي بدأت تغزو المكتبات في العالم وهي تتطور وتتطور، ومع الوقت سوف تتم معالجة انعكاسات الضوء على العين وبكبسة زر تنقلب الورقة مثل الحلم ويمكن أن تصاحبها الموسيقى.. ونحن لا نزال نطبع بالزنكغراف صور أفلامنا في الكتب المطبوعة.. المسألة لا تتجزأ، فالذي يحقق مثل هذا الإنجاز بإمكانه أن ينشئ الغواصة الإلكترونية ويحتل مساحات من مياه بحارنا ونحن نغني «على شط بحر الهوا.. رسيت مراكبنا»

أتمنى للكاتب «فؤاد مسعد» الذي بذل جهداً حقيقياً في محاورة المخرجين عن تجاربهم ومضامين وأشكال أفلامهم في كتاب «أفلام سورية تحت الضوء» أن يعيد طباعة هذا الجهد الجميل في كتاب إلكتروني ويعيد تحميل صور المخرجين والأفلام في ذلك الكتاب.

غداً سوف يقتني كل عشاق الكتب، من الروايات والبحوث، والقصص والمسرحيات وكتب السينما، عشرة كتب إلكترونية يضم كل كتاب عشرات الآلاف من مختارات الأدب والفن والعلم يضعها في مكتبة زجاجية أنيقة في داره، وعندما يسافر في قطارات أوربا الأنيقة والهادئة والمنسابة بين الحقول فبإمكانه أ، يحمل معه مكتبة كاملة لا تزن أكثر من خمسمائة غرام يقرأ ويرى ويسمع ويشاهد أفلاما داخل الكتاب الإلكتروني ويقرأ تقييماً لتلك الأفلام وتجارب مخرجيها.

شكراً لمؤلف كتاب «أفلام سورية تحت الضوء - فؤاد مسعد» الذي عرفني بأفلام سورية جديدة وذكرني بمقولة في أسطورة سيزيف «آه يا روحي العظيمة لا تطمحي إلى الخلود ولكن استنفذي حدود الممكن»!

سينمائي عراقي مقيم في هولندا - هولندا sununu@ziggo.nl

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة