Culture Magazine Thursday  06/09/2012 G Issue 378
قراءات
الخميس 19 ,شوال 1433   العدد  378
 
هذا الكتاب
زمن العولمة.. فيما وراء الوهم
لمياء السويلم

 

ليس هنالك كتب يمضي وقتها، أو تنتهي صلاحيتها، لكن ثمة كتب تتجدد الحاجة إلى قراءتها، والإنتاج الفكري المغاربي بعمومه تبدو الحاجة لقراءته هذه الفترة من الحياة العربية حاجة ملحة وضرورية جدا، المؤلفات المغاربية التي طرحت موضوعات الحداثة بتناول وفهم فلسفي واضح، تميزت بجدة وجدية طرحها على مستوى المكتبة العربية وتاريخها الحديث.

ومن ضمن الكتب التي يلح التوقيت الثوري العربي على إعادة مداولته، هو كتاب "زمن العولمة، فيما وراء الوهم" للمفكر المغربي الكبير الدكتور محمد سبيلا، هذا الاسم المهم الحاضر في الفكر الفلسفي العربي على مدى أربعين عاما، يتجاوز إنتاجه العشرين كتابا مابين مؤلفات وتراجم أثرت القارئ العربي، وقدمت له البعد الفكري الغائب عنه كمواطن لا زال يعيش في عالم ثالث، يجعله عرضة لأزمات متلاحقة وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن هذا تكونت أهمية قراءة كتاب "زمن العولمة" الذي يتناول موضوعات تمس حياة الإنسان العربي، فالديموقراطية والثقافة السياسية هو الفصل الثاني من الكتاب، يسبقه فصل أول بعنوان المغرب الحديث، وإذا كانت الأسئلة عن أسلمة المعرفة والليبرالية السياسية عناوين تندرج تحت الفصل الثاني، فإن أول الفصول عرج على الثقافة الإسلامية العقلانية المتصالحة مع العصر ومجموعة أسئلة عن الحالة المغربية.

تحت عنوان في الحنين الدفين إلى الأصول يكتب سبيلا (يسعفنا التحليل النفسي في تفسير عمليات الارتكاس والارتداد والحنين.

فهذه المشاعر هي في العمق مشاعر احتجاجية على صعوبات الحاضر، ومؤشر على عدم التكيف مع الراهن. فالارتداد إلى الماضي هو الارتداد إلى الأمين، إلى لحظات الإشباع الكلي والاسترخاء.. في هذه الحالة يصبح الماضي ملجأ بل معيارا ومثالا نموذجيا تقاس به وعليه كل المراحل اللاحقة).

زمن العولمة الفصل الثالث من الكتاب، يتسلسل في عناوين تشغل الفكر المعاصر، فمقولة هيدجر أن العلم لا يفكر في ذاته يطرحها سبيلا سؤالا، إن كان صحيح أن العلم لا يفكر، هل الإنسان بضاعة أم أداة هو السؤال الآخر، التساؤلات عن الخلفيات الفكرية للعولمة والواقع الافتراضي، عن الثورة السياسية والثورة التكنولوجية، مبدأ الهوية والتباسات الإرهاب، هي مجموعة عنواين ثرية لهذا الفصل، الذي ينتهي في السؤال: صراع حضارات أم حوار ثقافات ؟ يشتغل المفكر سبيلا على عدد كبير من العناوين بقراءة قصيرة ومكثفة، مما يجعل القراءة له لا تتوقف على خط المعلومة دونا عن الفكرة أو التحليل أو المقولة الفلسفية، ثمة كل هذا تحت كل عنوان من العناوين الثانوية التي تتسلسل في الكتاب كما لوكانت خط واحد، أكثر من خمسين عنوانا بما يقل عن 120صفحة من الورق المتوسط، هذا العمل المكثف والمشبع يجده القارئ كفصل واحد، كل عنوان يصله بالآخر ويتصل به كما لو كان سؤالا ينتظر جوابه.

يأخذ سبيلا قارئه إلى التفكير في مقولات كبرى أرخت لمراحل فكرية مختلفة، فنهاية الإنسان ونهاية الفلسفة ونهاية التاريخ، الإيديولوجيا، الحداثة وكل النهايات تنزل مجتمعة عند الفيلسوف المغربي بعنوان نهاية فكر النهايات، يستعرضها بسرعة أستاذ يراجع مع تلاميذه الدرس الماضي قبل الشروع في درس جديد، فلا يفوته أن يذكر القارئ العربي تحديدا بموقع الفكر العربي منها.

(مايردده بعض الكتاب العرب عن نهاية المشروع الحضاري أو الثقافي الغربي هو صيغة أخرى لفكر النهاية المتسلسل، والمعنى الوحيد المقبول لهذا المصطلح ليس انتهاء المشروع الحضاري الغربي، بل تحوله تحولا مفصليا بانتقاله من الحداثة إلى مابعد الحداثة، وحتى عندما يحاول متلقطو الأفكار الغربية الإيحاء بالنهاية، فإن كل المؤشرات تدل أن هذه الحضارة هي في طور الانتقال إلى حداثة أوسع وأغنى، حداثة تتسائل عن ذاتها وتوسع مكوناتها لتشمل الآخر بجانب الذات، واللاعقل بجانب العقل، والمقدس بجانب الدنيوي، ولا شك أن المعنى المأساوي والجنائزي الذي تنتهي به هذه المصطلحات إلى الكتابة العربية الراهنة غير صائب، إن لم يكن شكلا من أشكال الوعي الخاطئ والكذب على النفس).

الفصل الرابع والأخير يخصصه المفكر الكبير عن الحداثة والتحديث، ويتناول فيه معالم دولة القانون، والفلسفة والتنمية والتحديث، أفكار خارج العصر والسؤال في ضرورة التحديث الثقافي، يختمه الإسلام والغرب بين جذور المواجهة وآفاق الحوار.

"زمن العولمة" رغم صدوره منذ خمسة أعوام إلا أنه المعادلة التي لم تتغير أطرافها، ونتائجها لا تزال تشكل الواقع العالمي والعربي، إنه النوع الكتابي الذي يأخذ قارئه إلى مستوى أفضل في الفهم والوعي لكل الإشكالات التي تؤجل تقدمه كمواطن عربي وكإنسان يعيش عالمه اليوم بكل أبعاده السياسية والإجتماعية، يعيش بأسئلته الوجودية التي تتداخل مع تفاصيله اليومية قبل أن تسبقه إلى موعده مع الكتاب.

lamia. swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة