Culture Magazine Thursday  06/12/2012 G Issue 388
ترجمات
الخميس 22 ,محرم 1434   العدد  388
 
قرار «رو ضد ويد» 1-2
أو قصة أهم حكم في تاريخ المحكمة العليا الأمريكية
د. حمد العيسى

 

تقديم: هذا بحث موجز كتبته بالإنجليزية ثم ترجمته، وهو عن حكم المحكمة العليا الأمريكية الأشهر، المسمى بـ»رو ضد ويد»، الذي يُعتبر أهم حكم قضائي في تاريخ المحكمة العليا الأمريكية التي تأسست عام 1789. وهو حكم تاريخي (وغير أخلاقي في نظري)، أعطى الحق للمرأة الحامل في إجهاض الجنين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل من دون أي تدخل أو ممانعة من قِبل الدولة. وقد استعملنا ثلاثة مصادر، هي: أولاً: «موسوعة القانون الأمريكي». ثانياً: كتاب «رو ضد ويد: الجدل حول حقوق الإجهاض في التاريخ الأمريكي» (مطبعة جامعة كانساس، 315 ص، 2001)، وهو من تأليف كل من البروفيسورة إن إي هل أستاذة القانون في جامعة روتجرز، والبرفيسور بيتر تشالرز هوفر أستاذ التاريخ في جامعة جورجيا. وثالثاً: كتاب السيدة نورما ماكورفي «أنا جين رو: حياتي.. وقضية (رو ضد ويد).. وحرية الاختيار» (هاربر كولينز، 216 ص، 1994).

ولا يوجد تقريباً شخص يترشح لمنصب مهم عبر الانتخابات في الولايات المتحدة، داخل الولايات أو على المستوى الحكومي الفيدرالي، إلا ويجب أن يحدد موقفه بوضوح أمام الإعلام والرأي العام: (أي: مع أو ضد) حكم «رو ضد ويد» التاريخي. وجرى العرف القانوني الأمريكي على تسمية القضايا عبر وضع اسم المدعي Plaintiff (المدعية هنا: جين رو) ضد المُدعى عليه (هنا: هنري ويد) النائب العام لمدينة دالاس في ولاية تكساس؛ ليصبح اسم القضية الرسمي ROE V. WADE أي «رو ضد ويد».

وصدر القرار بأغلبية قضاة المحكمة العليا في 22 كانون الثاني -يناير 1973؛ ليلغي بذلك قرار المحكمة العليا في ولاية تكساس لعام 1857، الذي كان يعتبر الإجهاض غير قانوني بصورة مطلقة إلا إذا كانت حياة الأم في خطر. وقام القاضي هاري بلاكمون بصياغة نص رأي (أي حكم) المحكمة العليا لعام 1973، الذي اعتُبر بمنزلة الخطوط العريضة لصياغة تشريعات مستقبلية في الدولة بشأن هذه المسألة الشائكة. وفي حكم طويل ومفصل حددت المحكمة المراحل خلال فترة حمل المرأة التي تبرز فيها مصالح للدولة بخصوص صحة الأم والجنين. ونتج من حكم «رو ضد ويد» العناصر التي تتعلق بالجدل الكبير حول الإجهاض لعقود عدة قادمة. ولن نعلق بالتفصيل عن كون هذا الحكم يخالف الشريعة الإسلامية التي تحرِّم الإجهاض إلا في الضرورة القصوى، مثل تعرض حياة الأم للخطر؛ لأن هذا الأمر واضح ومعلوم للجميع، ولأن القصد إيصال المعلومة وتثقيف القارئ العربي عن حيثيات هذا الحكم التاريخ المهم الذي لم نجد له أي ذكر معتبر في المكتبة العربية، بحسب معلوماتنا.

كيف بدأت قضية «رو ضد ويد»

تتعلق هذه القضية بامرأة حملت وهي غير متزوجة، وعُرفت في ذلك الوقت باسم مستعار هو «جين رو»؛ من أجل الحفاظ على هويتها وحمايتها. أرادت جين التي تسكن مدينة دالاس في ولاية تكساس إجراء عملية إجهاض؛ كونها مفلسة ولا تستطيع تحمل تكاليف تربية الطفل، ولكن قانون تلك الولاية منعها من القيام بذلك؛ ولذلك رفعت جين رو دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية نيابة عن نفسها وجميع النساء الحوامل الأخريات الراغبات في إباحة الإجهاض. وكان هدف القضية هو نقض قانون منع الإجهاض في الولاية على أساس أنه غير دستوري، ويهدر حقها في «الخصوصية» Right of Privacy، على النحو الذي تكفله تعديلات الدستور الرقم 1، 4، 5، 9، 14. كما طلبت جين رو أيضاً الحصول على أمر قضائي (Injunction) من المحكمة حتى تُجري عملية الإجهاض بسلام.

ووافقت المحكمة الجزئية في تكساس جين رو بأن قانون ولاية تكساس غامض بشكل غير دستوري، وينتهك حقها في «الخصوصية» في إطار التعديل رقم 9 للدستور الذي يمنح حقوقاً بدهية للإنسان مثل «حق الخصوصية». وكذلك بالمثل ينتهك حقها في الخصوصية أيضاً في إطار التعديل رقم 14 للدستور. ولكن المحكمة رفضت، بالرغم من إقرارها بانتهاك حق جين رو في الخصوصية، منحها أمراً قضائياً يسمح لها بالمضي قدماً في الإجهاض. واستأنفت جين مع المحاميتَيْن سارة ويدينغتون وليندا كوفي القضية في المحكمة العليا للولايات المتحدة بخصوص عدم منحها الأمر القضائي.

نورما ماكورفي أو جين رو الحقيقية

وفي مقابلة تلفزيونية تاريخية عام 1984 كشفت السيدة نورما ماكورفي لأول مرة أنها «جين رو» الحقيقية. وفي عام 1994 نشرت ماكورفي سيرتها الذاتية بعنوان «أنا جين رو: حياتي.. وقضية (رو ضد ويد).. وحرية الاختيار»؛ لتضع وجهاً إنسانياً على قصة جين رو. وفي كتابها روت ماكورفي بصراحة عن الصعوبات التي واجهتها في حياتها، بما في ذلك العيش مع أم عنيفة، كانت تضربها، وتسيء إليها، ودخولها الإصلاحية في سن المراهقة، ومعاناتها مع إدمان المخدرات والكحول، وأخيراً التحول البشع إلى الشذوذ الجنسي.

ولدت ماكورفي باسم: نورما ليا نيلسون في 22 سبتمبر 1947، في مدينة ليتس وورث، في ولاية لو يزيانا. وانتقلت مع عائلتها الفقيرة في نهاية المطاف إلى مدينة دالاس في ولاية تكساس حيث قضت فيها معظم حياتها. وبعد زواج فاشل مع زوج عدواني ومسيء - كما تزعم - طُلِّقت، وتخلت عن ابنتها لأقاربها. ثم عانت من إدمان المخدرات والكحول وسط دوامة الثورة الثقافية لستينيات القرن المنصرم. وقيل إنها تخلت بعد ذلك عن طفلين آخرين للتبني.

وفي سبتمبر 1969، بينما كانت تعمل راقصة استعراضية في كرنفال متنقل، علمت بالمصادفة أنها حامل للمرة الثالثة، وعادت إلى دالاس. وبعد أن أصبحت عاطلة عن العمل أُصيبت باكتئاب شديد. ونظراً إلى إفلاسها وعدم قدرتها على رعاية طفل جديد قررت أن تلجأ إلى الإجهاض. وبعد أن علمت أن الإجهاض قانوني في حالات الاغتصاب أو سفاح المحارم فقط ادعت أن أحد أصدقائها نصحها بأن «تكذب» وتدعي أنه قد تم اغتصابها. ولكن مع ذلك، ونظراً إلى عدم وجود تقرير من الشرطة عن الاغتصاب المزعوم، فشلت الخدعة. ثم ذهبت إلى عيادة للإجهاض غير قانونية، ولكن وجدتها قد تم إغلاقها من قِبل الشرطة، وكل ما تبقى منها مبنى مهجور.

وفي نهاية المطاف التقت ماكورفي مع سارة ويدينغتون وليندا كوفي، وهما محاميتان شابتان نشيطتان ومتطرفتان في الحركة النسوية المحلية، وكانتا تبحثان عن امرأة حامل لتلعب دور المدعي (Plaintiff)؛ للطعن في قانون منع الإجهاض في ولاية تكساس. وهكذا وافقت ماكورفي على المشاركة في دعوى قضائية ضد هنري ويد، المدعي العام لمدينة دالاس. وبالرغم من أن ماكورفي كانت لا تزال تأمل في الانتهاء من الدعوى في الوقت المناسب لإجراء عملية الإجهاض إلا أنها قالت لمحاميتيها: «دعونا نفعل ذلك لجميع النساء». واختارت ماكورفي أن تبقى مجهولة الهوية لأسباب عدة: فقد خشيت أن تضر الدعاية بابنتها البالغة من العمر خمس سنوات، كما أن والديها كانا ضد الإجهاض، وأيضاً لكونها «كذبت» حول اغتصابها. ولذلك، لم تشارك في جلسات المحكمة من أجل الحفاظ على سرية هويتها.

وفي 3 مارس 1970، عندما رفعت قضية جين رو في المحكمة، كانت ماكورفي حاملاً في شهرها السادس. وفي يونيو، وعندما كانت تبلغ 23 سنة من العمر، ولدت طفلاً، وتبرعت به للتبني. وفي 22 يناير 1973، وبعد أكثر من عامين، وبعد فوات الأوان لتغيير مسار حملها، علمت ماكورفي أنها انتصرت في تلك القضية؛ فقد قضت المحكمة العليا بأن قانون الإجهاض في ولاية تكساس هو بالفعل غير دستوري، وينتهك حق المدعية جين رو في الخصوصية.

وفي عام 1989 قررت ماكورفي أن تنضم رسمياً وعلنياً مع الحركة المؤيدة لحق الإجهاض، أي ما يطلق عليه حركة «حق الاختيار»(Pro-choice). وقبيل فترة وجيزة من مشاركتها في تظاهرة كبيرة مؤيدة لحق الاختيار في واشنطن العاصمة أطلق شخص مجهول أعيرة نارية على منزلها وسيارتها، في واحدة من ضمن العديد من حوادث التحرش بها منذ أن كشفت عن هويتها الحقيقية. وعلى الرغم من خوفها والتهديدات التي تلاحقها انضمت بأعصاب هادئة لتظاهرة 9 إبريل 1989، وألقت خطاباً قرب الكونغرس أمام مئات الآلاف من الناس. ثم عملت ماكورفي لفترة في عيادة لتنظيم الأسرة، وسافرت إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة لإلقاء خطب لتعزيز الحقوق الإنجابية للمرأة، ومنها حق الإجهاض طبعاً.

المفاجأة الصاعقة الكبرى

وفي آب - أغسطس 1995 أعلنت ماكورفي أنها غيَّرت معسكرها، وتحوَّلت إلى التيار المناهض لحق الإجهاض المعروف بـ»حق الحياة» (Pro-life)، وهو تيار محافظ، وفي الغالب تدعمه الكنيسة بقوة. وقالت ماكورفي بدم بارد لتبرر تحولها المفاجئ: «أنا مؤيدة لحق الحياة، أعتقد أنني كنت دائماً مؤيدة لحق الحياة، ولكنني لم أعرف ذلك إلا الآن!!!». وتنسب تقارير صحافية تحوُّل ماكورفي الصاعق والمفاجئ إلى صداقتها الجديدة مع القس فيليب بنهام، المدير الوطني لجماعة تؤمن بضرورة منع الإجهاض بالقوة، تسمى بـ «أوبريشن ريسكيو» أي «عملية إنقاذ» (Operation Rescue)، التي تغير اسمها لاحقاً لتصبح «عملية إنقاذ أمريكا» نظراً لضخامة عدد ضحايا حكم «رو ضد ويد» من الأجنة المجهضة كما سنشرح بالأرقام في الجزء الثاني. وكانت هذه الجماعة قد نقلت مركزها الرئيسي إلى مكتب مقابل للعيادة التي تعمل فيها ماكورفي. وبعد أن تم تعميدها بواسطة القس بنهام لتعتنق المسيحية من جديد أعلنت ماكورفي أنها ستعمل رسمياً مع «أوبريشن ريسكيو» ضد الإجهاض، في مفارقة تاريخية مذهلة.

سير المحاكمة

قدَّم القاضيان هيوغو بلاك وجون هارلان استقالتيهما من المحكمة العليا في سبتمبر 1971 قبل وقت قصير من بداية الفصل القضائي الذي كان مقرراً أن تستمع فيه المحكمة العليا إلى قضية الإجهاض «رو ضد ويد». وتم سماع القضية لأول مرة في ديسمبر 1971، أمام سبعة قضاة، على الرغم من أن الرئيس ريتشارد نيكسون رشح قاضيين (محافظين) جديدين؛ لينضما إلى المحكمة، هما: لويس باول الابن، وويليام رينكويست.

وتمت الموافقة على باول من مجلس الشيوخ في 7 ديسمبر 1971، وكذلك رينكويست في 15 ديسمبر، وأديا اليمين الدستورية في 7 يناير 1971، بعد نحو شهر من بدء استماع المحكمة لقضية «رو ضد ويد». اختار رئيس القضاة وارنر برغر القاضي بلاكمون، الذي كان قد خدم لسنوات عديدة بوصفه مستشاراً قانونياً لعيادة «مايو كلينيك» الشهيرة في روتشستر بولاية مينيسوتا، لكتابة «رأي» المحكمة الأصلي (أي «حكم» المحكمة الذي يمثل رأي أغلبية القضاة). وبالفعل أكمل بلاكمون صياغته في مايو 1972. وألغى رأي بلاكمون قانون ولاية تكساس على أساس أنه «غامض»، وينتهك حق المدعية جين رو في «الخصوصية» التي كفلها الدستور. وبالمثل، وكنتيجة لهذا الرأي، أصبحت أغلبية قوانين الإجهاض في باقي الولايات الأمريكية باطلة؛ لأنها بالمثل كانت غامضة، وتهدر حق الخصوصية بشكل غير دستوري أيضاً.

نواصل الجزء الثاني في الأسبوع القادم بحول الله.

Hamad.aleisa@gmail.com - المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة