Culture Magazine Thursday  10/05/2012 G Issue 373
الثقافة الرقمية
الخميس 19 ,جمادى الآخر 1433   العدد  373
 
الناقد والشاعر عادل الزهراني ل»الثقافة الرقمية»:
لا أستطيع تسمية الأبيات التي ولدت يتيمة قصائد والتكنولوجيا ساهمت في صقل عدد كبير من المواهب الرائعة

 

الغياب النقدي عن الأدب الجديد المنشور في وسائل التواصل الاجتماعية ما يزال ملحوظًا، وتسعى صفحة «الثقافة الرقمية» لمدّ الجسور بين الإبداع الرقمي والنقد الحديث إيمانًا منها بأهمية النقد لتصحيح المسار الأدبي وتعديل ودراسة اتجاهاته وظواهره، وقدّمت الصفحة أول قراءة نقدية للقصص القصيرة جدًا (التويتريّة) بقلم الأستاذة سعدية مفرّح، وتلتقي في هذا العدد مع الشاعر والناقد الشاب عادل بن خميس الزهراني طالب الدكتوراه في النقد الحديث بجامعة ليدز ببريطانيا والذي صدر له مؤخرًا كتاب نقدي باللغة الإنجليزية عنوانه «نزعة التجديد في الشعر العربي: دراسة تاريخية».

وفي البداية أجاب الزهراني عن سؤال حول التوجهات التي طرأت على الأدب العربي بشعره ونثره بعد دخوله وسائل التواصل الاجتماعي بقوله: أحب أن أضع الأمر في سياقه المتصل، مواقع التواصل الاجتماعي هي مرحلة حالية، لكن دعنا لا ننسى أن مراحل أخرى سبقتها فيما يخص دخول الأدب والكتابة عموماً إلى عالم التكنولوجيا، كانت هناك المنتديات فالمجموعات البريدية ثم المجلات الإلكترونية ثم ثورة المدونات. هذه الأنماط وغيرها ساهمت بشكل كبير في تمزيق صورة النشر التقليدي، أعتقد أن أهم ما فعلته هذه الأنماط كان القضاء على -أو على الأقل- التخفيف من تلك الأهمية المبالغ فيها لسبل النشر المعتادة في الصحف والمجلات المطبوعة حيث تقف بمعاييرها الصارمة – موضوعية كانت أو غير موضوعية – كحارس عملاق على الباب، جاءت التكنولوجيا لتمسح كثيراً من أوهام هذه الهالة لتقول: إن الجميع يمكن أن يصبحوا كتّاباً يُقرأ لهم ويكون لهم متابعون وتناقش أعمالهم وهكذا، أعتقد أن هذه الوسائل ساهمت بشكل كبير في تكريس الفعل الكتابي لدى أجيال كبيرة من الشباب – وغير الشباب – كما ساهمت في صقل عدد كبير من المواهب الرائعة شعراً وسرداً ونقداً وفكراً، منهم من صاروا نجوماً هذه الأيام، وهناك إيجابيات كثيرة، طبعاً هذا لا يعني عدم وجود السلبيات.

ما كنت أريد إيصاله أن وسائل التكنولوجيا السابقة كالمنتديات والمدونات وغيرها كسرت كثيراً من الجمود وكرّست لقيم جديدة في الكتابة والنشر وكانت مرحلة مهمة لولاها لكان على الإعلام الاجتماعي أن يصارع لتحقيقها، الإعلام الاجتماعي يدين لتلك المرحلة بالكثير، لكن هذا لا يعني عدم وجود فضيلة لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة طبعاً، ويمكن أن نتحدث في جانبين عمّا يقدمه الفيس بك وتويتر والوتس أب وقبلها رسائل الجوال والمجموعات البريدية للأدب العربي: الأول في نشر وتدوير وإحياء النماذج الشعرية والنثرية الموجودة في النتاج العربي الضخم قديماً وحديثاً. كثير مما كان حكراً على المختصين من الشعر والسرد والقصص التاريخي أصبح مشاعاً يعرفه الجميع، قصيدة لنزار يمكن أن يقرأها مئات بل آلاف وربما ملايين فقط بالضغط على زر واحد، لم يعد من مشهد ذلك الذي يعرف قليلاً في التاريخ أو في الأدب يشده المستمعين المتحلقين حوله مثل السابق، سنجد كثيراً ممن هم في المجلس يعرفون قصصاً ويحفظون قصائد قد تفوق ما لدى ذلك العارف المختص ربما، للتكنولوجيا دور مهم في هذه الظاهرة الثقافية، أما الجانب الآخر فهو إيجاد المساحة الكبيرة للتجريب والتدرب، كان الشخص لا يجد إلا صديقه القريب ليطلعه على محاولاته الأولى على استحياء، مع تطور الوسائل أصبح الفضاء واسعاً، اسم مستعار يكفي لأحول هذا الفضاء إلى ورشة عمل لقلمي وهكذا، في الفيس بك لا حاجة حتى للاسم المستعار، أصبح أمراً طبيعياً أن نقرأ لأحد الأصدقاء عملاً أدبياً يفتتحه بالتنبيه إلى أن هذه محاولة أولى في عالم الأدب!!

وعن إمكانية ظهور أنماط وفنون جديدة من الأدب في هذا العصر التقني قال عادل الزهراني: ربما، لكنها تحتاج للوقت، يجب ألا ننسى أننا لا نزال نعيش في مرحلة التكوين، مرحلة البدايات، لا بد ألا ننسى طبيعة تعاملنا الاستهلاكية مع الجديد التكنولوجي وغير التكنولوجي أيضاً، والأجناس الأدبية تتكئ على قاعدة التقاليد عادة، المشكلة أن عاداتنا الاستهلاكية تفوّت على كثير من مشاريعنا عامل النضج لذلك تتعثر، أعتقد أننا حين نريد أن نتحدث عن فن أدبي جديد، نحتاج أن نعمل على المنتج وعلى الأدوات أيضاً، نحتاج أن نفهمها أكثر. بالمصادفة استقبلتُ بفرح هذا الصباح المجموعة الشعرية المميزة لفائق منيف (العاطلون عن الحب ينامون مبكراً)، والذي افتتحها بومضاته الشعرية التي نشرها في تويتر، هذه فكرة ذكية وكسر للمعروف وشجاعة في طرق الجديد، أعجبني ما قرأت، وربطه بتويتر أمر جميل، لكن بعيداً عن إشاراته لتويتر، يظل ما كتب هو الشعر المعروف، بين التفعيلة والعمودي، وشيء من الشعر الحديث المعتمد على إدهاش المتلقي، ورغم جماله إلا أنه لا يمكن لنا أن ندعوه فناً خاصاً أنتجه تويتر أو الفيسبوك، وهما بلا شك وسيلتان مهمتان للتوصيل والتواصل وبث روح النقاش.

وعمّا إذا كان جوابه يعني أن التكنولوجيا لم تقدم إضافة فنية للأدب العربي، رد الزهراني: لن أجازف بالقول لا مطلقاً، أعتقد أن المنتديات والمدونات ساهمت في تليين اللغتين الشعرية والسردية وتقريبها من المتلقين أكثر، لعل هذا يعود إلى أن المتلقين أنفسهم أصبحوا مشاركين بقوة في العملية الإنتاجية، هذا أراحنا من أولئك الأدباء الذين كانوا يعتقدون أن لهم حصانة ربانية تضعهم فوق الناس بلغتهم الاستعلائية الفارغة أحياناً، بالنسبة لتوتير والفيس بك الأمر يختلف قليلاً، نحن نعلم أن الكتابة هي فعل ثقافي ناضج، لذلك تُعاملها الفلسفة بحذر شديد، تظل الأفكار التي نفكر فيها ونتحدث بها ونناقشها بيننا أمراً، وخيار كتابتها على الورق أمراً آخر، في تويتر خصوصاً لا يمكن أن نعزو كثيراً مما نقرأه إلى الكتابة، أعتقد أن تويتر والفيس أوجدا مرحلة وسيطة بين الكلام والكتابة، هي أفكار نضحت من إناء العقل لكن أدوات الكتابة لم تتوفر كاملة لها، فهي مرحلة بينية.. لغة وسيطة، وإن كان رأيي هذا صحيحاً، فهو يغير كثيراً من مفاهيمنا المتحمسة نحو نتاج مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي سؤال عن إمكانية نشر تويتر لفن قصيدة البيت الواحد التي ألّف حولها خليفة التليسي كتابا بعنوان «قصيدة البيت الواحد» ولأدونيس كتاب حديث عنها بمسمى «ديوان البيت الواحد» أجاب الزهراني: أنا شاعر ومختص في الشعر، من هنا لا أميل لفكرة البيت الواحد هذه، أعتقد أنها امتداد لفكرة المختارات التي ابتدعها البارودي ثم انتهجها كثير من بعده والتي أعتقد أنها انتهت في هذا الزمن، المواقع الشعرية أكثر من أن تحصى، وشيخ الجامعيين جوجل لا يسألك إلا عن اسم الشاعر أو عن كلمتين في البيت ليوجد لك عشرات الخيارات، القارئ أصبح سيد نفسه في الاختيار، لا يحتاج لوسيط بذائقة مكوكية كذائقة أدونيس ليختار له ما يقرأ، هناك أمر فني يحتاج لنظر في الأبيات التي تقتطع من نصوصها على أنها بيت القصيد أو أنها زبدة النص، أعتقد أنها ممارسة خاطئة، القصيدة ولدت بظروفها كاملة وخفوت الشاعرية في أبيات مثلاً هو ما يميز بريق الأبيات الأخرى، النص كائن حي واحد علاقاته الداخلية تصنع تفوقه، نعم يحق لأي قارئ أن يعجب ببيت أو بيتين من قصيدة فيحفظها ويرويها، لكن أن يتجاوز الأمر ذلك إلى تدوينها في كتاب للقارئ فهذا تدخل سافر لا يجوز من وجهة نظري. أما تلك الأبيات التي ولدت يتيمة، فلا أستطيع تسميتها قصائد، الشعر الحديث جاء وبث في المقاطع الصغيرة روحاً جديداً فانتشرت وهذا جميل، لكن جماله بوجود مساحة كافية للكتابة، بمعنى أن النصوص الصغيرة تحتاج لأخواتها الطويلة وإلا تحول الشعر إلى فذلكات واستذكاء على القراء، الإيجاز فضيلة بلاغية في مواضع، كما أن الإطناب كذلك في مواضع أخرى. أما تويتر وحروفه المئة والأربعون، فلا شك أنه يمثل تحدياً لذيذاً للكاتب، غير أني أتحفظ قبل أن أصدر حكماً جازماً، هنالك ومضات شعرية جميلة ومشرقة .. لكن دعني أسأل: ماذا لو تحول الشعر كله إلى ومضات مدهشة ألن يصبح الأمر مملاً للغاية؟ من مميزات الشعر أنه يقول ما لا نستطيع قوله أحياناً، هو بوح أنيق وموسيقي ويحتاج للمساحة للطيران، نحن نترك له المساحة الكافية وهو يختار أفقه كيفما يشاء، تحديده في قفص لا يريحه أو لا يريحني أنا على الأقل.

وعن ظاهرة الغياب النقدي الحالي عن مشهد الأدب في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يجب الزهراني بقوله: هناك عدة نقاط يثيرها هذا السؤال، سأحاول الاكتفاء بما له علاقة، هنالك حقيقة لا بد أن نؤمن بها، وهي تراجع دور الناقد عموماً، حتى وظيفة النقد تمر بمرحلة مراجعات جديدة، في عددها الأخير لعام 2011 اختارت النيويورك تايمز أن يكون ملفها عن وظيفة النقد هذه الأيام وانبرى للإجابة ستة نقاد من مشارب مختلفة، اتفقوا تقريباً على تراجع دور الناقد الأدبي تراجعاً حاداً، حين يظهر كتاب في أمازون يحصل على آلاف من الآراء والمقاربات النقدية من قرائه في أيام قليلة، في الوسائل التكنولوجية الأخرى تجد المئات الذين يقرؤون وينقدون، تستطيع أن تقرأ عشرات الآراء عن كتاب قبل أن تشتريه، وعن قصيدة قبل أن تقرأها وهكذا، الحاجة لذلك الكائن الخبير الذي يسمى ناقداً تراجعت بحدة، هذا ما قصده تيري إيجلتون بموت النقد من عام 86 والغذامي لدينا بشر بهذا من التسعينات. أمر آخر؛ النقاد متهمون بالتقصير في تناول ما ينشر في الوسائل التقليدية: أقصد الكتب والصحف، هناك إنتاج شعري وسردي كبير يجدر بالنقد أن ينظر إليه، هذا لا يعفي النقاد من أهمية تناول ما ينتجه الإعلام الجديد بالطبع، يحتاج النقاد أن يوجدوا لهم مكاناً في هذا العالم الجديد كي ينجوا بحياتهم هم، أنا أعني هنا أن النقاد هم من يحتاجون للقرب أكثر من تويتر وغيره وذلك لمصلحتهم هم قبل مصلحة الأدب والأدباء.. قد يتحقق ذلك بالتعامل مع مخرجات التكنولوجيا كظواهر ثقافية تترك بصماتها على المجتمعات وعلى الفكر، ربما..!!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة