Culture Magazine Thursday  12/01/2012 G Issue 360
فضاءات
الخميس 18 ,صفر 1433   العدد  360
 
«الفاسق» عبده خال
سيمون نصار

 

كيف نحكم على الأدب؟

عانى كتّاب الأدب، منذ بدء انتشار الكتابة والكتاب، من الأحكام الاجتماعية الجاهزة والمقولبة ضد كتاباتهم التي لا يفصلها، منتقدوهم، عن شخصياتهم وسلوكهم بين العوام. فالحكم على كاتب، عادة ما يتم، من خلال النظر إلى ما يكتب، رغم أنه قد يكون سلوكياً واجتماعياً، على خلاف جذري مع ما يكتب. لكن بعض فئات من المجتمع، لا يمكنها إقامة حدود فاصلة بين المخيلة، التي يتمتّع بها الكاتب والأديب، وبين الضوابط الاجتماعية التي يتبعها في مجتمعه.

أثار الجدل الذي دار مؤخراً في المملكة حول لقاء المثقفين.. أثار، جملة مواقف تراوحت بين الشخصي والعام وبين الشخصي والجماعة التي هي مجموع المثقفين والمثقفات من أبناء البلد ونخبته. وكذلك تغطية وزارة الثقافة والإعلام لهكذا منتديات والجدوى منها.

لطالما، في المملكة وغيرها من البلدان العربية، انحصر دور وزارة الثقافة في أعمال روتينية ومهرجانات مملّة، غايتها، إظهار دور لهذه الوزارة ولو كان غير فاعل أو منتج على صعيد الثقافة المحلية. ولطالما كانت الوزارة على خلاف مع المثقفين بشكل عام. فالمثقف، سواء كان في السعودية أم في النروج، دائماً، مسكون بهاجس التعامل مع الدوائر الرسمية.

لكن النقاش الذي دار حول هذا الملتقى، أصاب الثقافة في مقتل، يتجاوز تغطية رأس المرأة والسهر حتى ساعات الصباح الأولى والاختلاط بين مجموعة تعرف بأنها (نخبة) وأنّ علاقتها بنفسها وعلاقة أفرادها بأنفسهم وبالآخر، محصورة، كلياً، في الفكر ومشاغل الثقافة والأدب. وليس في أمور لا يعفُ عنها العوام وأصحاب الأيديولوجيات، مهما كانت. فوصلت إلى إطلاق أحكام نهائية، يفترض أنّ على مطلقها أن يتحلّى بصفات قانونية صرفة. لا أن يعتبر نفسه مرشداً اجتماعياً لمجموعة من الناس هي الأكثر فهماً للمجتمع وسلوكياته وتقاليده وأعرافه.

لقد أدهشتني، حقاً، الأحكام التي سيقت في وصف الروائي السعودي عبده خال. حيث فتحت نيران معركة، كما أوردت، تتجاوز ما كان يتم في السهرة من نقاشات واختلاط، إلى وصفه بالكاتب الفاسق والداعر الذي تمتلئ رواياته بكلام رخيص لا يمت إلى الأدب. وهذا في حد ذاته عملية اغتيال واضحة لكاتب، يعتبر اليوم، من أهم كتّاب الرواية السعوديين على الإطلاق. وهي صفات، كانت قد أطلقت في الثمانينات على نجيب محفوظ، حتى وصل الأمر بأحد الشباب المغرّر بهم، إلى تنفيذ عملية اغتيال، خرج منها محفوظ سليماً، لكن بندبة في رقبته، لم تفارق الثقافة المصرية، في صراعها مع قوى، أوكلت لنفسها مهمة الدفاع عن الأخلاق. وليس بعيداً من هذا ما قام به أحد المرشحين من التيار السلفي المصري إلى اعتبار أنّ ما كتبه محفوظ مخالفاً لمبادئ الشريعة ولتقاليد المجتمع.

لقد حفلت معظم المجتمعات بتيارات تختلف مع الأدب، فتقف في اختلافها معه موقف الضد جذرياً. الأدب مخيلة تستمد بناءها من الواقع المعاش، الأخلاقيون، على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم، لا ينظرون إلاّ للمجتمعات الخالية من العيوب. مجتمعات طوباوية، وهذا غير صحيح ولا ينسجم مع واقع المجتمعات التي تتحرك كهدير الشلالات. لقد ساهم أمثال هؤلاء، حين كانوا في السلطة بسجن الماركيز دي ساد واعتبار ما كتبه مخالفاً لقوانين المجتمع الفرنسي الصارمة في القرن الثامن عشر، لكنه اليوم أحد أعظم كتّاب فرنسا الذين صنعوا لثقافتها مجداً لا يضاهى.

ليست المقارنة بين الماركيز دي ساد وعبده خال محقة هنا. عبده ليس ولم يكن في رواياته شخصاً ماجناً أو دعا للمجون. والحكم على الأدب لا يتم من خلال قربه أو بعده عن آفات المجتمع. الأدب هو الأدب سواء كتب عن الآفات الاجتماعية والنوازع البشرية أو نظر إلى المجتمع كما ينظر الفرد إلى صورة أمه. الطوباوية ليست من اختصاص كل مناحي الكتابة، لذلك الحكم على الكتابة ببعدها أو قربها من الطوباويات أمر مؤذٍ للأدب نفسه وللمجتمع الذي يدور هذا الأدب في فلكه وزواياه.

لقد امتلأ النقاش على (تويتر) وهو اليوم المنصة الأسهل لإطلاق النقاشات حول أمور المجتمع المتفرقة ومنها الأدب، بكم هائل من الكلام التحريضي على أدب عبده خال وما يكتبه، وتم إطلاق صفات لا يمكن لنقاش أن يحتملها. خاصة أنها، تصدر من أناس لا يمكن أن يشكلوا مرجعية في النقد الأدبي الصحيح. بحيث إنّ النقد لا ينظر إلى نسبة الأخلاق الواجب اعتمادها في النص. بل يتعاطى مع النص بوصفه أداة مادية وملموسة لفهم الواقع وعلاقة المجتمع مع نفسه من خلال ظواهر تعشعش بين ثناياه وتمتلئ بها طرقاته وبيوته وأفراده.

لقد انتابني القلق على عبده خال، وكذلك على الكتّاب والروائيين الذين يتم تناولهم بهذه الأحكام الأخلاقية التي تصل إلى حد الإرهاب اللفظي، حيث يمكن أن تشكّل دعوة للإلغاء الجسدي من أناس مغرّر بهم كما حصل مع محفوظ في شوارع القاهرة. وهو أمر لا يمكن بأي حال السكوت أو غضّ الطّرف عنه وكأنه كلام عابر لن يصل إلى خواتيم.

كم رواية سعودية منذ عقد واحد تناولت الإرهاب؟

باريس s.m1888@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة