Culture Magazine Thursday  12/01/2012 G Issue 360
فضاءات
الخميس 18 ,صفر 1433   العدد  360
 
خ. ع
عبدالمحسن الحقيل

 

يوم أن نزل قول الحق سبحانه وتعالى: {فَوَيلٌ لِّلمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ} (4 -5 سورة الماعون) علم المسلمون بالضرورة أنه لا يصح مطلقاً الوقوف على الجزء الأول من الآية؛ لأن هذا يقلب المعنى؛ فيكون من التعدي على أحكام الله - جل وعلا - حتى جاء أبو نواس فمارس عبثه مواكباً موجة الحداثة في عصره وموافقاً هوى ثلة ممن يروق لهم عبثه فقال بيته الشهير:

ما قال ربك ويل للأولى سكروا

بل قال ربك ويل للمصلينا

ولعمري إن أبا نواس ليعلم علم اليقين أنه يخطئ كثيراً، ويتجاوز الحد بقوله هذا، ولكنها لذة الموافقة والمواكبة، ولم يكن يعيبه نقص علم أو وعي أبداً.

واليوم نحن نجدد تجربته في مجالات حياتنا الثقافية والاجتماعية، أقول حياتنا الثقافية؛ لأننا نعيشها بكل أبعادها؛ فخرج إلينا ثلة ممن يرجمون الثقافة والمثقفين بالظنون، والمحزن أنهم يلتفتون لتوافه الأمور، ويغمضون أعينهم عن كبائرها ومشكلاتها الحقيقية.

أزعم يقيناً أن مشاكل الثقافة ومظاهر ضعفها تتجاوز كثيراً خصلة شعر تظهر - رغم أن هذا عيبٌ كبير لا أنكره - أو حديثاً يطول لكن، المشكلة أن يبقى الأمر مفتوحاً للظنون والتكهنات دون علم أو يقين؛ لنقع في المحظور مما انتشر مؤخراً في المشهد الثقافي من تهم بُنيت كلها على المسكوت عنه في الحديث الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.

وهذا المسكوت عنه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ثم فارس هذا الحديث، لكننا نرفض جملة وتفصيلاً - كما قال الدكتور الغذامي - أن يمتد الأمر ليصل إلى الخوض في أعراض المؤمنات الغافلات حسب اجتهادات بعض من علقوا على الحدث متهمين أو مدافعين على حد سواء؛ لأن الله - جل في علاه - قال: {وَتَحسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النور.

أقول: إن في ثقافتنا نقاط ضعف كثيرة، تمتد بعيداً، فمن نقاط ضعفها أن يحضر المثقفون، أو من نظنهم مثقفين، لمعرض الكتاب مثلاً ولا يحضرون أي جلسة أو أمسية من الجلسات والأمسيات التي تتعب الوزارة كثيراً في الإعداد لها، ثم هي لم تستقبلهم إلا لتفيد من حضورهم وتعليقاتهم التي تحسن الظن بها، لكننا دوماً نفاجأ بهم يغيبون عنها تماماً، حتى أولئك الذين استجدوا الوزارة أن ترسل لهم الدعوة، وهذا أمر غريب ومشين، لا نقبله ممن نحسن الظن بهم، ونزعم أنهم قادة الثقافة في بلدنا الحبيب.

والأمر ذاته يتكرر في الملتقيات كلها، كما شاهدنا وعلمنا، وهذا - لعمري - من أهم مظاهر الخزي الثقافي لدينا.

ومن نقاط الضعف أن يصرِّح شاعر أو نصف شاعر بأن ديوانه هو الأجدر في الألفية الجديدة، وقد تكرر هذا التصريح من عدد من الشعراء، وهو ينسى أن الألفية الجديدة شهدت ولادة ديوان «آه من سطوة الفقدان» للرائد عبد الله الزيد، كما شهدت ولادة ديوان «حديث الهدهد» للشاعر الجليل محمد جبر الحربي، وهذا الادعاء يعكس ضعفاً كبيراً في الوعي الثقافي لدينا دون ريب.

ومن نقاط ضعفنا هذا البذخ المبالَغ فيه في مكافآت المثقفين؛ إذ يبدو دون ريب أن مشاريع التطوير أولى بهذه الأموال التي تعكس إسرافاً كبيراً لا نريده من ثقافتنا.

ويمتد الأمر إلى الدعوات؛ فأنت إن كنت شاباً فلا بد أن تكون ذا صفة أخرى غير إبداعك ووعيك، كأن تكون صحفياً أو مذيعاً؛ لتنهال عليك الدعوات، وليس لك إلا الإقصاء إن اكتفيت بإبداعك ووعيك.

ومن أبرز مظاهر الضعف أننا نجد الأسماء عينها في كل مناسباتنا الثقافية، حتى عز علينا الشعور بالاشتياق لبعض مثقفينا؛ لأنهم دائماً لدينا! وكأن وزارتنا الحكيمة لديها قائمة ثابتة لا تتغير، وكل مبدع قادم محروم محروم محروم حتى يجد مسوغاً آخر غير جمال حضوره، وما من شك أننا بتنا نتمنى حضور أسماء لا تشملها تلك القائمة المحدَّدة سلفاً.

كل هذا، وأكثر، تعانيه ثقافتنا، وليتنا نلتف فعلاً لعلاج نقاط الضعف قبل أن تكون أمراً واقعاً يفرض نفسه ولا يقبل التعديل.

همسة:

ومن طلب العلا من غير كد

أضاع العمر في طلب المحال

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة