Culture Magazine Thursday  12/01/2012 G Issue 360
قراءات
الخميس 18 ,صفر 1433   العدد  360
 
عبدالله الغذامي - رجل المسرح الواحد
رائف بدوي

 

ليسمح لي الأستاذ الصديق : عز الدين صغيرون باستعارة عنوان مقالي هذا، والذي يمثل أحد فصول كتابه الجديد الذي تحت الطبع (أوهام الحداثوية السعودية) فهو في الحقيقة وصف لم أجد أدقّ منه لعنوان هذا المقال. نعم يا سادة فالدكتور : عبدالله الغذامي يمثل وبكل جدارةٍ رجل المسرح الواحد في الرواية المبسترة لتجربة الحداثة السعودية، وتحديداً مرحلة ما بعد توحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وإعلان قيام الدولة السعودية الثالثة وحتى التسعينيات الميلادية، إذ تعمّد الغذامي سرد وفرد كل ما يتعلق بسيرته الذاتية، وقدّمه على أنه المشروع الحداثي الأكثر منطقية بل على أنه الحداثي الأول والأوحد، وكل هذا حصل في ظلِّ غياب مشارح قوية وحقيقية لرؤية الغذامي عن الحداثة السعودية؛ بالإضافة لكثرة المطبلين والمقدسين وأتباع الطريقة الغذامية!!.

* فليكن مدخلنا تعريف الغذامي للحداثة إذ يقول: إنها « التطور الواعي « وفي موضعٍ آخر يقول « التجديد الواعي «.

إن الجميع يعرف وأوّلهم الغذامي بأن تعريفه للحداثة بهذا الشكل الباهت نقصانٌ بل وتحريفٌ للحداثة نفسها، إذ إن مثل هذه التعريفات صالحة لكل شيء ولكل وقت، وليس بها أي تمييز للحداثة كمصطلح، والمثقف الحداثيُّ يجب أن يكون مثقفاً عضوياً يشارك في التغيير والإصلاح بل يجب أن يكون ذلك شغله الشاغل، وهذا ما يناقضه الغذامي، فموقفه الشخصي من التغيير ما نصه: « لم أرفع راية التغيير الاجتماعي والسياسي في البلاد، وفعلاً أقولها بالفم المليان: أنا مفكرٌ حرٌّ أنتقد وبس» وفي مجمل حديث الغذامي هذا يعترف عن فهمٍ ووعيٍ كاملين بأنه ليس مثقفاً عضوياً وبالتالي حُقَّ لي وللجميع أن يقولوا له: أنت لست حداثياً أيضاً أيّها المفكر الحر.

* إن الغذامي يعتقدُ ويؤمنُ بأنه قادرٌ على إثراء الساحة الثقافية من خلال وجوده وإثارته للجدل دوماً، ومهاجمته للمثقفين والتيارات على الطريقة الأدونيسية « نسبة لأدونيس «، كما أن للأنا الغذامية شأناً كبيراً في بسترة واختزال رواية الحداثة السعودية بنرجسيَّة عالية، والدليل أنه بشهادته ورؤيته للحداثة كأحد الشهود على تلك المرحلة، يقوم هو نفسه بتقييم دوره، وتحديد مستويات تأثيره وفاعليّته، على مجمل الحراك والحدث التاريخيّ للرواية، التي لا يمكن حصرها في جيلٍ واحد؛ ناهيك عن حصرها في شخص!؛ لأن الشاهد بذلك يعطي نفسه دور البطولة المطلقة في «حدث» اجتماعيّ /تاريخيّ عظيم، يكاد لعظمته وتأثيراته أن يشكّل لحظةً مفصليةً حاسمةً في المسار التاريخي للفكر السعودي، ولمجمل الثقافة السعودية، مع اعترافه سابقاً بأنه مجرد مثقف حرّ فقط، وليس مثقفاً عضوياً كما أسلفنا.

* نعم، إنه مسرح الرجل الواحد مع فارق التشبيه، فليس كلّ من يمتطي خشبة المسرح ليؤدي دور البطولة المطلقة مزوِّرٌ للتاريخ.. فالمسرح وفنانوه مثقفون عضويّون.

كما أننا نعلم أن المهمة الأولى لحداثيي أوربا ومفكريها وفلاسفتها كانت (تفكيك الخطاب الديني) وإزالة قدسية رجال الدين، والعمل على إعلاء صوت العلم والعقل مقابل الكنيسة.

وهذا ما تم.

وفي مجتمع منغلقٍ دينياً كمجتمعنا فهو بحاجة لتفكيك نسق الخطاب الدينيِّ والمحاولات الجادة والموضوعية لقراءة الخطاب الديني..

وهذا من المفترض أن يكون مِن أولويّات المثقف الحداثي السعودي، ولكن ماذا سنقول إذا عرفنا أن الغذامي لم يجرؤ على الاقتراب من هذه النقطة خوفاً من التصادم مع المجتمع وخسارة الجمهور والسياسيّ؟! فما بالكم لو كان هذا هو من يدّعي تلميحاً وتصريحاً بأنه عراب الحداثوية السعودية بلا منازع، متجاهلاً الرواد الكبار أمثال: (محمد حسن عواد، وحمزة شحاتة، وعبد الله عبدالجبار، ومحمد العلي) وغيرهم الكثير ممن اختزلهم الغذامي ومريدوه في شخص وأسطورة الغذامي نفسه.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة