Culture Magazine Thursday  12/01/2012 G Issue 360
ترجمات
الخميس 18 ,صفر 1433   العدد  360
 
المستشرق برنارد لويس في حوار استشرافي خطير: 1-2
قلق من أردوغان، والهجوم على إيران سيمنح نظامها هدية لا يستحقها

 

ترجمة وتعليق: حمد العيسى

تقديم المترجم:

يسعدني أن أقدم ترجمتي لحوار مجلة سبيكتاتور البريطانية مع المستشرق الشهير البروفيسور برنارد لويس والذي نشر بتاريخ30 يونيو 2010. وإذا كنت عزيزي القارئ/ القارئة من الذين لم يتعودوا على قراءة الرأي الصادم والمختلف وتحديدا لست متعودا على قراءة آراء المستشرقين، فلا تضع وقتك بقراءة هذا الحوار.

تأسست مجلة سبيكتاتور عام 1828 وتصنف يمين-وسط حيث تميل لحزب المحافظين البريطاني. برنارد لويس مؤرخ يهودي بريطاني/أمريكي ولد عام 1916 ويعتبر لويس أهم مستشرق على قيد الحياة متخصص في تاريخ الإسلام والعلاقة بين الإسلام والغرب، واشتهر بصورة خاصة في الدوائر الأكاديمية بأعماله عن تاريخ الدولة العثمانية. حصل على الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن عام 1939. وأثناء الحرب العالمية الثانية، خدم لويس في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرعة وثم في هيئة الاستخبارات في 1940، ثم أعير إلى وزارة الخارجية. وبعد الحرب عاد إلى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية. وفي عام 1949، عين أستاذا لكرسي جديد في تلك الكلية لدراسات الشرق الأدنى والأوسط وهو في سن 33 عاما.

انتقل برنارد لويس عام 1974 إلى الولايات المتحدة حيث عمل كأستاذ محاضر بجامعة برنستون وجامعة كورنيل في السبعينيات. وحصل على الجنسية الأمريكية سنة 1982 كما حاز على العديد من الجوائز من قبل مؤسسات تعليمية أمريكية لكتبه ومقالاته في مجال الإنسانيات.

وتسود فكرة عند كثير من المثقفين العرب والمسلمين بأنه معاد للعرب وللإسلام ولكنه ينفيها بشدة مؤكدا احترامه الكبير للإسلام والمسلمين وبأنه ضحية لسوء فهم شديد بسبب صراحته الفجة ودينه اليهودي وجنسيته البريطانية الإستعمارية. وهو بالطبع «غير محايد» وهذا أمر متوقع ولا يجب أن يجعلنا ننكر أهميته كمؤرخ كبير وكمفكر استراتيجي خطير بل يجب أن نتابعه لأنه يملك قدرة على التأثير في السياسات الخارجية لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. ويكفي أن فكرة غزو العراق تنسب إليه ولكنه ينفيها هنا بطريقة غير حصيفة - في نظرنا - حيث أثبتت تورطه في خطة تقسيم العراق. ونجد في هذا الحوار آراء فكرية استراتيجية خطيرة لا يستبعد أن تتبناها الخارجية الأمريكية مستقبلا وننشرها من باب العلم بالشيء ولا الجهل به ولكي نستعد على الأقل من الناحية الفكرية لمفاجآت وتحولات في منطقتنا يضع بذرتها لويس وأمثاله من كبار المفكرين. وبالرغم من الإعتقاد السلبي تجاه لويس عندنا، أجد من المناسب سرد موقف حديث مشرف له نسبيا من الإسلام والمسلمين وهو موقف لا يعرفه - بالطبع - الكثير من خصومه في عالمنا العربي التعيس بسبب كسلهم الفكري وعدم المتابعة. فقد طلب ملحق تايمز الأدبي (تي إل إس TLS الذي يصدر عن صحيفة تايمز اللندنية منذ 1902 وهو أهم ملحق أدبي في العالم) من برنارد لويس في عام 1995 أن يكتب مراجعة لكتاب المرتد البنغلاديشي الخسيس والشهير باسم مستعار هو (ابن وراق) وهو كتاب بعنوان (لماذا لست مسلما). وابن وراق مواطن بنغلاديشي من أسرة ثرية ولد عام 1946 وارتد عن الإسلام - كما يدعي - بسبب محاولة جيش باكستان الغربية منع انفصال باكستان الشرقية لتأسيس جمهورية بنغلاديش حيث ارتكبت فظائع بأمر ذو الفقار علي بوتو رئيس وزراء باكستان الغربية ومات الكثير في محاولة منع الإنفصال وهو سبب شوفيني تافه وغير فلسفي. ثم هاجر ابن وراق إلى بريطانيا ليحصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية واللغة العربية على يد المستشرق الشهير مونتغمري واط ثم هاجر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة حيث أقام بصورة نهائية وتفرغ لتأليف كتبا تطعن في جميع مقدسات الإسلام. ولا يعرف اسمه الحقيقي ويصنف نفسه بأنه ملحد لا يؤمن بأي دين. وعلى أثر رفض لويس كتابة تلك المراجعة وهو رفض يعني أن لويس لا يعير أية قيمة لابن وراق كمفكر وبالتالي لا تستحق كتبه القراءة والنقد، شُنت عليه حرب صحفية خاصة من كاتب أمريكي يهودي يكتب باسم مستعار (هيو فيتزجيرالد) في نشرة (جهاد ووتش) المتخصصة في الهجوم العنيف على الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة وعلى كل من يكتب عن الإسلام بصورة محايدة ولطيفة خاصة من الأكاديميين الأمريكان.

كما يعتبر لويس أحد أبرز مفكر غربي ينكر ما يسمى بمذابح الأرمن على يد العثمانيين حيث رفض تسمية ما حدث بالمجزرة واعتبرها مجرد أعمال مؤسفة قد تحدث في أي دولة عظمى. وأدى موقفه هذا إلى محاكمته في فرنسا حيث قررت المحكمة كونه مذنبا بتهمة إنكار مذبحة الأرمن وتغريمه مبلغ رمزي قدره فرنك فرنسي واحد. يتعرض لويس منذ عدة سنوات لهجمات صحفية من العديد من الكتاب اليهود الأمريكان بتهمة كونه يجامل العرب والأتراك في كتاباته للحصول على دعوات لإلقاء محاضرات ودخول الأرشيفات السرية وغيرها من المزايا ولكنه ينكر هذه الإتهامات ويصفها بالشخصية.

ونظرا لنشر الحوار على شكل مقالة، فقد وضعنا الكلام المنسوب للويس بين علامات «تنصيص». وقد أجرى الحوار الصحفي الإنكليزي شلوتو بايرنز وهو محرر في مجلة نيو ستيتسمان البريطانية.

الحوار:

اسم برنارد لويس يثير ردود فعل مختلفة جدا لدى مختلف الناس. فبالنسبة للبعض هو أهم مؤرخ للعالم الإسلامي والشرق الأوسط، وهو كذلك الأكاديمي الإنجليزي الذي كان أول من صاغ عبارة «صدام الحضارات» (كما اعترف بذلك مروجها صامويل هنتنغتون، والذي أقر بتلك الأسبقية للويس). وبالنسبة للبعض فهو رجل جامعة برينستون الأمريكية العريقة التي تأسست عام 1746 وتتنافس مع جامعة هارفارد دائما على لقب أفضل وأهم جامعة أمريكية، وهو عند البعض رجل ينتمي لتيار المحافظين الجدد والذي احتفل بعيد ميلاده التسعين قبل أربعة أعوام برفقة كل من ديك تشيني وهنري كيسنجر، وهو بالنسبة لآخرين فهو صاحب «مبدأ لويس» الذي قيل أنه كان مصدر إلهام لقرار غزو العراق والحرب على الإرهاب. وبالنسبة لآخرين فهو المفكر العالمي الحكيم، الذين رأى مبكرا خطر كل من الخميني وأسامة بن لادن قبل أن يسمع بهما معظم الناس. وإذا كنت تصدق البروفيسور الراحل إدوارد سعيد، فإن لويس هو «المفكر الاستعماري القديم وصاحب القدرة الاستثنائية لعمل كل شيء خطأ يخطر على بالك».

وفي السنوات الأخيرة أصبح لويس يتعرض لهجوم شرس من كتاب يهود مثل هيو فيتزجيرالد بتهمة مجاملة المسلمين. يقول لويس وهو يضحك: «طالما كنت متهما من كلا الجانبين العرب واليهود، فأنا مسرور وعلى ثقة بنفسي». ويضيف لويس : «إن أفكار إدوارد سعيد حول الاستشراق «لاتاريخانية» تماما، وبعض أخطائه التاريخية كانت سخيفة لدرجة أنني اضطررت إلى اعتبار أن سببها هو الجهل المجرد وليس سوء النية!!! ولكنني عشت لفترة طويلة جدا، والعديد من التغييرات حدثت في العالم الإسلامي».

وبالتأكيد حدثت تغيرات كثيرة. فخلال العقود القليلة الأولى من حياته، كان الإسلام له تأثير إيجابي جدا في حياة لويس. ففي عام 1937 حصل على المركز الأول في دفعته في جامعة لندن وكان بالفعل يتقن العبرية والآرامية والعربية واللاتينية، وانتقل إلى باريس لتعلم اللغة التركية والفارسية. وقال لويس وهو يبتسم: «المعلم كان تركيا وكنا نتواصل معه باللغة الفرنسية، والكتاب المقرر الوحيد كان باللغة الإيطالية. هذه هي الطريقة التي تعلمت بها الفارسية». ثم في عام 1950 كان واحدا من القلة من غير الأتراك ممن سُمح لهم بدخول الأرشيف العثماني. ويشير لويس: «كنت مسرور تماما فهو مثل مصباح علاء الدين». ولكن لويس قلق جدا حول الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط والعالم. ففي كتابه الأخير «الإيمان والسلطة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط»، هناك جملة غريبة تصدم فجأة القارئ ليستيقظ من أمجاد ماضي الإسلام المتسامح إلى الحاضر الأكثر عنفا حيث كتب لويس: «إما أن نجلب لهم الحرية، أو سيدمروننا». ولكن أليس هذا مروعا ونوعا ما مثل نهاية الزمان؟ ويرد لويس: «إنهم يتقدمون بدون شك»، ويضيف «إن أوروبا تواجه نوعين من الهجمات: الإرهاب والهجرة. وإذا استمر نمط التحول الديموغرافي الحالي فإنهم سيستولون على أوروبا ويصبحون الأغلبية».

لقد كتب لويس على الدوام بإعجاب عن الإسلام، وأكد كثيرا وبوضوح أن بن لادن وأتباعه مخطئون في وضع تبرير ديني لأنشطتهم – حيث يرى لويس «أنه لا توجد في النصوص الإسلامية الأساسية المقدسة في أي لحظة تاريخية أوامر لإرتكارب جريمة أوقتل. بل ولا تطلب تلك النصوص - في أي وقت - مجرد التفكير أو التأمل في جواز إمكانية القتل العشوائي للأبرياء المحايدين من المارة مثلا». لماذا، إذن، لماذا يخاف لويس من تزايد المسلمين في أوروبا كما ذكر سلفا؟ يجيب: «إنها كثرة تشكل تهديدا بسبب الشكل الحالي للإسلام الجهادي». ويضيف: «فلولاها لبقيت السلفية المحافظة تيارا محليا في بيئتها. ولكن الثروة الهائلة ونفوذ التيار المتشدد ساهم في الإنتشار في جميع أنحاء العالم. وهو شكل أصبح يزدهر في أوروبا أكثر من بقية العالم الإسلامي. ثم يذكر لويس ملاحظة مذهلة بأن «معظم الشباب الأتراك الذين ألقي القبض عليهم لكونهم من النوع الجهادي هم من أتراك ألمانيا، وليس من تركيا حيث التعليم الديني لا يزال تحت رقابة أكثر»!!! إنه لا يقصد أن تركيا لم تعد هي منارة الأمل كما كانت عليه من قبل. يعتقد لويس إن دولة تركيا العلمانية الحديثة التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك والمتطلعة للغرب يمكن أن تكون نموذجا للبلدان الأخرى المسلمة، ولكن حكومة حزب العدالة والتنمية التي يرأسها رجب طيب أردوغان الذي يتولى السلطة منذ عام 2003، لها ميول إسلامية قوية. وفي أعقاب مقتل تسعة نشطاء أتراك في مذبحة أسطول الحرية (مافي مرمرة)، قيل إن تركيا تدرس قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل تماما. ولذلك يقول لويس: «أجد أن هذا تطور مقلق للغاية أن يفكر أردوغان بتغير الإتجاه بأكمله». ويشير لويس بحسرة: «إنه يستولي تدريجيا خطوة بخطوة على كل شيء: البلد والجامعات والشرطة. في الواقع، لقد استولى على كل شيء ما عدا القضاء»، ولكنه يضيف عن البلد العزيز على قلبه: «ولكن عفوا: تذكروا، إننا لم نخسر القضية بعد. أنا لست مستعدا للتخلي عن تركيا».

انتهى الجزء الأول

التتمة في الأسبوع القادم بحول الله حيث يؤكد لويس أن الهجوم على إيران سيمنح النظام الإيراني هدية ثمينة للغاية لا يستحقها ولا يتمتع بها. كما يتحدث عن ضرورة عودة النظام الملكي لكل من أفغانستان والعراق لجلب الإستقرار للبلدين، ويكشف عن اسم الأمير العربي الذي يرشحه ليكون ملكا للعراق.

المغرب Hamad.aleisa@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة