Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
الأخ الأستاذ عصام حجازي
سعد البازعي

 

أعتقد أنك وضعت يدك على منطقة توتر في فكر الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله، ووصفك إياه بالمفكر المسلم وليس الإسلامي أعتقد أنه صحيح إلى حد كبير، ولا أقول تماماً لأن المسيري سعى قدر الإمكان لموضعة أطروحاته في الإطار الإسلامي والاهتداء بقيم وأسس الدين وفي هذا السعي ما يبرر ربما وصف إسلاميته بالإسلامية الجزئية إن صح التعبير، قياساً على العلمانية الجزئية التي رآها حتمية وحاول الوقوف عندها وأظنه فعل.

لقد سبق لي أن ناقشت المسيري في لقاءات متعددة حول بعض النقاط التي استرعت انتباهك، كما أنه لفت نظري منذ بدء علاقتي به عام 1984 أن معرفته بالثقافة الإسلامية تشبه معرفة من دخل الإسلام حديثاً، وأظنه لم يجتهد كثيراً في تعويض ما فاته من مسائل الفقه والعقيدة. كان يردد آيات قليلة ويذكر حديثاً أو حديثين (مثل حديث الهرة والكلب) التي تدل على تسامح الإسلام. ولأنني أنتمي إلى بيئة تفيض برؤية أكثر عقدية وتفقهاً في مسائل الدين، ولأنني ورثت الكثير من ذلك وأنتمي إليه، فقد شعرت أنه كان ينبغي للمسيري أن يتعرف على تلك الجوانب أكثر.

في هذا السياق ينبغي أن أشير إلى مفهوم كان المسيري يردده عندما أشير إلى بعض الوجوه التي بدا من الصعب التوفيق بينها وبين أطروحات المسيري مثل القدر، فقد كان يدعو إلى ما يسميه «السببية الرخوة» وهو مفهوم مريح للذهن لأنه لا يصر على الربط المباشر بين الأحداث والقدر، فالله وراء الأحداث لكن ليس بالمباشرة التي يراها كثير من أهل السنة، وأذكر أنني وجدت فيما بعد مفهوماً يشبه ذلك المفهوم لدى جاك دريدا.

أولاً: أنا بشكل عام متفق معك في وجود التناقض وإن كنت أفضل أن أسميه توتراً وقد يسميه التقويضيون (التفكيكيون) «أبوريا» Aporia أو فجوات لا يمكن اجتيازها دون إيمان.

لقد آن أن نعيد النظر في فكر المسيري مثل كل المفكرين الكبار ولا أعرف أحداً تكشف لديه ما يشبه الذي تكشف في بحثك أو مشروعك.

شيء واحد أتمنى أن تتخلص منه هو الإكثار من التبجيل في الإشارة إلى المسيري، وقد شعرت أنك كما لو كنت تشعر بالذنب أنك تكتشف مشاكل في أطروحاته فتكثر من «الكبير» و»العظيم». أقترح الاكتفاء بواحدة في بداية البحث لكي لا تعطي انطباعاً بضعف الجانب المعرفي في بحثك.

ثانياً: أنا أحد الذين اختلفوا مع المسيري في بعض أطروحاته، لا سيما ما يتصل بقراءته لليهود، كما قد تتبين من كتابي «المكون اليهودي في الحضارة الغربية»، ولذا فأنا أشجع على محاورة أطروحاته وأن ذلك مما يحييها ويضعها في سياق جديد من شأنه أن يثريها.

ثالثاً: كان المسيري بالنسبة لي صديقاً عزيزاً وقيمة كبيرة وترك أثراً واضحاً فيما أنتجت، بل إني لا أتخيل بعض ما قدمت من أفكار وأعمال بدونه، لكنه مع ذلك لم يكن «أباً روحياً» بما توحي به تلك العبارة من تأثير طاغٍ أو تبعية فكرية. ربما كان رحمه الله «أخاً روحياً أكبر» (وفارق السن بيننا لم يصل إلى عشرين عاماً عند وفاته).

أخيراً أتمنى لك كل التوفيق، وأرجو أن أرى البحث بعد اكتماله.

مع خالص تحياتي وشكري لإتاحة الفرصة للاطلاع على هذا المشروع البحثي المهم.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة