Culture Magazine Thursday  13/09/2012 G Issue 379
أوراق
الخميس 26 ,شوال 1433   العدد  379
 
الرحيل الهادئ
د. محمد عبيد

 

كنت قبل أيام أتابع متصفحي على (الفيس بوك) وإذا بي أمام منشور كتبه صديقنا الغالي د- إبراهيم التركي ينعي فيه سعادة الأستاذ الدكتور - عبد العزيز بن عبد الكريم التويجري، ولم أنتبه عند قراءته أنه زميلنا الفاضل الذي كنت معه في جامعة الملك سعود، ولم يخطر ببالي حينها، إلا أنني اتصلت بأحد الأساتذة في القسم وفجعني بصحة تأكيد الخبر.

لقد آلمني هذا الخبر كثيرًا، وحزنت على الفقيد جدا، فقد زاملته عامين في جامعة الملك سعود، وكان من عاداته أن يأتي الكلية مبكرا ربما في السادسة والنصف صباحًا متأبطًا حقيبته السوداء، وكنت ألتقيه في الأيام التي يأتي فيها، ونتجاذب أطراف الحديث حول العلم والعلماء وواقع الدرس اللغوي في جامعاتنا العربية، وكان حزينًا جدًّا على مستوى أبنائنا الطلاب في اللغة العربية.

وكثيرا ما حدثني عن حبه للمخطوطات والتحقيق، وأنه كان عاشقًا للأستاذ محمد عبد السلام هارون، وكان مفتونًا بالأستاذ الدكتور - محمود الطناحي، رحم الله الجميع.

لن أتحدث هنا عن سيرة الأستاذ الدكتور الخاصة فربما لا أعرف الكثير عنه، وإنما فقط سأنوه عن جهوده اللغوية وخدمته لتراثه العربي.

لقد ترك الدكتور عبد العزيز التويجري مجموعة طيبة من الأبحاث والمؤلفات ليست بالقليلة ولا بالكثيرة حيث إنها متناسبة جدًّا على ما عرف به من الدقة والمراجعة، وجاءت هذه المجموعة من الأبحاث متنوعة في إطار تخصصه العام، فبعضها كان يتحدث عن الجانب اللغوي بشكل عام بمستوياته المتعددة، كالمباحث اللغوية في خزانة الأدب، وبعضها كان يهتم فيها بعلم الأصوات، كالنبر الصوتي بين علماء اللغة القدامى والمحدثين، وأصوات الصفير دراسة دلالية، وهناك نوعية من أبحاثه كان يركز فيها على المنهج في التناول ويعرض له بشكل جيد، من ذلك بحثه عن مناهج اللغويين في شروح فصيح ثعلب دراسة مقارنة، ومنهج الحسن الصفاني في معجمه البحرين، وبحثه في منهجية دراسة النص القديم وقد اختار كتاب المذكر والمؤنث ليعالج فيه منهجية التأليف ونقد المضمون.

وكان للفقيد رحمه الله عناية خاصة بالمعاجم والمدونات فكتب عن المعرب والدخيل في جمهرة اللغة، وعن أثر الخليل بن أحمد في الجمهرة (شارك به في مؤتمر في دولة الأردن) وكتابته عن لغة العصر المحكية في التدوين المعجمي، مدونات الأزهري في تهذيب اللغة أنموذجًا، وكتابه عن علامة الجزيرة حمد الجاسر في ضوء نقده للمعجم الكبير وتاج العروس.

وهناك جانب آخر لا يقل أهمية عن اهتمامه بالمدونات وهو اهتمامه بقضية التصحيف والتحريف فقد كانت تلك القضية محورا للعديد من أبحاثه، كالتصحيف والتحريف في العربية دراسة في الظاهرة وتطبيقات على مناظرات الأصمعي اللغوية، وإلف القماط على تصحيح ما استعملته العامة من المعرب والدخيل والمولد والأغلاط، وغير ذلك وللدكتور رحمه الله اهتمام بالغ بالتحقيق حيث حقق أكثر من مخطوط، كتحقيقه لشرح درة الغواص في شرح الخواص للشهاب الخفاجي، وفوح الشذا بمسألة كذا لابن هشام وغيرهما، ولم يتجاهل الشيخ رحمه الله لغة الشعر والشعراء حيث كتب عن اللغة في الشعر السعودي وطبق على قصائد للشاعر غازي القصيبي رحمه الله تعالى.

هذا جانب من بعض ما تركه للمكتبة العربية الأستاذ الدكتور عبد العزيز التويجري تاركا وراءه علما ينتفع به إلى يوم الدين، وقبل أن أنهي مقالتي أتمنى من المسؤولين في وزارة الإعلام ولا سيما القنوات التلفزيونية التي تهتم بالثقافة والمثقفين أن يخصصوا برنامجا يحكي عن سيرة هؤلاء الإعلام عارضا لجانب من حياتهم العلمية والعملية حتى يتعرف الناس على هذه النوعية من العلماء الراحلين في هدوء دون أن ننتبه لهم، رحمك الله يا دكتور عبد العزيز وغفر لك وألهمنا وذويك الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة