Culture Magazine Thursday  13/09/2012 G Issue 379
مراجعات
الخميس 26 ,شوال 1433   العدد  379
 
استراحة داخل صومعة الفكر
الأكاليل
سعد البواردي

 

سالم بن رزيق بن عوض

96 صفحة من القطع المتوسط

الأكاليل جمع إكليل.. وهو ما يطوق به عنق المنتصرين في حبهم وفي حربهم.. هي بحق أكاليل الغار.. والعار دون فرق.. شاعرنا أعطى لنا مفهومه لأكاليله.. وتحت هذا العنوان:

ليت هذا الطير يهدني مرادي

ينتشي في خاطري يروي فؤادي!

بداية مفردة «يهدني» لم تتعرض لجزم يصادر منها حرف الياء.. أعد إليها ياءها (يهديني) يستقيم بناؤها..

يسفح الطهر المسجي في دمي

ويغني في تباريحي ودادي!

يسكب الفن جمالاً سائلا

في ثنايا عالمي يلوي عنادي

الفن يا شاعرنا ليس مادة كيماوية كي يسيل.. بل أداة تعبيرية رائعة تترجم ما في خلجات النفس العاشقة.. أبدل «سائلاً» ب»رائعاً»

كلما غنت إلى الدرب الخطى

بث في الدرب ملايين القتاد

الخطى أيضاً لا تغني.. وإنما توقع.. وتستحث.. اقترح لشطرك ما يلي:

كلما سارت على الدرب الخطى

أبحث عن إكليله علّي أجده.. أو أجد من يدلني عليه:

ميت أمشي على وجهي وقد

نفرت نفسي.. ومن نفسي بعادي

أتقي المرآة إن أبصرتها

ويل أيامي.. وأيامي سهادي

أشتري منها خيالات اللقا

وأبث النعمة الحمرا حصادي

بضع ملاحظات أقدمها لشاعرنا: أولها لا أحد يمشي على وجهه دائماً على قدميه.. والميت لا يمشي وإنما يُحمل جسده على الأكتاف.. ثانيها.. وضع فاصل بين كلمتي فاتني وأضحى خشية التداخل المخل.. ثالثها وهو الأهم لا وجود لإكليل هنا.. وإنما مجرد قياد وعدك غريمك برميه ولم يف.. علنا نجده في مكان آخر.

«الصباح» فاتحة خير ننتظرها على أحر من الجمر بعد طول سبات.. وبعد طول سهاد.. في كلتا الحالتين الصباح ميلاد حياة متجددة.

فتح الصباح فؤاده وترنما

وأقام في رحم الطبيعة معلما

جميل توصيفه وتوظيفه لمفرداته في هذا البيت:

يختال في وهج الحياة وينتشي

تيها على مرأى العيون مسلما

هذا الصباح البكر في قسماته

دنيا تفيض من المسرة بلسما

«شاعرنا، والشعر، والدنيا» ثلاثتهم في لقاء واحد..

أكاد أسابق أنفاسي

من مغنى إلى مغنى

وألوي روعة الإحسا

س في إشراقة المعنى

لماذا تلوي إحساسك المرهف؟ أودعه إشراقة المعنى.. دعه دون ليٍّ؟

هديل الطير في روحي

ينبه مقلتي الوسنى

الهديل يتلقاه السمع.. إنه أحق من الروح يا عزيزي

ويسبح في شراييني

هتاف النجمة الحسناء

حسناً أن استجابت لهتافك.. ولهدفك..

خرير الماء في شعري

يفتق مقلة الوسن

ويروي السمع والأبصار

والأرواح والمدفن

إلا المدفن يا شاعرنا.. المدفن لا مقلة له لأنه تراب صامت.. كل شيء أعطاه لنا من شعره استجابه لخرير مائه ظلام البيد.. وجه الزنبق المعلن.. الأدغال.. الأمساء في الصباح وهو شيء لا أفهمه.. نسيم الورد في لحنه فتش عن شذى أيامه: و..

عن عصر بلا مصر

وعن قلب بلا أصنام

وعن دنيا بلا دنيا

وعن وجه بلا أوهام

وعن نور بلا نار

وعن أرض بلا ألغام

وعن نفس بلا جور

وعن نفس بلا أحلام

كثيرة هذه الأشياء عليك.. وعلينا.. وبالذات الدنيا بلا دنيا.. إنها لا شيء في أدبيات الوجود..

«الأولاد» عنوان.. ماذا وراء العنوان؟!

زينة في الحياة ثوب موشى

تتراءى على طريق بعيد

ولذيذ من الجمان المصفى

يتهادى على فؤاد سعيد

كل معنى لها البهاء منها

كل لفظ لها رفيع نضيد

مدخل حياة سعيدة من أجل أولادهم مصور السعادة فيها..

هؤلاء النسائم الغر فينا

كم حننا على الصغير الوليد

وفطمنا القلوب فيهم عليهم

وشربنا حب الوجد الوحيد

وبنينا بهم شموخ المعالي

وزرعنا على ضفاف مديد

فطاف القلوب يا شاعرنا إيقاف نبضها وتحنانها.. بل من فطمها افتحها كي تورق بحبها من

أجل فلذات الكبد

يا حياة الحياة كوني لديهم

فرحة من تناغم وسعود

وبساطا من نرجس يسحر الأرض

ودنيا من الربيع السعيد

قبِّلي شمسهم وغني عناهم

وأقلِّي على القلوب الهجود

العناء بوح مر لا يغنى له أحسبه هكذا «وبوحي عناهم».. وأيضاً الهجود الأنسب منه «الجهود» حين تأتي شاقة.. أتجاوز بعضاً من محطاته.. استهوتني تلك المرآة اللاقطة عبر طريق الرحلة.. توقفت أمهامها.. مشهد سالم عوض يحدق فيها يلتفت إلى فريق دربه متسائلاً:

انظر إلى وجهي وقل لي

ماذا ترى في لون ظلي؟

ماذا ترى خلف الوجوم

وخلف آيات التجلي؟

ماذا ترى خلف الملامح

خلف تجهيلي وجهلي؟

تساؤلات مطروحة.. ما لبث أن تركها لنفسه كما لو كان هو المعني بالإجابة..

رجلي تقبِّل ركبتي

يا ويل ويلي! أين رجلي؟!

تحت الخطى بين المدى ال

مبثوث في أقصى محلي

ما إن سأل عنها حتى وجدها مبثوثة تحت خطواته.. على من تحرك شاعرنا إذاً؟ هو أدرى مني دون شك.

وتجوس آلاف البلاقع

لا تهاب نباح نذلي

تلوي عباب الدرب تستو

لي على الدرب المُوليِّ!

ويدي على دقات قلبي

وانزوى شكلي، وشكلي!

كل هذا عكسته المرأة بشكل منظور وغير خفي إلى درجة رؤيته لنفسه منفرداً يفتش أيامه عن أمثال أمثاله ومثله.. شيء مهول.. أنصح شاعرنا أن لا يحلق في المرآة مرة ثانية.. إنها خادعة! «زفرات خانعة» هل إنها شبيهة بأختها؟!

لماذا ندفع الثمنا؟

ونطوي الهم والحزنا؟

ونبني من شجاعتنا

صروحا تملأ الزمنا؟

وجهان لتساؤلاته.. وجه مشرق ببريقه.. وآخر شارق بريقه؟ على هذا النسق تمتد به الأبيات المتسائلة..

دروب اليأس والمحن، تصفيق لليل، صَغار وصِغار.. أرض تجري خلف أرض مرحبة بالقادم الحسن.. كثيرة تلك الأشياء التي خطرت على باله ورصدها زفرات خانعة رغم أن فيها الجميل.. والنبيل.. تطغى على شاعرنا شحنة من التشاؤم تبحث عن مخرج:

علام الهول يا أهوال؟

يا دنيا جفاكِ سنا

وفيمَ الموت يا أموات

نلوي الخافق اللسنا؟

ونلمح في دروب اليأس

مهزلة.. وممتهنا؟

الكثير الكثير من التداعيات طرحها دون إجابة.. جواب واحدة يستغرقها.. لأن الذي يخاطبهم أموات.. أي شبه أموات.. هل يسمع من في القبور المكشوفة دون لحود؟!

«نهر المحبين» جميل أن نتوقف مع دليلنا ابن رزيق على شاطئه.. تعب من مائه النمير لنقتل في دواخلنا عطش الجفاف والتصحر:

حنانيكِ يا دنيا فما زال عاشقا

لماها له فيها فؤاد مرقرق

«لماها» تعود إلى الشطر الثاني.. أعدها إلى مكانها..

يذوب الجمال العذب في سحر حسنها

وفي بحر عينيها شعاع محلق

الجمال هو الحسن.. والحسن هو الجمال.. الشيء لا يذوب في نفس الشيء.. أرى إبدال كلمة

حسنها بقدِّها.. أخالها أنسب..

حنانيك يا دنيا الحكم كان خللها

رفيفا وكانت للمحبين بيرق

تناءت على الروض الذي ضمها به

أريج وأفضت للوشايا تعمق

وفي النهاية تهتز موجة نهر المحبين وتتحول إلى سونامي:

وطارت عن القلب المغدى بحبها

يفيض دموعاً في الليالي ويشهق

وحيد ناءت أيامه البيض وحده

ويلقى من الأيام ما لا يصدق

صوت صخرة الدنيا عليه وماله

جناح حمام في الدواهي يحلق

«ناءت» صحتها «نأت» حفاظاً على وزن الشطر. أما الحب ونهره فإن دوام الحال من المحال في قاموس العاشقين.

«هديل الحمام» عنوان شيق عله يقربنا شيئاً فشيئاً إلى باقة السلام..

على مثل هذا يغني الكلام

وتحلو اللقاءات بحلو الغرام

تذوب المعاني فلا تهدي

لمعنى بمعنى كجمع الغمام

المعاني تهتدي لا تهدي.. أما توصيف المعنى بمعنى فإنه الأقرب إلى تفسير الماء بالماء ناهيك عن جمع الغمام!

دع الروح تشدو على رسلها

تروح وتغدو كوجه الغمام

تفيض كفيض العباب الذي

يغني له الرحل تحت الرمام

ويسري مع النور في النور يسري

كما يسفح الحس حسن همام

بيتك الأخير يا عزيزي يحتاج إلى تفسير يفك رموزه وشفرته.. «ترانيم المغني» رددها شاعرنا وعلى فمه سؤال لا يبرح فمه.. ماذا يريد الشعر منه؟

ماذا يريد الشعر مني؟

يزجي بتاريخي وحزني

ويقول ما يحلو له

ما بين ألواني.. وعيني

الألوان هنا متطفلة.. أبدلها بالوجدان..

يروي الأسى روحي

ويجأر في الضياع حيال أذني

قبل شكواه.. شطرك الأول يشتكي وقد سلبت منه عبارة «ويجأر» أعدها إليه في توازن مطلوب

ماذا يريد الشعر مني

بقتات أفكاري وحسني

ماذا يريد الشعر مني

بقتات ما أدعوه فني

تلك هي وظيفته.. الشعر أداة طرح لمشاعر تختلج في أعماق الإنسان.. يرسمها بريشته أو يخطها بقلمه أو يحكيها بفمه.

حاولت تقليد الطيور

وصدقت دنياي ظني

فعزفت فلسفة البيان

على ترانيم المغني

ألا ترى يا عزيزي أن أوتار البيان أقرب إلى المناسبة من الفلسفة؟

شاعرنا أبحر وجدف في بحر الحب:

قالت فديتك من تهوى؟ فقلت لها:

لا شيء مما أرى يجري على بالي!

كل العيون التي في طرفها حور

ما أبحرت في تباريحي وأشغالي

وكل حسن يذيب الصخر أحسبه

جريرة النفس في إسفافها الحالي

عذراً يا شاعرنا.. حسبتك توأم شاعرنا القديم الذي قتله حور العيون.. وأنشد:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

كنت الأكثر صلابة.. وتمرداً.. لم تقتلك العيون.. ولا الجمال المزوق بالمساحيق.. حددتَ من تهوى بمواصفاتك:

يهوى هواي التي ما زلت أطليها

من أفقها وهي في أوصال أوصالي

لماذا لا تطلبها من أهلها.. إنهم الأقرب.. الأفق في عقد الزواج أبوابه مغلقة. ومع هذا نجح شاعرنا وفشلت أنا فقد انفتح باب الوصل والتواصل واستجاب القلب لمن يهوى:

قالت فديتك من تهوى؟ فقلت لها

تلك التي في مياديني وأجوائي

إذا تسامت تسامت كل جارحة

وأشعلت في فؤادي نار زلزال

وأضرمت في دمي أشواق مهجتها

وحبها في أحاديثي وأفعالي

تعلو بذاتي التي أحيا لدفعتها

عن الرزايا وعن أوحال أوحالي

تكاد تغدو على الحب العفيف ضحى

خيالة في هوى أشواق خيال

«أوحال أوحال» غير مناسبة.. ولا ملائمة للموقف.. حسنا لو جاء شطرك.. «عن الرزايا وما لا ترتضي حالي» حسناً جاء اختيار شاعرنا سالم سليما.. ابنة الوطن هي الأقرب إلى ابن الوطن.. ولكن من يقدر على دفع المهر يا عوض.. عليه العوض.. شاعرنا شرع بوابة الحب.. أسفر صبحه مبتسماً:

أسفر الصبح يسحر الوجدانا

ويرينا وجه الخلود عيانا

يتهادى على البقاع أريجا سائلا

ساحرا زمانا مكانا..

لا أحد يا عزيزي يقدر على رؤية وجه الخلود ولا حتى بتلسكوب هائل الفضائي.. الخلود محسس لا ملموس.. إن البقاء دون نهاية.. ثم للمرة الثالثة يسلب الشطر الأول من شقيقه الثاني مفردة «سائلا» أعدها إليه كي يستقيم الوزن لكليهما.

أسفر الصبح.. أسفر الكون سعدا

يتهادى.. يكاد يطوي الزمانا

يمنح السائرين دربا ولونا

وقلوبا.. وأعينا.. وآذانا

وشعورا مطرزا بالأماني

وأمانا محلقا وبيانا

جميلة تلك هي الأبيات في مفرداتها.. وفي رسمها للصورة الشعرية.. اعطنا منها المزيد.. زادك الله فضلاً.. «الفؤاد المعنى» أجتزئ منه هذه الأبيات..

قلت والطير سابح يتغنى

فوق غصن من النسيم تثنى

يملأ الشدو خافقيه فيشدو

بالأغاني وبالكلام المُغنى

يرسل الطرف في الرياض فيبدو

كالجمال الذي يراه المعنى

يتهادى فوق المروج أريجا

ساحرا.. سافرا.. جلالا وحسنا

النسيم لا غصن له.. أبدله «نفح» وحبذا لو تخلصت من تراكم المفردات في توصيفك.. وبالذات ما لا يتفق والوصف المباشر.

أخيراً مع رفيق دربنا الأستاذ الشاعر سالم بن رزيق بن عوض زاده الله رزقاً.. وديوانه «الأكاليل» ومع مقطوعته «فلسفة الهم».. إن كان للهم فلسفة..

الهم يجلد مهجتي

في ظلمة الليل البهيم

ويزلزل الإحساس في

قلبي الملفع بالجحيم

ويكاد يحملني الدخان

إلى متاهات السديم

تتبعثر الأحزان في

نفسي فينتعش الوجوم

ويعيش في روح الأسى

تقتات من روحي الهموم

فأعوذ من نفسي وشيطاني بمولاي الرحيم

يا أيها المهم الذي

في خاطري نشر الوشاحا

وأقام في صلف الإباء

مدائنا نكأت جراحا

نكأت إليها البوم وال

غربان تحترف النواحا

ليت شعرك يا عزيزي جاء بهذا التوفيق في همِّ فلسفتك.. «الغربان» وردت خطأ «الغرابان» يحسن تصحيحها.. لك التوفيق في مشاريعك الشعرية القادمة.

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة