Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
الملف
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
الشاعر: توطين لذاكرة المستقبل
أ. د. عبدالرحمن طنكول

 

تعود معرفتي بالأستاذ الشاعر الدكتور عبدالعزيز سعود البابطين إلى عشر سنوات أو نيف. ومنذ ذلك الحين حظيت بشرف الجلوس إلى جانبه والتحدث إليه. وما لفت انتباهي فيه على الدوام خصاله النبيلة المتمثلة؛

* في تواضعه وثراء ثقافته.

* في عمق معرفته بتجارب الحياة، بمنعرجاتها وما تنطوي عليه من ألغاز وأسرار.

* في نجاعة خبرته بقضايا النمو العالمي إنْ على مستوى التفكير أو على مستوى الممارسة التطبيقية.

* في نقاء سخائه وكرمه وطيبوبته.

ومن المعلوم أن صيت الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين تجاوز حدود خريطة البلدان العربية بفضل هذه الخصال الإنسانية الرفيعة. فما تراه مشاركًا في أي لقاء ثقافي إلا وتشاهد الحضور، على اختلاف مشاربه وأصنافه وأجياله، متعطشًا للالتفاف حوله والاحتفاء به وتوجيه التحية إليه والاقتراب منه لمعانقته. ورغم ما ينتج عن ذلك من زحام وازدحام فما يحدث أبدًا أن تلاحظ على ملامح الشاعر أدنى تعبير عن الانزعاج أو الامتعاض أو الانقباض. فالابتسامة العريضة لا تفارق محياه تتقاطعها من حين لآخر كلمات الترحيب والامتنان متوجهًا بها للكبار والصغار إناثًا وذكورًا من غير تمييز بين من ينتمي إلى أعلى درجة اجتماعية ومن هو في وضع أقل منها. فالناس سواسية في عينيه وقلبه.

ففي مشاهد كثيرة كهذه، والتي تضفي على وجهه مسحة من الفرح لا مثيل لها، تبرز بجلاء صورة عبدالعزيز سعود البابطين. إنها مشاهد يبدو فيها الإنسان في طبيعته الأصيلة متجردًا من كل قناع للتستر واللف والزيف. من المؤكد أن مثل هذه المشاهد تعكس بامتياز ثقافة ناضجة وازنة تغذت من مرجعيات قيمنا العربية الإسلامية وارتوت من منابيع علوم الحضارات الإنسانية والكونية. والذي يعرف الأستاذ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين يعرف مدى موسوعية ثقافته، وقدرته العالية على التحليق في أجواء المعرفة والغوص في أعماقها متجنبًا في الوقت ذاته ما قد يعطي الشعور بالغلو والفضاضة والجشع. لذا يعتبر الجلوس بقربه وفي محيطه والاستماع إليه في مختلف المحافل واللقاءات من بين لحظات البهاء والمتعة بالنسبة لكل من أتيحت له مثل هذه الفرص، لما تسمح به من استفادة مثمرة وتنوير مضيء للعقل والروح.

إن هذا كله يعطي الدليل على أن الأستاذ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، رغم ما يتحمله من مسؤوليات جسيمة في حقل المال والأعمال، لم ينصرف أبدًا عن الدور الذي ينبغي أن يقوم به بهدف ترقية المجتمع الإنساني على أسس الأخلاق السليمة المتشبعة بمبادئ المحبة والتعاون والتضامن. ولعل خير دليل وأقوى حجة على هذا الاختيار عند الشاعر الدكتور عبدالعزيز سعود البابطين مختلف الاستثمارات التي لا يبخل بتوظيفها في مناطق عدة من العالم ساعيًا من ورائها بالدرجة الأولى إلى:

* فك العزلة على الفئات المحرومة التي تعاني من الفقر والهشاشة.

* ترسيخ ثقافة السلم والسلام من أجل القضاء على العنصرية والكراهية واللامساواة بين الشعوب والمجتمعات.

* خلق الوعي بأهمية روح المبادرة والابتكار وعدم الركون إلى الاتكالية والرضوخ لإكراهات الواقع وسلبياته.

* زرع ثقافة الأمل والعمل على ترجمتها إلى إرادة فاعلة في دينامية المجتمع، والتعامل معها كرافعة لطموحاته قصد تحقيق النمو والرقي.

فهذه هي الثروة الحقيقية التي يريد شاعرنا الأعز، من دون ملل ولا كلل، أن يقتسمها مع الجميع حيثما حل وارتحل، وذلك لكونه لا يرضى لأي شريحة من شرائح المجتمعات أن تبخس كرامتها وتقبل بوضع يذلها وينال من كرامتها. إذ الإنجازات الجميلة التي يمكننا تحقيقها حسب تصوره هي التي نسعى إليها بعرق جبيننا وبفضل الجهود المبذولة من أجلها.

انتصار الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين لهذا التصور يأخذ أبهى صوره في منجزه الشعري. ففي دواوينه وقصائده التي تعد بالعشرات يحضر باستمرار خيط نفيس يربط فيما بينها و يزيدها رونقًا وجاذبية: إنه خيط التغني بالأمل، بالحياة، بالمحبة، بالوفاء، بالصدق، بالجمال، بالإنسان في انسجامه مع الطبيعة والكون، بالزمن في امتداداته وانكساراته وما يحبل به من أفاق واعدة بالسعادة والانتشاء والارتقاء إلى مدارج صور الكمال.

وبما أن اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن الكريم، هي خير أداة للتعبير عن هذه المشاعر والوشائج، فلقد اختار الأستاذ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين أن يسخر حياته لخدمتها وتشجيع حضورها في شتى أصقاع العالم من خلال المساعدة على تدريسها والتأليف بواسطتها والترجمة إليها حتى لا تتراجع إلى الوراء، من جراء ما تفرضه عليها من تنافسية شرس ة لغات العالم المهيمن على الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا وأجهزة الإعلام والتواصل.

وفي حقيقة الأمر تعتبر غيرة عبدالعزيز سعود البابطين أولا وقبل كل شيء غيرة على الأمة العربية والإسلامية جمعاء. فإذا ما تعرضت لا قدر الله لغتها للاندثار أو الإقصاء والتهميش على الصعيد الدولي، فسيشكل ذلك لامحالة منطلق تدني أمتنا إلى الأسفل. لا أحد يتمنى ذلك لأمة انتشرت حضارتها لعدة قرون على صعيد القارات الخمس. ولن يتحقق ذلك ما دام أن هناك رجال واعون بضرورة التضحية بما هو غالٍ ونفيس من أجل الرفع من شأن هذه الأمة وتظل شامخة في مصاف الأمم الراقية. .. أطال الله في عمر الأستاذ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين ليواصل مشروعه الإنساني والحضاري المنتصر لقيم العلم ضد الجهل، ولمبادئ التقدم والازدهار ضد نزعات التحجر والتقهقر.

رئيس جامعة القنيطرة – المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة