Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
الملف
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
العصامية والعقلانية
أ. د. محمد الرميحي

 

هناك من ينظر إلى عبدالعزيز البابطين على أنه شاعر وأديب، وهناك من يراه تاجرًا ناجحًا، وآخرون يقدمونه كحامل أوسمة وشهادات فخرية كبرى..

وهي كلها صفات يحملها من يسميه أصدقاؤه بكنيته المحببة (أبوسعود).

إلا أنني أنظر إلى أبي سعود من جانب آخر، تتكامل فيه العصامية والعقلانية، حيث تشدني إلى عبدالعزيز البابطين عصاميته المفطور عليها، وتاريخه في بناء هذه العصامية الذي لا يتهرب منه، بل يتحدث به فخورًا في كل مجلس.

إنسان نشأ نشأة بسيطة بتعليم محدود، لكنه خلّف تراثًا إنسانيًا وعائليًا يفخر به ربما إلى قابلٍ من الأيام غير قريب، علّم نفسه الأدب والتجارة، وبنى كل ذلك على تراث طبيعي ورثه من عائلة لها امتداد في وسط الجزيرة وأطرافها.

البداية المتواضعة في العمل التجاري الذي أخذه إلى أماكن كثيرة وتجارب صعبة، هو ما يشوقني دائمًا لسماع حكايته الإنسانية، الطريف منها وغير الطريف، الصعب منها والسهل. فقد عرف الناس وخبر معادنهم، واستطاع أن يربح على مَرّ السنين أصدقاء في كل أنحاء الوطن العربي أصبحوا اليوم ربما يُعدُّون بالمئات، إلا أن أفضل ربح جناه أبوسعود هذه القدرة الهائلة على التواصل مع الآخرين بصرف النظر عن اهتماماتهم ومصالحهم التي قد تتعارض مع اهتماماته. أما العقلانية - بعد العصامية - فهي اختياره لمنهج صعب في بناء المؤسسات الثقافية و(البرامج) المختلفة، واهتمامه الذي انصب على تطوير العنصر البشري فيه رؤية مستقبلية ثاقبة، والذي هو الثروة الحقيقية لأمتنا العربية والإسلامية.

لم يألُ أبوسعود جهدًا في متابعة العمل في هذا المجال ولم تمنعه عقبات، على كثرتها، بل أصبح حبه الثاني، إذ تتلخص المؤسسات في: المكتبة، ومَن يعرف أهمية المكتبة يعرف موقعها الأهم في الثقافة، ثم الجائزة التي تقدم لأفضل الشعر، وقد بنيت الثقافة العربية بل وبعض العالمية على الشعر، ثم الترجمة التي هي حبل الوصل بين الثقافات، من بين مؤسسات أخرى قام بالسهر عليها.

وتتلخص أعماله لبناء الفكر في إنشاء المدارس على اختلافها، في أماكن عديدة من بقاع العالم العربي والإسلامي، وأيضا في التعليم والتدريب لعشرات الشباب من أصقاع الدول الإسلامية والعربية.

هذه الأعمال التي لها عمق تنموي هي ما اهتم به عبدالعزيز البابطين، وكثير منها معروف مسجّل، سيكون مصاحبًا لأولئك الخريجين الكثر الذين سينقلون علمهم لمجتمعاتهم، وينقلون ما قدمه أبوسعود إلى أبنائهم وأحبتهم.

التعليم وإنشاء الكراسي العلمية المختلفة المهتمة بالثقافة العربية في الجامعات المتعددة وتشييد المدارس؛ لا يقوم بذلك فرد أو أفراد ينظرون إلى أسمائهم أو مصالحهم الضيقة..

بل يقوم بها من يعرفون أهمية تصويب مسيرة التاريخ، والمساهمة في بناء الحضارة، وتوسيع قاعدة الحب والمشاركة.

استنَّ أبوسعود شكلاً جديدًا للتجارة الرابحة، ربما لا يمارسها كثير من تجارنا؛ ذلك أنه دخل السوق بعقلية المحترفين، ولكن هذه المرة لتجارة العقول لا الأموال، وهو ما يندرج في نطاق تشييد البنية الفوقية للإنسان (الفلسفة والأدب والفن..) في مجتمع متعطش إلى طبع بصمته على دفتر الإنجاز، على اعتبار أن للبنية التحتية تجارًا آخرين يبنونها.

لعبدالعزيز البابطين وجه آخر لا يعرفه كثيرون.. إنه أعماله الخيرية، ولا أقصد هنا - فقط - تحقيق طلب لمحتاج، وهو من أعمال الخير بلاشك، ولكن أقصد الأعمق والأدوم أثرًا، من خلال القيام بدأب لا يعرف الكلل في إقالة عثرة محتاج أو محتاجين ألم بهم، لسبب أو لآخر، زمن يوصف أحيانًا بأنه غدار، يقوم أبوسعود ما أمكنه ذلك بالأخذ بيد هؤلاء إلى برِّ الأمان، إما إلى وطن يأوون إليه، أو مسكن يرتاحون فيه، أو دخل يساعدهم على تحمل أعباء الحياة.

قاعدة هذه الأعمال لأبي سعود قيمة عالية، من القيم الرائ عة، وهي قيمة الوفاء لأهله وأصحابه ومعارفه ومن يطرق بابه. عبدالعزيز البابطين لم يعد لنفسه وحسب، عاش لمجتمعه الكويتي..الخليجي.. العربي، بل والإسلامي أيضًا. وهو الذي يعرف ويردد دائمًا أن المرور بهذه الحياة قصير مهما طال، وما يبقى فيها هو ما ينفع الناس، وقد نفع أبوسعود وأكثرَ من النفع.

بحلول عشرين عامًا على بدء المسيرة، فإن الناظر إليها اليوم يعرف كيف تطورت بجهد هذا الرجل وإيمانه القائم على أن ما ينفع الناس يرسخ في الذهن والوجدان.

أكاديمي كويتي

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة