Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
الملف
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
تواضعه وبساطته
لطيفة النجار

 

كنت قبل أن أحصل على شرف الانضمام إلى مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري- أتابع أخبار الجائزة فيما أقرأ من أخبار ثقافية في الصحف، أو فيما أسمع من أحاديث من بعض الزملاء عن الملتقيات التي نظمتها الجائزة وشاركوا فيها أو حضورها.

وكثيرًا ما كان يثير دهشتي وإعجابي في آن أن هذه الملتقيات التي تستمر أيامًا، وتضم عددًا كبيرًا من الباحثين والمثقفين والمبدعين الذين يفدون إليها من شتى بقاع الأرض تكون على نفقة رجل واحد، وأكثر ما كان يلفت نظري ويزيد إحساسي بالتقدير والإعجاب تنوّع مكان اللقاء، وتغييره في كل دورة، بحيث يتوافق مع موضوع الندوة، فهناك احتفاء بالمكان ينبئ عن وعي ونفاذ بصيرة بأن الأدب وليد مكان له خصوصيته التاريخية والثقافية والاجتماعية والمادية أيضًا.

وهناك حرص على أن يعيش الحاضرون أيامًا في عبق المكان الذي بزغت فيه يومًا شمس مبدع من مبدعينا الكبار.

وهذا كله يشير إلى حساسية مرهفة وعشق كبير للشعر والأدب والإبداع العربي الأصيل.

وكثيرًا ما كنت أتساءل بيني وبين نفسي من هو عبدالعزيز البابطين حقّاً؟ وما الذي يدفعه إلى كل هذا؟ أحقّاً يوجد في هذا الزمن من يفعل ذلك حبّاً في العربية وتقديرًا للإرث العظيم الذي تركه شعراؤنا الكبار؟ وحين كانت هذه الأسئلة تدور في رأسي لم أكن أعرف شيئًا عن الإنجازات الكثيرة الأخرى لعبدالعزيز البابطين، فقد اقتصرت معرفتي على إنجازاته في جائزة البابطين للإبداع الشعري، ولم أكن أعرف يقينًا ما الدواعي الحقيقية لهذا كله، فمن هو رجل الأعمال الذي يغدق المال على الأدب والفكر والمعرفة، ويحمل أعدادًا من محبي الشعر وعاشقي العربية بطائرات إلى عواصم مختلفة ليتيح لهم الاجتماع في أجواء حميمية، ويمنحهم الفرصة ليلتقوا على موائد البحث والنقاش، وليتبادلوا الأفكار والودّ والذكريات الجميلة؟ كان هذا السؤال يقفز إلى رأسي كلما قرأت خبرًا أو سمعت حديثًا عن إنجازات المؤسسة وراعيها.

وحين اتصل بي أمين عام الجائزة الأستاذ عبدالعزيز السريع يخبرني عن ترشيح المؤسسة لي للانضمام إلى عضوية مجلس أمناء الجائزة، وشملني بلباقته وأدبه الجم وافقت سعيدة ممتنّة.

ثم حين حضرت الاجتماع الأول لمجلس الأمناء والتقيت عبدالعزيز البابطين للمرة الأولى عرفت أن قلب الرجل ينبض بحبٍّ كبير عميق لأمته وإخلاص منقطع النظير للإبداع والعربية، وأنه يفعل ما يفعله بنفس سخيّة محبة. وقد لفت نظري تواضعه وبساطته، وإقباله على من حوله بمحبة وبشاشة ولطف. وأثار إعجابي تدفقه في الكلام، وحكاياته وتجاربه الكثيرة التي ينقلها إلينا بلغة تصويرية حكائية تجعل السامع يشعر أنه يرى ما يسمع.

ولكن كل هذا لا يمثل شيئًا أمام ما عرفته وأنا أشارك في اجتماعات مجلس الأمناء من إنجازات وجهود في خدمة العربية وطلبة العلم قلّ أن نجد لها مثيلاً، ولعل مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بتاريخها وإنجازاتها تقف وحدها دليلاً شامخًا على ذلك، ولعل سلسلة المعاجم التي تكعف المؤسسة على إصدارها، والتي صدر منها «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» و «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين» والتي سيصدر منها قريبًا «معجم البابطين لشعراء العربية في خمسة قرون» وما يقع خلف هذه الإصدارات من عمل ضخم يقف وراءه عدد كبير من الباحثين وجامعي المتون والمخطوطات في كل الوطن العربي، والمراجعين والمدققين، وفرق التنسيق والتصميم والإخراج، لعل هذه السلسلة وحدها تكفي المؤسسة فخرًا واعتزازًا، فما بالك بما يضاف إليها من دورات وملتقيات وتكريم للشعراء والمبدعين والناقدين؟ وما بالك بما يضاف للمؤسسة نفسها من جوائز أخرى كجائزة عبدالعزيز سعود البابطين «أحفاد الإمام البخاري» التي تسمو بهدفها النبيل في مد جسور التواصل بين الأمة العربية والدول الإسلامية المستقلة حديثًا في آسيا، وجائزة البابطين الكويتية للشعر العربي في فلسطين، هذا بالإضافة إلى مكتبة البابطين في الكويت ومكتبة البابطين في القدس التي أنشأها في كلية الآداب خدمة لطلبة العلم من أبناء فلسطين، ومركز البابطين للترجمة الذي لا تخفى غايته السامية عن كل ذي لب حصيف؟ ولعل أكثر ما أثر فيّ، وزاد من تقديري للرجل جهوده الكثيرة الكثيرة في مجال التعليم؛ كبعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا المخصصة للشعوب الإسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى التي تشمل (100) منحة سنويّاً للدراسة في جامعة الأزهر، و(50) منحة سنوية لأفريقيا، و(100) منحة سنوية للطلبة العراقيين، شاملة جميع نفقات السفر والإقامة والدراسة والملبس والمأكل والعلاج. والدورات التدريبية لعلم العروض وتذوق الشعر ومهارات اللغة العربية، وهي مجانية تقام في أماكن متفرقة من العالم العربي الإسلامي، وقد تخرج فيها عددكبير من الطلبة تجاوز خمسة عشر طالبًا حتى عام 2009. و كراسي عبدالعزيز سعود البابطين للدراسات العربية في الجامعات الإسبانية، كجامعة قرطبة، وغرناطة، وملقة، وإشبيلية لتدريس اللغة العربية.

بالإضافة إلى الدورات التدريبية للمرشدين السياحيين الإسبان. والعدد الكبير من المدارس والكليات التي أنشأها في عدد من الدول كالكويت ومصر والمغرب وباكستان والجزائر وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وجمهورية جورجيا. والحق إن المرء لتمتلئ نفسه تقديرا لكل هذه الجهود ولصاحبها الذي يفاجئك حين تعرفه بحرصه المخلص على متابعة كل الأعمال المتعلقة بطلبة العلم وحاجاتهم وإنجازاتهم، ولا يتردد لحظة في الموافقة على أي فكرة من شأنها أن تدعم مشاريع التعليم وبرامج تدريس العربية في أي مكان في العالم.

إن معرفتي بعبدالعزيز البابطين قصيرة، ولكنّها كفيلة بأن تجعلني أرى فيه رجل الفكر والشعر والأدب، وعاشق العربية، وحامل هموم أمته وحضارته، وراعي العلم وطلابه في كل مكان، والحريص على تدفق الأفكار المبدعة في خدمة العربية وآدابها، والرجل، بحق، مثل للتواضع الجم والبساطة اللافتة والروح المرحة الراضية التي تنشر حولها الخير والعطاء.

أكاديميةإماراتية

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة