Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
فضاءات
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
الثورة والعلامة التجارية للمثقف (8)
«مأزق التفويض بالبديل»
سهام القحطاني

 

لماذا غاب أثر المثقف في حضور ثورات الربيع العربي؟

وقد يوسع آخرون دائرة الزمن للبحث عن أسباب غياب أثر المثقف منذ ما بعد النكسة العربية حتى الآن.

ومناقشة نوع «غياب الأثر» بدوره يخضع لرأيين؛ فالرأي الأول يرى أن «غياب أثر المثقف العربي» عن الخطاب التنويري والإصلاحي مسألة وليست مشكلة، وهذا الاعتقاد ينبني على اعتبار «وجود البديل» الذي يغطى ذلك الغياب بالتعويض ويُنتج ذات الأثر، وبالتالي فوجود «البديل» لا يرفع في ظل غياب «الأصلي» الأثر لمستوى المشكلة، لأن تحقيق «أثر القيمة» مستمر سواء «بوجود الأصل» أو «بوجود البديل».

في حين أن هناك من يرى أن غياب «أثر المثقف» في ذاته مشكلة والاستسلام «للتفويض للبديل» في صناعة الأثر عبر إستراتيجية التعوّض والتعويض مشكلة ثانية، وحجة هذا الرأي، أن صناعة الأثر الناتج عن المثقف تختلف نوعيته عن أي أثر ينتجه «البديل».

إذن القيمة هنا لا تتحقق بمجرد إنتاج أثر إنما القيمة تتحقق «بنوعية الأثر»، وهذه الفكرة تُسقط قيمة «التفويض بالبديل» في تعويض أثر غياب المثقف.

ولأنصار البديل عبر إستراتيجية التعوض والتعويض رأي في تفنيد حجة أنصار نوعية الأثر تعتمد على «أصل الوظيفة» لا «نوع الحامل» وأن «أصل الوظيفة» لا يتغير «بنوع الحامل» وإستراتيجية التعوض والتعويض تقوم على المحافظة على «أصل الوظيفة» وبالتالي فاختلاف نوع الحامل أو تعدده أو تغييره لا يضر أصل الوظيفة، وعليه فهي «ضامن» «لقيمة نوع الأثر» رغم اختلاف وتعدد الحوامل.

كما يرى أنصار «البديل الثقافي» أن إستراتيجية التعوض والتعويض «تُحّصن مصدر الثقة» من الانهيار الاجتماعي لتحافظ على «حماية» «تلازمية» تحقيق القيمة.

فالقيمة لا تتحقق إلا من خلال «تلازمية الأثر والثقة» فلا أثر دون ثقة، وبما أن إستراتيجية التعوض والتعويض هي «خزانة مصادر الثقة» فهي المخولة بتعويض الفراغ من خلال خطة البديل. وللثقة داخل إستراتيجية التعوض والتعويض ثلاث مراتب؛ ثقة وراثية، وثقة بالتاريخية، وثقة بالمكتسب.

والمثقف ينتمي إلى المرتبة الثالثة «الثقة بالاكتساب»، وهذه المرتبة عادة ينتمي لها «أصحاب المهن» التي تلتزم بصورة مباشرة «بميثاق شرف مهني»، وبذلك تصبح القيمة المعطاءة لهذه الفئة غير ثابتة وغير مستمرة لخضوعها وفق إمكانية التوافق والجودة وتعدد البدائل لا أصل نوع الدور ونوع المسئولية.

وتتكون مرتبة الثقة الوراثية من فئتين هما؛ «الآباء ورجال الدين». والقيمة المعطاءة لهاتين الفئتين «ثابتة ومستمرة» باعتبار أصل نوع الدور وأحاديته في الأولى وأصل نوع المسؤولية وأحاديته في الثانية، وهما يجمعان إلى تلك الخاصيتين خاصية وجودهما ضمن «خطة البدائل».

وتتداخل مرتبة «الثقة التاريخية» مع مرتبة «الثقة الوراثية» على مستوى «ثبات المُعطى واستمراره».

والاختلاف بينهما هو «مرتبة الأثر» فالثقة الوراثية تبدأ بالمصدر لتحصيل الأثر، والثقة بالتاريخية، تبدأ بالأثر بضمان تجربة وخبرة المصدر.

وكلتا الثقتين تعتمد على «النموذج القالب».

وحصول الثقة هو التشريع الذي بموجبه يتم تحقيق «الرضا» المنتج للأثر، وهنا يصبح الرضا آلية لإنتاج الأثر، باعتباره دليل على شرعية الثقة.

والثقة هي «الاطمئنان الجمعي لسلامة عقيدة مصدر الثقة»، والتشريع هي «مجموعة المنظومة الإجرائية المطابقة لم توافق عليه الاطمئنان الجمعي»، والرضا هو «القبول الجمعي التنفيذي الدال على مصادقة المنظومة الإجرائية» والأثر» العلامات الظاهرة لحاصل الرضا».

والارتباط بين ماهية الأثر وماهية الرضا ارتباط تراتبي وفق السلم المُكوّن لبناء القيمة، وهذا الارتباط لا يُلغي أهمية الثقة والتشريع؛ لأن الرضا حاصلهما، وبالتالي فماهية الأثر مرتبطة بمفهوم كلي «الثقة والتشريع» ومرتبطة بخصوصية تراتبية «الرضا».

كما أن تلك الرباعية «الثقة والتشريع والرضا والأثر» يعتمد بناؤها على «أصل المعيار سواء وفق العلاقات الوظيفية لتشكلاته المختلفة أو وفق المصطلحات التنفيذية لتراتبياته.

ويعتمد أصل المعيار وفق تشكلاته المختلفة من خلال العلاقة الوظيفية لكل تراتبية بتشكل المعيار، فالمرتبة الوظيفية للثقة هي مصدر المعايير والمرتبة الوظيفية للتشريع هي «قوننة المعايير» والمرتبة الوظيفية للرضا هي «قبول تنفيذ المعايير المقوننة» والمرتبة الوظيفية للأثر هي «مجموع العلامات الظاهرية الدالة على تنفيذ القبول الجمعي للمعيار المقونن».

أما على مستوى «الآلية التنفيذية» فالمصطلح التنفيذي للثقة هو الفهم، والمصطلح التنفيذي للتشريع هي الفاعلية والمصطلح التنفيذي للرضا هو التمثيل أو التفاعلية والمصطلح التنفيذي للأثر هو الحاصل.

وهكذا يمكننا القول إن حصول «تحقيق القيمة» يعتمد على فاعلية «تلك الرباعية»، أو بمعنى آخر أن تحصيل أثر القيمة لا يتم إلا وفق توفر ثقة وتشريع ورضا.

وفي المقابل فغياب تحقيق أثر القيمة هو حاصل انعدام الثقة وتعطيل التشريع وانتفاء الرضا. وفي حالة غياب المثقف تلجأ إستراتيجية التعوض والتعويض، إلى تعويض هذا الغياب عبر استخدام «نموذج البديل».

ويخضع اختيار نموذج «البديل» إلى التعادل بين خصائص ووظيفة المبدل منه والبديل أو ما يسمى «بتكافؤ البدائل»

فلا بد للبديل أن يتصف بذات خصائص المبدل منه التأثيرية وهي؛ الشيوع والتنوع والتوافق والجودة، وأن يكون البديل قادرا ومؤهلا لتقديم ذات وظيفة المبدل منه وهي مسؤولية الاحتواء الجمعي ومسؤولية إرشاد الوعي وصناعته.

وهكذا يتم تعويض غياب أثر المثقف من خلال «الدمج الوظيفي».

أما من أين يُستقى «النموذج البديل» لتعويض «غياب المثقف»؟.

يستقي من مرتبة الثقة بالوراثة ومن فئة «رجال الدين»، وهكذا يتم «إحلال رجال الدين» محل «المثقفين».

وبلا شك فإن هذا الإحلال القائم على «التفويض للبديل» يؤثر على صناعة الثقافة، ويُدخل تلك الصناعة في صراع «الفقهنّة».

وقفة:

رحل المثقف المناضل غسان تويني الذي حمل نموذج المثقف المسؤول الذي بنى الوعي السلمي لمفهوم الاختلاف والتنوع، وقاد نهارا في ظلمات صراع الإخوة الأعداء فأصبح حكمة توافقية يؤمن بها الجميع، رحم الله المناضل غسان تويني.

sehama71@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة