Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
فضاءات
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
)مدخل إلى المناهج النقدية في التحليل الأدبي) (4)
عمر بن عبد العزيز المحمود

 

ويستمر Daniel Bergez (دانيال بارجاس) في تَمهيده لِهذا الكتاب في الإفصاح عن الهدف المقصود منه، وهو أن يكون تطبيقياً جامعاً بين السمة التعليمية (البيداغوجية) في روحه ومقصده، والسمة المنهجية في تطوره ومساره، وهذا يعني أنه لن يكون في منتهى التمام بِحكم تنزُّله في موضوعٍ بالغ السعة، ويكشف عن أنه كان يعتمد فيه على مبدأ التجميع على أساس التوجُّهات النقدية، وهذا من شأنه أن يقصي الحديث اللائق والكافي عن نقَّادٍ لامعين، لكنهم خارجون عن المعايير المألوفة، مثل Roland Barthes (رولان بارت) وMaurice Blanchot (موريس بلانشو) وJean Paul Sartre (جان بول سارتر)؛ لأنَّ أعمالَهم النقدية لا يُمكن أن تنحصر في مُجرَّد تيارٍ منهجي.

ويؤكِّد (دانيال) أنه لَم يكن في الإمكان إفساح المجال في هذا المصنَّف لِما تستحقه بعض التأمُّلات التي كانت أكثر اتساعاً في ذاتِها، لكنها غير ذات نتائج منهجية متَّصلة بالأدب اتصالاً مباشراً، ويُمثِّل على ذلك بتلك التأمُّلات التي قام به Jacques Derrida (جاك دريدا) و Michel Foucault (ميشال فوكو).

ويكشف كاتب التمهيد عن أنه لَم يكن بالإمكان في هذا السياق قولُ كلِّ شيءٍ حتى في حدود الزاوية العملية التي تمَّ الاقتصار عليها في هذا الكتاب، فقد رأى مؤلفوه مثلاً عدم تَخصيص فصلٍ مستقلٍّ ل(نقد الأصول)؛ على الرغم من الأهَميَّة البالغة لِهذه المسألة، وكلُّ ما في الأمر أنَّ (النشرات العلمية) مثل (مكتبة المجرَّة) أو (سلسلة القدامى) التي عليها مُعوَّلُ دراسات الطلاب في الغالب تُقدِّم عن هذا النقد ملمحاً بَيِّن الخصوبة على نَحوٍ كافٍ إلى حدٍّ ما.

وأخيراً يوضِّح (دانيال) أنَّ القائمين على هذا الكتاب عمدوا إلى اختياراتٍ هي ذاتيةٌ بالضرورة، وأنه قد يكون ما تَمَّ اختياره مدار اختلاف قد يُواجَه بكثيرٍ من الاعتراض من قِبَلِ فئاتٍ أخرى من الدارسين والنقَّاد، غير أنَّ الأهمَّ هنا هو السعي إلى الإفادة قدر الإمكان، ومُحاولة عرض هوادٍ لأبرز المعالم، وتسطير مسالك للقارئ، حيث يُمكن له أن يَمضي فيها موغلاً في مزيدٍ من البحث العلمي، خصوصاً بفضل فهارس المراجع المنتقاة الموجَّهة الواردة في نِهاية كلِّ فصل.

وبعد هذا التمهيد القيِّم تبدأ مباحث الكتاب الخمسة تباعاً، يَحمل كلُّ مبحثٍ مُحاولةً للكشف عن أحد أبرز المناهج النقدية الحديثة، ويتصدَّى لكلِّ منهج أحد أبرز النقَّاد المتخصصين فيه، ففي المنهج التوليدي يسعى Pierre mark de Biasi (بيار مارك دي بيازي) إلى الكشف عن تاريخ إشكالية النقد التوليدي، مُبيِّناً مَجال دراسات التوليدية وأطوار نشأتِها الأربعة، مُعرِّجاً على التوليدية النصية أو تَحليل المخطوطات، وموضِّحاً الكيفية التي من خلالِها تتمُّ دراسة نشأة الأثر للنقد التوليدي، وخاتِماً ذلك بِمستقبل الإشكالية.

أما النقد النفساني فتبدأ فيه Marcelle Marini (مرسال مريني) ببيان شامل لأهم أسس هذا المنهج، متحدثة بشكل مفصل عن كيفية الاستعانة بعلم النفس التحليلي في الأدب، وكاشفةً عن الأثر الأدبي من حيث هو موضوع دراسة، غير مغفلة الحديث عن النقد التحليلي النفساني عند أهم نقاد هذا المنهج، خاتمة هذا المنهج بأبرز التوجهات الجديدة في هذا المجال.

أما صاحب النقد الغرضي فهو كاتب تَمهيد هذا الكتاب الذي بين بعد مُقدِّمةٍ موجزة عن هذا المنهج الوضعية التاريخية له، وأبرز الأسس الفلسفية والجمالية له، وأهم الأسس التي يعتمد عليها مسار هذا المنهج، مُتوقِّفاً عند أشهر النقاد الذين يمارسون معالَجة النصوص وفق هذا المنهج، ذاكراً في النهاية أبرز النتائج الختامية، بينما نرى النقد الاجتماعي يتصدى له Pierre Barberis (بيار بربريس) الذي يكشف بعد مقدمة موجزة لِهذا المنهج عن بعض المعالم التاريخية المهمة للولوج في فضاءاته، وأبرز المشكلات التي يواجهها والآفاق التي يمكن معالجتها من خلالها.

وأخيراً فإنَّ كاتبة النقد النصَّاني Gisele Valency (جيزال فلنسي) تتحدَّث بعد مُقدِّمةٍ لا بُدَّ منها لِهذا المنهج عن تَحليل القصَّة تَحليلاً بنيوياً، وتشير إلى نظرية النصِّ الإنشائي والنصِّ الجمع، غير مُغفلةٍ نظريات النصِّ النابعة من عملية القول، وجامعةً في الختام أبرز النتائج التي يُمكن التوصُّل إليها وعرضها للمتلقي، ولَم يُهمل أيٌّ من الباحثين الخمسة في نِهاية كلِّ بَحث من بُحوثهم رصد أبرز المراجع الإضافية المنتقاة التي يُمكن أن تساعد المتلقي في مزيد بيانٍ وتفصيل إذا ما أراد أن يتوسَّع في أحد هذه المناهج الخمسة، كما ضمَّ الكتاب في نِهايته قائمةً بأبرز المصطلحات الواردة فيه.

وختاماً فإنه من نافلة القول أنَّ كتابة كل بَحث بقلم أبرز المتخصصين في المنهج نفسه يعطي كل قسم من أقسام الكتاب الخمسة قيمةً علميةً متميزة، سواء في الأسس والأصول، أو في دلالة المفاهيم ومتابعة أبرز الأطوار التاريخية، أو في مستوى آليات التطبيق والقضايا المثارة والنتائج؛ ولذا يُعدُّ هذا الكتاب خلاصةً دقيقةً وشاملةً لأهمِّ المذاهب النقدية الجديدة بِجميع روافدها المكتوبة باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية، مِمَّا يَجعله أداةً علميةً صالِحةً لدراسة الأدب عموماً، والأدب الحديث خصوصاً، كما أنه يتيح فهم لوازم المناهج، ويساعد على التمكن من تطبيقها في مُختلف النصوص الأدبية، دون إغفال خصوصيات الثقافات المتباينة.

معلومات الكتاب

عنوان الكتاب: مدخل إلى المناهج النقدية في التحليل الأدبي.

إعداد: دانيال بارجاس، بيار بربريس، بيار مارك دي بيازي، مرسال مريني، جيزال فلنسي.

إشراف: دانيال بارجاس.

ترجمة: د. الصادق بن الناعس بن الصادق قسومة.

الناشر: عمادة البحث العلمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

الطبعة: الأولى.

السنة: 1429هـ-2008م.

عدد الصفحات: 500 صفحة من القطع المتوسط.

Omar1401@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة