Culture Magazine Thursday  15/03/2012 G Issue 367
فضاءات
الخميس 22 ,ربيع الآخر 1433   العدد  367
 
في معرض الكتاب
د. صالح زيّاد

 

غداً الجمعة هو آخر أيام معرض الرياض الدولي للكتاب، بحسب الجدول الزمني المعلَن، والمعرض بذلك يتم عشرة أيام ابتدأت منذ الأربعاء قبل الماضي. وأحسب أن هذه المدة لم تكن كافية، فمؤشرات الزحام على المعرض وضيق الطرقات والمواقف وممرات المعرض وصالته أوضح دليل على أن أيام العرض لم تكن من الفسحة والاتساع بما يسهم في تخفيف التزاحم. وقد يكون مفيداً أن تستفتي وكالة الوزارة للشؤون الثقافية العارضين من أصحاب دور النشر والمكتبات إضافة إلى الروّاد لتَخْلُص إلى قرار بهذا الشأن، للسنوات القادمة.

التجوال في المعرض يقف المتأمل على أسئلة عديدة فهناك ازدحام على بعض دور النشر، في حين يقل الازدحام على أخرى وقد تقف لوحدك عند بعضها بلا مزاحمة من أحد. الازدحام هنا يدلل على كتب أكثر من غيرها توزيعاً وتداولاً، ما تلك الكتب؟ هل تروج بسبب أسماء مؤلفيها؟ أم موضوعها؟ أم وجهتها المنهجية؟ أم أطروحتها وما تنتجه من رؤية؟ من هم هؤلاء المزدحمون عليها؟ ما سبب إقبالهم عليها؟ هل سيقرؤونها فعلاً؟ ولأي غرض يقرؤونها من أجله؟

هناك ممر لدور النشر اللبنانية أو المستقرة في لبنان. الممر مزدحم، الناس: رجالاً ونساءً يقفون على الدور العارضة في حافتيه، فلا تكاد تجد لك مسلكاً للنفاذ من بينهم. أوضح ما يبرز الازدحام عند دارين متجاورتين، كتبٌ مختلفة بطابع حديث، روايات ودراسات أدبية وفكرية، وكتب مترجمة، الأسماء ذات بروز سعودي وخليجي ومغاربي. كتب فكرية إسلامية بطابع تنويري وإصلاحي، تتحدث إيجاباً عن الحرية والديمقراطية والإصلاح، وتنحو باللائمة على التخلف والجهل والاستبداد. الناس يمدون أيديهم إليها، ألمح اسم الصديق المفكِّر محمد حامد الأحمري على غلاف أحدها، ألمح اسم نواف القديمي، أقرأ له «أشواق الحرية» و»الإسلاميون سجال الهوية والنهضة» و»المحافظون والإصلاحيون» لن أمضي دون أن أقتني كتبك يا نواف، ستكون مختلفاً، هكذا أقدِّر، أنا لا أحب الأفكار المكرورة.

أهمُّ بدفع حساب الكتب والانصراف، أتذكر زياد الدريس، أين أنت يا زياد «قل لي من أنا أقل لك من أنت» هذا هو عنوان كتابه وهو يطل علي من أحد الرفوف. زياد يدعوني إلى تذكُّر كوكبة من الأسماء المستنيرة: عبد الله الشريف، محمد العبد الكريم، عيسى الغيث، أحمد الغامدي، مسفر القحطاني، عبد الله العلويط، نجيب يماني، سليمان الضحيان، عبد الله العودة، سلطان العامر، علي الرباعي... أين أنتم؟ ألم تؤلفوا كتباً بعد؟!. يخيّل إليّ أن الكتب الفكرية مطلوبة هذا العام على عكس رواج الروايات في دورات ماضية.

المعرفة لا تفرق بين هوية وطنية وأخرى غير وطنية، لا ترفع من قيمة كتاب لأنه سعودي وتخفض من آخر لأنه غير سعودي. ديكارت قال مرة: «العقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر». المعرفة هي أن تبحث عما ينتجه العقل، قد تقول إن العقل درجات فعقل تضلله العواطف والأهواء، وعقل يتحيز للمصالح، وعقل لا تهديه وسائله إلى الحقيقة... إلخ لكنك في بحثك عن المعرفة لا تبحث عن غير العقل أي الدرجة الأكثر تحرراً وشفافية وموضوعية. هل ينقض هذه الرؤية الإقبال في كل بلد على الكتب التي يؤلفها أبناؤه؟ كلا، فالإقبال من هذه الوجهة محسوب على الموضوعات والهموم والإشكالات التي يغدو الانتماء إلى مستويات الهوية المختلفة دلالة تشاركها الوجداني والفكري.

ازدحام المعرض بالناس، وتصدره للمعارض العربية في التسويق وفي ارتفاع مكاسب دور النشر، يثير سؤال العرض والطلب: أين دور النشر السعودية التي تملأ فراغ النشر هذا؟ لماذا لا يُقْبِل المرتادون للمعرض عليها مثلما يقبلون على دور النشر الخارجية؟ هناك صعوبات أمام دور النشر السعودية في الداخل، أبرزها الرقابة التي تعطِّل النشر بيروقراطياً وعملياً، وصناعة نشر الكتاب التي تحتاج إلى خبرة مهنية وفنية عاليتين وإلى سمعة تاريخية تكوِّنها مئات بل آلاف العناوين وأسماء المؤلفين البارزين في مدى زمني طويل، ثم اتساع شبكة توزيعها لمطبوعاتها. قد يكون الكتاب السعودي بلا أي إشكال رقابي، ولكن مؤلِّفه يبحث عن ناشر خارجي بتلك المواصفات من أجل أن يضفي على كتابه قيمة، ومن أجل أن تتاح له مساحة واسعة في التوزيع.

منذ سنوات قليلة نشأت بعض دور النشر السعودية في الخارج للظفر بتلك المزايا التي لا يتيحها مناخ النشر داخلياً: طوى، والشبكة العربية، وجداول... أمثلة على هذه الدور التي كسبت فعلاً ثقة المؤلف السعودي وما تمتلكه الآن من عديد العناوين وبعض أسماء المؤلفين المعروفين بشارة ذلك. هذه الدور في حاجة إلى تعزيز نجاحها بأمرين مهمين، الأول: توسيع دائرة منشوراتها إلى الفضاء العربي والعالمي باختيار كتب ذات جودة وامتياز ولمؤلفين بارزين، وعدم الانحصار في المؤلفين السعوديين. والثاني: تعزيز شبكة توزيعها وعدم الاعتماد في ذلك على دور نشر أخرى.

بدا جهد وزارة الثقافة واضحاً في المعرض في أكثر من مستوى، ففي البرنامج الثقافي للمعرض، كان هناك حرص على تنويع الموضوعات وعلى اختيار الأسماء. لكن ذلك لم يمنع من تكرر بعض الأسماء وهي قليلة جداً، أحدها كان مشاركاً في الدورة الماضية وليس في دورة أبعد منها! وعلى الرغم من وجود بعض المشاركين من الخارج، فإن المتابع يلحظ الفارق بين ذلك الزمن الذي كانت مناشط المعرض تستدعي الحشود باستضافة محمد عابد الجابري وأحمد الربعي ومحمد الرميحي وجمال الغيطاني... إلخ أو بندوات عن الأدب العربي كالندوة التي أقامها المعرض في إحدى دوراته عن التجربة الروائية للطيب صالح بسبب وفاته في ذلك الوقت. ومن غير شك يبدو وقت البرنامج الثقافي محدوداً سواء بعدد الأيام أم بانحصار الندوات والأمسيات من المغرب إلى ما بعد العشاء، إضافة إلى انحصار المكان في قاعة واحدة، والسؤال هنا: لماذا لا يفيد البرنامج من فترة العصر، ولماذا لا يكون هناك مناشط ثقافية في مكان آخر غير قاعة المحاضرات، مثل أن يكون هناك مقهى ثقافي، أو قاعة مصغرة لمناشط ذات اهتمام متخصص بحيث لا تستدعي حضوراً عاماً.

أما جائزة الوزارة للكتاب فكانت -حقاً- مفاجأة هذه الدورة، والوزارة تستحق عليها -بصدق- الإشادة والتقدير. وقد ابتهجت بمعظم الأسماء التي حازت عليها هذا العام، وبقي في نفسي شيء من حتى على عدم فوز أسماء أخرى. كان مفاجئاً لي أن أعلم أن مفكرنا الكبير عبد الله الغذامي قد طلب بلطف أن يُسحب كتابه «الفقيه الفضائي» فلا يدخل إلى المنافسة على الجائزة. ولم أسمع تفسيراً منه، لكن التفسير لذلك -فيما أرى- يعود إلى الامتياز الأخلاقي الشخصي والفكري الذي عوَّدنا عليه، فهو يتيح بذلك الفرصة لغيره على المنافسة.

الصعوبات التي تكتنف فرز الكتب كثيرة، أبرزها عدم القدرة على وضع معايير يمكن أن يُنْتَقى الكتاب الفائز بموجبها بطريقة موضوعية خالصة، خصوصاً والنتاج في بعض الحقول بالمئات من الكتب وليس العشرات. وبمناسبة ذكر كتاب الغذامي «الفقيه الفضائي» وهو كتاب في صميم الفقه والدراسات الشرعية، لاحظت أن الجائزة افتقَدَت الحساب إلى ما يُمنَح لهذا الحقل فالفكر والثقافة لا يخصصانه على وجه التحديد. ولا أشك في أن هذا النوع من الدراسات التي تضيف إلى المدوَّنة الفقهية التراثية وتشْرَع وعياً قرائياً جديداً بها في مسافة الاعتداد بالاجتهاد لا التقليد لمن الأهمية بمكان. وهي مناسبة تجعلني أتصور أن تطوير الجائزة مستقبلاً أمر حتمي سواء بزيادة مخصصاتها المالية أو باستقلال بعض فروعها تشجيعاً للإنتاج فيها ومن ذلك حقل اللسانيات، وحقل الدراسات الاجتماعية، وحقل الطب... ونحوها.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة