Culture Magazine Thursday  16/02/2012 G Issue 363
الثقافة الرقمية
الخميس 24 ,ربيع الاول 1433   العدد  363
 
قراءة في قصص تويتر
سعدية مفرح

 

كنت سأبدأ قراءتي لمجموعة القصص القصيرة جداً التي وضعتها صفحة الثقافة الرقمية في جريدة الجزيرة بين يدي، بتوطئة عن تاريخ هذه القصة وبعض الإشكاليات التي تعرضت لها على صعيد التسمية والتوصيف على الأقل.

لكنني بعد أن اطلعت على ما نشر في صفحة الثقافة الرقمية من مقاربات تعنى بتلك الجوانب، فضّلت أن أقصر قراءتي على تناول القصص نفسها، والتي أفضل أن أسميها قصصاً، وحسب، وسيأتي الظرف في خضم قراءاتنا اللاحقة إن شاء الله لتفصيل ذلك.

من الملاحظات العامة التي يمكنني رصدها من خلال قراءة سريعة أو أولية لتلك القصص التي كتبت في سياق موقع التواصل الاجتماعي الشهير « تويتر»، أنها خضعت لمتطلباته واشتراطاته المتعلقة بعدد الأحرف والمسافات، من دون أن تحاول التحايل على تلك الاشتراطات كالاستعانة ببرامج تدوينية تسمح بعدد أكبر من الأحرف مثلا، أو تقسيم القصة على جزئين أو تغريديتن وفقا لمصطلحات عالم تويتر مثلا. بل التزم كتابها بالمائة والأربعين حرفا ومسافة، مع ملاحظة أن كثيراً منهم لم يحتج لكل ما يوفره تويتر من مسافة فكتب قصته القصيرة جدا بما دون ذلك من أحرف ومسافات.

وقصصنا المختارة لهذا العدد، وهي الدفعة الأولى من المشاركات في مشروع صفحة الثقافة الرقمية للقصص التويترية، تتحدث عن شخصيات بلا أسماء، فلا مجال هنا لا على صعيد الحدث القصير ولا على الصعيد التقني لترف استخدام الأسماء، وبالتالي فالشخصيات تبدو في كثير من الأحيان مبهمة، ولكنها غير مجهولة. ذلك أن الحدث مهما اتسع في خضم العبارة أو العبارتين يبقى متمحوراً حول تلك الشخصية التي غالبا ما تكون وحيدة أو يتيمة. وتبدو الضمائر واستخداماتها هي سيدة الموقف في القصة القصيرة جدا.

وفي الحصيلة الأولى لهذه المبادرة التي أقدمت عليها صفحة الثقافة الرقمية في الجزيرة نستطيع أن نرصد ملامح أولية لعدد من القصص القصيرة جدا، ونمايز بينها وفقا لمستواها الفني، وحجم موهبة منجزيها من الكتاب الشباب.

أمامي إذن الآن 11 قصة قصيرة جدا، أحاول أن أتناول كلا منها على حدة، فأجد في قصة لطيفة الحاج الكثير من التكثيف القائم على فكرة الاقتصاد اللغوي من دون الإخلال بمضمون القصة القصيرة جدا نفسها. تقول لطيفة في قصتها: «كأنها غير مرئية.. كأنها تضع قناعا تتوارى عنه خلفه.. أبدا لا يراها.. أبدا لا يعرفها». وواضح أن لطيفة تتحدث عن امرأة تمارس التواري خلف قناع ما لتختفي من أمام ناظري رجلها، فلا يراها هذا الرجل ولا يعرفها، ومن غير أن تبين لنا نوع القناع الذي تختفي وراءه المرأة نكتشف أنه ينجح في إخفائها على مستوى من المستويات، وهو اختفاء يتأكد في عبارتين متلاحقتين أصرت عليهما الكاتبة على الرغم من محدودية عدد الكلمات التي ينبغي عليها أن تستخدمها في فضاء تويتر في تغريدة واحدة فقط. لكنه التأكيد الذي يبدو وكأنه أساس القصة. المبدأ والمنتهى أيضا. وهو السبب والنتيجة. وعلى المتلقي أن يهب بعيدا في تخيلاته ليكشف عن تفاصيل الشخصيتين في هذه القصة الثرية بدلالتهما النفسية تحديدا.

أما قصة محمد الموسى التي يكتبها هكذا؛ «ترفض المتقدمين لها بسبب أسمائهم، تريد اسماً كاسمه لأنها لا تريد أن تتدرب على ترديد اسمٍ جديد تعرف أنها ستخطئ فيه يوماً»، فهي لقطة محورية حول شخصية واحدة تتكثف صورتها العامة في بؤرة معنوية. امرأة ترفض كل من يتقدم لخطبتها بانتظار شخص يتقدم لطلب يدها شرط أن يكون له نفس اسم حبيبها السابق، والذي يريد القاص أن يوحي لنا نحن المتلقين أنه ليس سابقا تماما، فهو ما زال يكمن في قلب المرأة وفي بؤرة القصة القصيرة جدا. لم يحتج محمد الموسى إلى أكثر من جملة فعلية ممتدة على مدى القصة كلها لرسم شخصية تلك المرأة البائسة والتي فشلت في النسيان لأنها لم تحاول أن تمارسه أصلا.

وتبدو قصة مشاري العبيد قطعة شعرية خالصة يستخدم فيها كلمات محملة بمعان مضاعفة، وشعرية رائقة. يرسم العبيد قصته كلوحة شفيفة بقلم رصاص، ولا يحتاج لألوان أخرى يملأ فيها المساحات، فيكتب؛ «أوقدتِ السماء قناديل نجومها رأفة بالقمر. بعد أن رأته وحيداً.. يعلو سقفها». ونحن هنا أمام صائغ ماهر ينحت جملته بدقة ومهارة شديدتين ليقشرها ويقدمها للمتلقي على طبق من بلور الشعر وهو يتلبس لبوس القصة من دون أن يتخلى عن دراميته.

والأمر لدى عبدالملك الشيخ أكثر تعقيدا، فيكتب؛ «تخفي ارتعاش يدها.. تكتم في صدرها أسراراً لا تستطيع البوح بها.. ذنوبٌ اقترفتها.. وعودٌ خالفتها.. طرق حاولت الهروب منها.. وتنتظر زوجاً ينسيها كل ذلك».. ففي سبيل تأكيد الأسى الذي تغرق فيه شخصيته الوحيدة يتابع سرد ما تخفيه في صدرها بانتظار الزوج. لكن القاص أخفق في استخدام تلك العبارات ذات النسق المتشابه من دون أن يكون مضطرا لها.

ومثله فعلت نور يعقوب في قصتها التي جاءت هكذا؛ «يستند على الحائط بأطراف جسده، ويحاول ألا يجلس على الأرض بكامله.. بردٌ ينهش جسده، وثيابٌ رثّة لا تستره.. تأمل أمامه.. «قد كان بيتي هنا يوماً». فتصوير الرجل الذي فقد بيته نتيجة ظرف لا تفصح عنه القصة، وأتى ليقف على أطلاله في حال بائسة لأسباب لا تفصح عنها القصة، بدا نافراً من مشهد البؤس الذي حاولت نور أن ترسمه بتتابع عباراتها، وإسرافها في تفصيلاتها دون أن تستغل ذلك لتوكيد رسم الشخصية.

أما وفاء القاسمي، فلجأت لاختزال الفعل في قصتها وتركت للصورة الناعمة أن تنقل الحدث كله. وتبدأ قصتها بتصوير المشهد بطريقة غاية في الاختصار عبر كلمتين وحسب نجحت في أن تجعلهما بؤرة لما سيأتي فجاءت قصتها هكذا: «البرد حوله! وخفقات قلبه دافئة.. طفلٌ ترك لي قبلتيه وانطلق يجري على البحر بأقدامه الحافية.. وبيديه الحب! طائرة من ورق». ولعل وفاء هي الوحيدة من بين هذه المجموعة من القصاصين التي استخدمت ضمير الأنا بتجلٍ ربط بينها وبين شخصية القصة، فالطفل هنا ترك لها قبلتيه, هي احتفت بذلك الحدث الصغير وتركته على سجيته الخاصة.

لكن دينا بخش كتبت قصتها بجملة اسمية كنت أفضّل لو أنها استغنت فيها عن أول ثلاث مفردات والاستعانة بما تدل عليه تلك المفردات من وصف في توصيف غير مباشر للشخصية الرئيسة في القصة. جاءت قصة وفاء هكذا: «هو حبيبٌ ملتزم -قال لها يوما- : غطي عينيك جيداً إذا خرجتِ.. أخاف أن يغرق فيهما أحدٌ غيري». وأعتقد أنها تحتاج قليلا من تعميق الفكرة بتكنيك يستفيد من فكرة التكثيف على نحو أقل مباشرة.

والمباشرة أيضا هي ما ميز قصة أنفال المطيري؛ «صرخ: أنا لا أفهمك! همست: بل لا تشعر.. لو شعرت لفهمت»، التي لعبت فيها على التناقض بين الشخصيتين في القصة ليس على صعيد المعنى وحسب بل أيضا على صعيد الطباق بين كلمتي «صرخ» و»همست».. وشبه الطباق الخفي بين كلمتي « شعرت»، و»فهمت».

أما ميثاء آل مكتوم فقد كتبت قصتها وفقا لتلك العبارة الوجودية الشهيرة عن قصة الإنسان كلها لكنها بين الولادة والموت، لكنها أضافت لتلك العبارة الشهيرة ما جعلها أكثر بلاغة خاصة ونحن نتحدث في سياق فن أدبي جديد هو فن القصة القصيرة جدا، فكانت عبارتها عبارة فارقة ومفارقة أيضا في تلك القصة التي جاءت هكذا: «ولِد.. عاش أيامه.. ثم مات.. الحياة قصة قصيرة جدا».

واكتفت حصة المطلق في قصتها بجملتين فصلت بينهما بنقطتين متجاورتين؛ «ذهبت الى السوق لتشتري قصة سندريلا.. بحثت كثيراً وطويلاً حتى خاب أملها فجلبت معها علي بابا والأربعين حرامي»، مستفيدة من قصتين فلكلوريتين هما السندريلا، وعلي بابا والأربعين حرامي. في خلط ذكي استدعت فيه روح الطفولة في إطار من الدهشة.

ونختتم بقصة إبراهيم نواب؛ «اتكأ على قلبه لوهلة؛ أخذ يلصق قصاصات ذابلة من أدراج الذاكرة.. حين أفاق، شاب رأسه، عاد طفلا»، والتي لعب فيها على عنصر الفانتازيا، فالرجل الذي يشيب رأسه وهو يسترجع محتويات ذاكرته يعود بنفسه للطفولة مع تلك الذكريات في رحلة عكسية للزمن. وقد استغل إبراهيم تلك الفانتازيا في تأكيد المفارقة بين الزمنين دون أن يغادر منطقة المعقول كثيرا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة