Culture Magazine Thursday  16/02/2012 G Issue 363
فضاءات
الخميس 24 ,ربيع الاول 1433   العدد  363
 
ذكرياتي.. معهم
الفنان الأديب: (مطلق مخلد الذيابي)
د. حمد الزيد

 

إن لقب فنان شامل لهذا الإنسان المتفرد الذي جمع مواهب كثيرة، تليق به؛ فهو موسيقار ومغن وشاعر وكاتب، إضافة إلى تألقه في الإذاعة والصحافة مذيعاً ومعداً للبرامج وكاتباً لها؛ فصوته متميز، ويشبه في صوته وأدائه الغنائي الفنان الكبير محمد عبدالوهاب.

سمعت عنه كثيراً قبل التعرف عليه، واستمعت لفنه وله، كما راسلته مرة قبل أن أراه في جدة عام 1402هـ وتتوطد بيننا صداقة وثيقة أشهراً عدة ما لبثت أن انتهت بموته المفاجئ والمؤثر، ويا للأسف.

التقيت به في النادي الأدبي الثقافي بجدة، وكنا أعضاء في مجلس إدارته، كما كنا نلتقي في بيت أحد الأصدقاء السابقين في كل أسبوع جلسة شاعرية فنتسامر.. ونتحدث ويدندن لنا على العود، وننصرف بعد ساعات عدة من الفائدة والمتعة، وعندما دعوته إلى بيتي عاجلته المنية قبل الموعد بيومين فقط! ترك رنة حزن وأسى في قلوب كل من عرفه أو أحب فنه أو قرأ شعره ونثره، وزاد حزني وأساي عليه أنني عرفت فيه الشمائل المثالية والصفات الشخصية السامية؛ فكنت أردد ولسان حالي يقول: ليتني ما عرفته عن قرب! لقد كان الذيابي إنساناً رائعاً. بحق يدخل عقلك وقلبك، ولا تملك إلا أن تحبه وتحترمه في وقت واحد.

وإذا كان للمصادفات فعلها، وللنظرة الخاطئة التي سادت في مجتمعنا في فترة سابقة وأعادته للوراء أثرها، فقد تدخل البعض لمنع أغانيه من البث - كما سمعت - مما جعل الناس ينسونه، وهذا خطأ.. فخلود ذكر الفنان حياة أخرى له.. وهو ملك للمجتمع والناس وليس لأسرته. وهذا ما فعله كذلك البعض للفنان الكبير محمد علي سندي، وهذا من العقوق للراحلين، والحق يقال!

وعلى ذكر الأغاني والألحان للذيابي أو كما يلقب فنياً «سمير الوادي» فقد أهداني - رحمه الله - قبل وفاته شريطَيْ «كاسيت» عليهما أغانٍ وألحان له لم تذع من قبل؟! وأعتبرهما من أعظم مقتنياتي الفنية.. إضافة إلى نسخة موقَّعة من ديوانه الأول الذي نشره النادي، كما أصدر له نادي جدة ديوان شعر آخر، وجُمعت مقالاته النثرية في مجلدات عدة صدرت بعد وفاته من طرف أحد محبيه.

إن الذيابي شخصية لا تُنسى بمزاياه الشخصية والإنسانية ولطفه ومواهبه المتعددة، وقد اشتهر ببرنامج (من البادية)، وهو برنامج شعبي، أعدَّه وقدَّمه سنوات عدة، وكان من البرامج الناجحة في الإذاعة السعودية.

وقد أهداني ديوانه الأول (أطياف العذارى)، الذي طبعه نادي جدة له، ووجدت في خطاباتي القديمة التي احتفظ بها منذ سنين طويلة خطابَيْن من (الذيابي) لي عندما كان يعمل في إذاعة جدة منذ نحو أربعين سنة! أحدهما كان ردًّا منه على خطاب مني، أما الثاني فمعه مكافأة رمزية من الإذاعة على فوز إحدى قصصي في مسابقة إذاعية، وكنت وقتها أدرس في دار التوحيد بالطائف. وقد رثيته بقصيدة شعرية كتبتها على عجل بعد وفاته بقليل، ونُشرت في إحدى الصحف السعودية، وفي ديواني (قصائد مطوية)، وقدمت عنه حلقة في برنامجي الإذاعي (من رياض الشعر)، الذي كان يذاع أسبوعياً لمدة عام من إذاعة جدة، وتقدمه المرحومة الإذاعية البارزة شيرين حمزة شحاتة، وهي إحدى بنات الشاعر الكبير الراحل حمزة شحاتة.

رحم الله هذا الفنان المتعدد المواهب والإنسان الرائع الصفات الذي عرفنا فيه كل المعاني الإنسانية السامية والصفات النبيلة. رحم الله سميرالوادي: مطلق مخلد الذيابي.

الغريب أنني رأيت والده قبل تعرفي عليه بسنوات طويلة مصادفة في قرية (الموية) التابعة لإمارة الطائف، ومعظم سكانها من بدو عتيبة (الروقة والخراريص)، وقد رأيته يمشي في الشارع وأنا فتى صغير، أثناء زيارتي للوالد في الصيف، وما زلت أذكر بعد نصف قرن من رؤيتي له شكله؛ فقد كان طويلاً أسمر البشرة ممشوقاً يلبس نظارات طبية، ويتدلى من مثنه مسدس (فرد) بجرابه الأسود والمجند الذي يعلق على الكتف في ذلك الوقت؟! ووالد مطلق ممن ذهب مع الشريف عبدالله بن الحسين إلى شرق الأردن، بعد تكوينها كإمارة، وتزوج أم مطلق (الأردنية) هناك، وعاش ردحاً من الزمن؛ فمطلق من مواليد الأردن، وقد نشأ وتعلم هناك.. وكان ونحن جلوس معه نتسامر كلما تذكر والدته (المرحومة) يزفر بأسى ولوعة، ويردد علينا أبياتاً شعرية محزنة في رثائها.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة