Culture Magazine Thursday  19/04/2012 G Issue 370
فضاءات
الخميس 27 ,جمادى الاولى 1433   العدد  370
 
رؤية
حقوق ضائعة أم ثقافة حقوق؟
فالح العجمي

 

كان آباؤنا فيما مضى من الزمان يختمون أحاديثهم بعبارات تسليم مطلق بكون السلطات تعرف الأصلح للناس وللبلاد، من مثل أقوالهم: «الشيوخ أبخص!»، أو «أنا أدرى من الحكومة؟» وغيرهما كثير، وتختلف بعضها عن بعض في الدرجة فقط. ثم أصبحنا نستهل تعليقاتنا وتحليلاتنا لما يجري في شؤوننا العامة بعبارات تدل على القدرة على المشاركة بالرأي، ووضع بعض الأمور المائلة في نصابها الصحيح، من مثل: «لو أني من الحكومة...»، أو «أحد شاف هالقرارات اللي مالها سنع؟» وغيرهما كثير، وتوحي جميعها بنقد للأوضاع، أو لتعامل المسؤولين معها، واتخاذ مواقف محددة مما يقرره المسؤولون بشأن أي من الأوضاع المستجدة، أو بقاء الأمور راكدة على ما هي عليه.

أما الجيل الحالي، فلم يعد موافقاً على الدرجة التي وصلنا إليها في النقد، وإبداء الرأي؛ بل أصبح يتخذ مواقف جدية، سواء كان الأمر متعلقاً بقضايا أسرية أو في العمل والمدرسة، أو في الشأن العام، الذي يهمه بوصفه فرداً من المجموعة. أصبحوا يرفضون التماشي مع الوضع الذي لا يناسبهم، كما صاروا في الوقت نفسه يقارنون أنفسهم بمجتمعات أخرى، ويأتونك بالأرقام التي لا تخطئ، لدعم آرائهم وتبرير مواقفهم من القضايا التي يرفضونها. فانتبهوا أيها السادة المسؤولون لأنفسكم، فأنتم أمام تحدٍ خطير، لم تعد عبارات التسليم مستخدمة فيه، ولم تعد عبارات النقد مقبولة لهضم المرارة التي يعانيها الإنسان من الأوضاع المائلة. فالعبارات التي تُسمع الآن هي من نوع: «أنا وش لي... ما أقبل كذا!»، أو «قم بس قم!»، وغيرهما من عبارات التحدي والرفض، اللذين يصلان إلى مرحلة وضع صاحب القرار أمام مسؤولياته بإعادة رسم تصوراته ومخارجه من المأزق الذي وجد نفسه فيه.

فالناس لم تعد تبحث عن قبول شيء صحيح من ضمن أشياء صحيحة، بل عن الأصح من الأشياء الصحيحة. ومع كل ما قلناه أجد ظاهرة منتشرة في مدننا وكثيراً من طرقنا؛ هي المطبات الصناعية، التي لا نعلم على من تقع مسؤوليتها (الأمانات- البلديات، أو المرور، أو المواصلات في الطرق السريعة، أو الإمارات، أو أي من الهيئات المتعددة والتي أصبحت صلاحياتها متداخلة؟)، ولا نعلم أصلاً من أول من أوصى بها في غير الثكنات العسكرية. هذا خلافاً للحفر والمطبات الطبيعية، التي تتناثر في كل مكان من شوارع مدننا وطرقاتنا الطويلة من آثار الحفريات المستمرة، وعدم الإخلاص في رصف الطرق واستمرار صيانتها.

حدث لي - في شمال مدينة الرياض- الوقوع في عدة مطبات أثمرت عن ضرورة تغيير مقصات وكراسي مكينة السيارة ومساعدات في تقدير فاق العشرين ألف ريال، وعلمت عن حالة أخرى كانت تقديرات إصلاح ما حدث بسبب أحد تلك المطبات تتجاوز ستين ألفاً؛ أسهم التأمين الشامل في دفع جزء منها. فمن هو المتسبب في هذه الأضرار التي يتكبدها الناس بسبب مزاجية بعض أصحاب المنازل أو المؤسسات أو الأمانات، أو لا أدري من؟

جيلنا قد يلجأ إلى مؤسسات التقاضي، ليقتص ممن يسبب له هذه الأضرار المثبتة أمام الناس. لكن هذا الجيل سيلجأ إلى طرق أخرى في تغيير هذه الظاهرة وغيرها، مما يتعسف بها أصحاب القرار ضد منطق الأشياء ومصالح الناس. أقول ذلك، بعد أن سمعت بعض الشباب يقارنون وضعهم بأوضاع البلدان الأخرى، التي لا ترى في طرقاتهم عوجاً ولا أمتاً. ولم يبتكروا ما يحدون به من عدم قدرتهم على متابعة المخالفين لسرعة أو نظام مروري إلا بمطب أو كاميرا ساهر.

تباً لمن لا يظن بأن الناس قد تغيرت نظرتهم إلى الأمور!

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة