Culture Magazine Thursday  19/04/2012 G Issue 370
فضاءات
الخميس 27 ,جمادى الاولى 1433   العدد  370
 
البيوت
الآباء الصغار
لمياء السويلم

 

في مجتمع ذكوري أبوي كمجتمعنا، يبدو ظاهرياً أن الرجل لا يعاني من الظلم بالشكل الذي تعانيه المرأة، فهو حر نفسه لا يشترط عليه القانون أي قيود، وغالبا ما يقف القضاء معه، ليس ثمة ولي لأمره يتحكم في شؤون حياته، يملك قراره في الدراسة والعمل والسفر والزواج والأبوة والزواج الثاني والطلاق والحضانة، يملك الحق في القبول والرفض ليس في أموره الشخصية فقط، بل أيضا هو يملك حق المنع والقبول والعطاء لكل امرأة يربطه بها علاقة عائلية، إما أختا، زوجة أو ابنة، إنه يملك كل شيء فلا مجال أن يعاني أي نوع من المظالم التي تعانيها المرأة المحرومة من الدراسة والعمل والسفر والزواج والأمومة والطلاق والحضانة وقيادة السيارة وإجراء عملية جراحية وأداء عمرة أو حج إلا بإذن رجل.

الصورة السعودية لا مساواة فيها بين الجنسين مطلقا، والظلم الذي تذوقه النساء لا يمكن أن يسرده مقال أو كتاب، لكن الصورة الحقيقية تحمل في باطنها مظالم للرجال من شكل آخر، ثمة شباب في أول أعمارهم يعانون من تسلط آبائهم تماما كما تعانيه أخواتهم، هنالك شباب يافع تحرمه عائلته من أبسط شؤون حياته، هنالك شباب يخافون آباءهم وعمومتهم كما يخاف مواطن مباحث حكومته الديكتاتورية.

المجتمع الأبوي لا يصادر حق المرأة فقط، بل يصادر حق الرجل أمام رجل آخر، ثمة شيخ هو أب لكل رجال الحارة وإن كان أصغرهم سنا، ثمة مدير عمل يمارس أبوته على كل موظفي إدراته، هنالك رئيس تحرير يربي القراء وصحفي الجريدة كما يربي أبناءه الصغار في بيته، هنالك حاكم أب يرعى الجميع ويأخذ بيدهم للقرار الحكيم، الآباء في السعودية لا يخلفون نساء محرومات مسلوبات فقط، بل يخلفون آباء صغاراً ورجالاً لا يعرفون كيف يصبحون آباءً كبار قط.

الرجال الذين يعيشون تحت حدود بر الوالدين الأحمر، هم أيضا يعانون ضعفهم ومخاوفهم من العقوق، يعانون من عجزهم عن الأداء المستقل لشخصياتهم، هم أيضا مكبلين بقيود الرعاية لعوائل كاملة من إخوة وأخوات، مملوؤين بمسؤولية عميقة تجاههم، مسؤولية تمارس سلطتها طبعا، لكنها بالقدر نفسه تعيش تحت ضغط هذه السلطة المكلفين بها أبديا.

المسؤولية التي يحملها بعض الرجال في بلد يعطل كل النساء ويحملهن عبئا على رجل واحد، هي مسؤولية تشبه حكم السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة، ثمة شباب يحلم بلحظة خروجه من بيت والده تماما كما تحلم أخته، يحلم ببيته الصغير وعائلته التي يرسمها كما يشاء لا تتجاوزه هو وشريكة لعمره، لا بيتا يفوق أفراده أصابع كفه، وتعجز هذه الكف عن رعايتهم من أصغر الشؤون إلى أكبرها.

القانون الذي يقيد المرأة ويحرمها كل حقوقها، يحيل الرجل إلى عبد سلطة عاجزا عن التخلي عنها، لا لأنها يقدسها بالضرورة بل لأنها تقدسه، لأن السلطة التي بيده تمارس كل أنواع الضغط عليه أيضا، من قال إن كل الشباب السعودي يريد أن يحكم حريمه ويتولى شؤونهم جميعها، من قال إن الشباب يريد أن يعيش مع نفسه فلا يسمع إلا صوته كما لو كان سلطاناً في قبو مظلم، من قال إن شبابنا يحلمون بجواري عاجزات حتى عن قرار الارتباط بهم أو الانفصال عنهم، من قال إن الشباب السعودي مريض بمخاوفه من حرية المرأة ومساواته بها، من قال إن رجالنا مجرد ذكور يشعرون بتهديد نوعي لو أخذت المرأة مكانها الطبيعي من الحياة.

الشباب السعودي الذي يتربى على حقه في الخروج من البيت منذ طفولته حتى آخر عمره، يعرف في داخله أنه يملك الشارع والفضاء العام كاملا، لكنه فضاء فارغ إلا منه وحيدا، وحيدا يخرج الرجل من بيته، ليواجه نفسه فقط في مرآة العالم الخارجي والحقيقي.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة