Culture Magazine Thursday  19/04/2012 G Issue 370
فضاءات
الخميس 27 ,جمادى الاولى 1433   العدد  370
 
صدى الإبداع
فعل الصورة الإعلامية «5»
د.سلطان بن سعد القحطاني

 

عندما نتحدث عن فعل الصورة في المشاهد، فإننا سنجد نوعين من المشاهدين، مشاهد سلبي، ومشاهد إيجابي، وسينشأ عن هذين النوعين ثقافتين مختلفتين، ثقافة الأمية التي تتلقى كل ما يرسل إليها بعفوية وتصديق، وثقافة المثقف الواعي لكل ما يشاهده بخلفية تحميه من زيف الفعل الذي عادة ما يقع فريسته النوع الأول الذي لا يملك ثقافة الكلمة، أما الثاني فإنه يرجع كل ما يشاهده إلى ثقافة الكلمة التي تحدثنا عن نقلها للصورة الذهنية فيما سبق، وفي كل من الحالتين نجد أن ثقافة الصورة والدور الذي تلعبه في عقلية المشاهد لا تلغي الكلمة بل تستند عليها إلى حد كبير في البرامج الجادة والموجهة، ويستند بعض المنتجين على مقولة إن الصورة تغني عن ألف كلمة، كما جرى هذا المثل على ألسنة المشتغلين بالإعلام التجاري والسياسي على حد سواء، لكن بعض الباحثين والمشتغلين بالإعلام الصوري يجدون تحفظاً على هذه المقولة، وأنها ليست على إطلاقها، بل يرون أن الكلمة والصورة يكمل كل منهما الآخر، ويسيران في خط واحد (19) وإن ما يجري من صور لها تأثير على كل من الطرفين تتفاوت في تأثيرها بما يتفق والخلفيات الثقافية والأيديولوجيات، فتجد فئة تؤمن بأيديولوجية معينة (مذهبية أو عرقية أو إقليمية) تنشئ قناتها وتنتج برامجها المسطحة التي لا تخدم أكثر من أبنائها الذين يعرفون عن خط برامجها قبل أن تنتج، وخلفيتها المؤدلجة في مواجهة أيديولوجية أخرى، حتى وإن كانت الأخرى لا تعارضها في مبادئها، فمنهجها لا يختلف عن خطب الجمعة وجولات المحدثين والمبشرين بدين أو مذهب، أو حتى سلعة تجارية. وإن كان يرى بعض المهتمين أن ثقافة الصورة قد غيرت في سلوكيات كثير من متابعي الأفلام الأجنبية (20)، فإننا نرى أن التغيير حصل بالفعل، لكنه تغيير إلى السلبي، وفهم مسطح نظر إلى الصورة من خارجها ولم ينظر إليها من داخلها، فلو كان يعرف لغتها لفهم ما يقصد من توجيهها، وهذا النوع من المشاهدين سلبي لا يهمه من الصورة إلا الشكل الظاهر والأجسام المتحركة المصنوعة خصيصاً لهذا النوع من المتلقين، ولا يظن باحث آخر أن النخب المثقفة قد سقطت من حسابات المشاهدين، أو أن الصورة لم تفعل فعلها فيهم، وهذا رأي عليه كثير من التحفظ، فالنخبة ترى بعين لا يرى بها المشاهد العادي أو الجاهل بالثقافات الأخرى، أو بصناعة الإعلام، سواء كانت الصورة مستوحاة من نص أدبي، أو مصنوعة خصيصاً للمشاهد، كالتغطيات الإخبارية والبرامج الخاصة, وتستطيع الصورة أن تكشف كثيراً من العيوب متى أراد صانعها، وتخفيها في الوقت نفسه، والأمثلة على ذلك كثيرة في زماننا هذا، وهذا النسق ما نسميه (سلبي/ إيجابي) وبينهما محايد، وهو قليل جداً لا يظهر إلا في البرامج الثقافية الفنية، وكان بعض الساسة يظهر في اليوم عدة مرات بصورة غاية في الجمال والروعة ويصفق له ملايين البشر من المعجبين بأفكاره، وإنه سيحرر البلاد العربية من يد المحتلين والغزاة، وفي يوم من الأيام سقط، فظهرت الصور المضادة لكل تصرفاته، فأصبح عميلا قذراً وعدوا للشعب ومهدراً لأمواله، وإن كان في هذه المقولات بعض الصحة، فهل كان من يطبل له بالأمس يعرف هذا وذاك، أم يجهله؟؟ ويصدق عليه قول الشاعر: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. إن الإعلام سلاح ذو حدين، وأخطر ما فيه الصورة منذ أن عرف التلفاز، وصار أخطر عندما ظهرت الصورة الملونة، فقد لعب الدوبلاج والكولاج دوراً خطيرا في تغيير العادات والثقافات، خاصة منها المترجمة إلى اللغة العربية، وإضافة على ذلك صناعة السينما الأمريكية التي اهتمت بالجانب الثقافي للشعوب العربية وشوهته منذ زمن الاستشراق الأول (21) فصورت العرب وحوشاً يستحقون القتل، وحصل ذلك بالفعل في كل الحروب التي دارت في المنطقة العربية، ابتداء من الحربين العالميتين إلى غزو العراق واحتلال فلسطين. هذه حقائق فبماذا نقابلها, أنقابلها بالإرهاب والقتل؟، إذا كان الأمر كذلك فإننا نكرس ما يقال عنا وندين أنفسنا بأنفسنا، ونثبت للناس أن أخلاقنا وديننا إرهاب، هذا شيء مرفوض في الأديان والأخلاق، وقد أثبت تاريخنا السماحة والكرم، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وديننا يدعو للحوار والتسامح والدعوة بالتي هي أحسن، وعلينا أن نتحلى بأرقى درجات التخلق ونعامل الآخرين كما نود أن يعاملونا، ونقارع الحجة بالحجة ونعفو عمن أساء إلينا، فإن كان ذا عقل فسيشعر بخطئه، وإن كان غير ذلك فسيلومه من يملك العقل والمنطق.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة