Culture Magazine Thursday  20/12/2012 G Issue 390
فضاءات
الخميس 7 ,صفر 1434   العدد  390
 
البيوت
الموت باب الحياة في بيوتنا
لمياء السويلم

 

ثمة غصة تصيب الإنسان على موت حبيب أو قريب له غير الحزن لفقده، في بيوتنا موت أحد أفراد العائلة قد لا يكون حزن خالص للغياب الأبدي، ليس لخسارة حب أو لحاجة انسانية، هنالك ماهو أبعد من هذا، ماهو أشد ألما وأصعب على التصديق، للموت معانٍ مختلفة في بيوتنا، بعضها يبدو جارحا للفكرة الإنسانية، هنالك بيوت تفرح بموت رب البيت، هنالك قلوب تدعو لغيابه، هنالك عيون لا تفتح إلا بإغماضة عيون أخرى .

في بيوت تحكم على كل تفاصيل الإنسان قبضة سلطوية مستبدة تصادر الحرية والكرامة والفرح والحب والحلم والرغبة، سيكون الطبيعي شاذا عن الطبيعة الإنسانية، سيكون الطبيعي أن تختل العاطفة والشعور وتتضارب في لحظة مهيبة هي لحظة الموت، عندما يصادر أرباب البيوت الأغنية والهاتف والقلم والمشوار وحقيبة السفر وثوب العرس والألوان وخط الأزياء وملامح الجسد، ستدعو القلوب أن يغيب الله آباءها، الأبناء الذين تنحبس أنفاسهم على صوت الأب، امتعاضته أو يده، لن تبكي قلوبهم على يتمهم، بل سيبكون الضائع من عمرهم قبل أن ينقذهم الموت ويعلن حداد أمهم ميلاد لهم .

الأبناء الذين لا يعرفون من الحياة أقسى من ملامح أبيهم، سيلعنون البيت الذين يعيشون فيه، الأبناء الذين لا يعرفون طعم الحرمان لأنهم أبناؤه، لا يدركون الفرق بين معنى العبودية وبر الوالدين، لم يسمعوا عن الحق في الاستقلال الشخصي إلا أنه باب جهنم المرصود للعاقين، لم يفهموا لماذا يعطف الناس وتصيبهم الرحمة على اليتامى دونا عنهم، الأبناء الذين لم يستطيعوا أن يشرحوا للعالم أنهم يحسدون اليتيم على حريته.

حقوق الأطفال لست للأبناء دون الثامنة عشر، ليست للأطفال في الشوارع والملاجئ وحارات المهاجرين فقط، حقوق الأطفال لأبناء الثلاثين ينتفضون في سرهم من ظل أب غائب حاضر، يتعرضون لعنف أبوي يستبد بهم ويعجزهم عن الوقوف ضد الخطأ لأن عمرهم أفقدهم معنى الصواب، أبناء يحملون إرث الخوف والقسوة على الذات وإرهاب النفس، السيدات الثلاثينيات والأربعينيات اللاتي يدرن بيوتهن ومدارسهن وأعمال خاصة، لا زلن تحت سوط رب البيت وسطوته، تحت ظله الأسود يعشن عاجزات عن التفريق بين الألوان، عن التمييز بين الخبيث من الطيب، بين الحلال والحرام، بين الذل والرحمة، بين الرضى واليأس، يعشن باسم رجل يعيد تدوير حياتهن في أقواس العزلة والحرمان.

ثمة غصة تصيب الإنسان كل فقد، ألم يضج بالروح للخسارة، روح تذبل لحظة غياب، إلا أن بيوتنا تعيش مالا يعرفه العالم، قلوب الأبناء في بيوتنا تصيبها غصة من نوع آخر، لا علاقة للحزن بها، بل للفرح، هي غصة الموت بمعنى الحياة، غصة إنسان يوثق تاريخ ميلاده الحقيقي بلحظة موت والده.

lamia.swm@gmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة