Culture Magazine Thursday  20/12/2012 G Issue 390
فضاءات
الخميس 7 ,صفر 1434   العدد  390
 
صدى الإبداع
الرواية والتاريخ 1 - 2
العلاقة الجدلية بين الرواية والتاريخ 1-8
د.سلطان بن سعد القحطاني

 

منذ أن عرف الإنسان الرواية على مد العصور والقرون والأجيال، والتساؤلات تنهال عليه كل يوم في ماهية الرواية والتاريخ، وأيهما الأقرب، وأيهما الأبعد في الدراسات البحثية الفنية واللغوية، والخلافات تدور في كل بحث يجرى حول هذا الموضوع، والتعاريف تتضارب من حين إلى حين في الشرق والغرب، بين مؤيد لهذا وشاجب لذاك، وقد يكون الأمر سهلاً عند باحث وصعباً عند آخر، فما هو التاريخ، وما هي الرواية، وهل التاريخ رواية، أم أن الرواية تاريخ،، وأيهما الأقدم، التاريخ أو الرواية، وإذا كان التاريخ قد قدم لنا معلومة، فلماذا يكتب الروائي رواية تاريخية، وهل هناك رواية أياً كان نوعها تخلو من التاريخ أسئلة لا تنتهي جعلت من هذا الموضوع جدلاً لم ينته، ولن ينتهي على كثرة ما كتب فيه ونوقش في قاعات الدراسات العليا وفي المؤتمرات، لأنّ الباحثين لم يتفقوا على صيغة معيّنة تكف هذا الجدل وترسم خطوطاً عريضة للفصل بين الفنون الإنسانية ليعرف المتلقّي من أين يبتدئ، وإلى أين ينتهي، والسبب في ذلك أنّ ثقافتنا العربية قد بليت بأناس يتعالمون في كل شيء، ويعرضون البضائع كيفما كانت وأينما كانت أمام متلقٍّ يشاركهم جهلهم، فكل نص طويل اعتبروه رواية، وكل نص قصير اعتبروه قصة قصيرة، ومنهم من اطلع على التعريف القديم الاجتهادي في مرحلة الأربعينيات الميلادية عندما قام بعض المجتهدين - ونحن نقدّر لهم ذلك الاجتهاد، الذي كان مقبولاً إلى حد ما في ذلك الزمن - وصنّفوا الفنون القولية، من رواية عدّوها بكثرة الكلمات، ولم يعلموا - وهم معذورون - أنّ الرواية لها منهج يختلف كل الاختلاف عن بقية الفنون السردية، فلم يعلموا أنّ لها عقدة لا تتم الرواية إلا بها، وشخوص تتصاعد وظائقهم الفنية في خطوط متوازية إلى أعلى، وهذه بعض تقنيات الرواية الحديثة، والقصة القصيرة تختلف عن الرواية، والسرد التاريخي له أصوله في خط أفقي يخالف الرواية ذات الخط الرأسي، وغير ذلك الكثير، ولا عيب في شخص يعجب بنص، مهما كان نوعه، لكن العيب فيمن يشخصه ويضعه في غير مكانه، وكنت في مؤتمر الأدب الجزائري في لغات العالم، الذي أقامته جامعة خنشلة الجزائرية برئاسة الدكتور عمر عيلان، رئيس المخبر الأدبي بالجامعة، وحضره كبار النقاد في العالم، وقد أخذ بعضهم على المرحوم، الدكتور غازي القصيبي إطراءه لما سمّاه رواية (بنات الرياض) على أنّ هذا العمل لا يتوفر فيه أدنى شرط من شروط الرواية، ومثل هذالفعل ما قام به بعض الإخوة، من غير المتخصصين في النقد، أو العلم بفروع الشجرة الأدبية، الذين يغضبون عندما نقول إن هذا العمل سرد فقط وليس رواية، فما هو إلا سرد تاريخي لفترة معيّنة من الزمن، والخلط وارد بين الرواية والتاريخ، والرواية والسيرة، والمذكرات، وقس على ذلك كثيراً مما يعلمون وما لا يعلمون، ولكن هذه العناصر إذا وجدت روائياً موهوباً يوظفها التوظيف الفني فإنها بلا شك مادة دسمة تغني المتلقّي وتسدّ حاجته إلى قراءة عدد كبير من المؤلّفات التاريخية الجافة. تحدثنا عن التاريخ والرواية، وأن التاريخ مادة يوظفها الروائي في صيغة فنية، كأي مادة تجوز أن تكون مادة روائية، فالرواية لا يضيق صدرها بشيء على الوجود، من تاريخ أو اقتصاد أو اجتماع أو جغرافيا أو مجتزأ من سيرة، وليست السيرة بأكملها، فهذا موضوع آخر له أصوله وبناؤه الخاص (1) وإلاّ ستتحوّل الرواية إلى سيرة في خط أفقي، وبذلك تفقد سمتها الخاصة بها. وفي هذا البحث سأحاول أن أضع خطاً فاصلاً في سبيل دراسة تعرّف كل فن، وترسم خطوط التماس بينه وبين الفن الآخر.

هذه الدراسة تحتوي على فصلين مختصرين: الأول الرواية التاريخية وتعريفها، وانبثاقها عن المادة التاريخية، عند الكتّاب الغربيين حيث بدأت عند الكاتب الأسكوتلاندي ( ولتر سكوتWalter Scott (1771-1832) في بداية القرن التاسع عشر، بروايتيه ( ويفرلي Waverly عام 1814، وُافانهوIvanhoe عام1819)، حيث فتح الباب للكتاب الأوروبيين لكتابة تاريخ بلدانهم، فكتب الكسندر دوماس الأب 1802-1870 تاريخ فرنسا، وكتب تولستوي 1828-1910، تاريخ روسيا، واستمرت هذه المدرسة في أمريكا والشرق الأقصى إلى حين قريب، تنقل التاريخ من سرد ممل إلى أساليب أدبية راقية يجد فيها المتلقي المتعة والفائدة في آن واحد.

وامتدت هذه المدرسة إلى الشرق العربي فقام بدراسة التاريخ عدد من الصحافيين الشوام المهاجرين إلى مصر، وقد أسسوا الصحافة في مصر البلد الآمن من بطش الأتراك والمحتلين من الأوروبيين فاستلهموا التاريخ وكتبوه على صيغة رواية، وبرع فيه عدد منهم في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين: فرح أنطون، صاحب مجلة الجامعة، وجريدة الأهالي، الذي كتب روايته التاريخية ( السلطان صلاح الدين وأورشليم) وسليم بطرس البستاني، صاحب جريدة (الجنان وجريدة الجنينة) الذي كتب المسرحية العر بية والرواية، ومن رواياته (قيس ولبنى، وزنوبيا ملكة تدمر، والهيام في جنان الشام) ويعقوب صروف، صاحب مجلة المقتطف) الذي كتب روايته الشهيرة ( فتاة مصر)، وجرجي زيدان الذي أسس مجلة الهلال، ورأس تحريرها، وكتب روايات الإسلام بالطريقة الرومانسية، وتلاه في ذلك عدد كبير من الكتّاب، مثل علي الجارم، ومحمد فريد أبو حديد، وعلي باكثير، ومن السعودية محمد زارع عقيل في قصته ( أمير الحب)، وغيرهم. وإذا نظرنا إلى هذه الروايات من المنظور الفني فلن نجد أكثر من رومانسيات، لكن تأثيرها كان كبيراً على المتلقين بصرف النظر عن مضامينها. هذه نظرة سريعة عما ظهر من روايات تاريخية، في الفصل الأول من البحث. أما الفصل الثاني فيتضمّن تلك الحدود المتماسة بين الرواية التاريخية الفنية والتاريخ كعلم له استقلاليته، برواية انبثقت عن القاسم المشترك في الفعل العربي ( روى - يروي - فهو راو) وقد أخذت الرواية من ذلك المصطلح، بناءً على ما ورد في التراث العربي من رواية الشعر والحديث، وكل الفنون السردية، وبعد أن اصبحت الرواية علماً يمثل جانباً من السرد له خصوصيته، كما للفنون القولية خصوصيتها، من قصة قصيرة وقصة طويلة ومسرحية..... وأصبحت الرواية التاريخية التي أخذت مادتها من الحوادث التاريخية وجغرافية المكان، وحياة الأشخاص، وغيرها تقوم على بناء رأسي، يبدأ من البداية فالعقدة، فالنهاية، أي مثلث متساوي الأضلاع، يحدد الفرق بين الرواية والقصة الطويلة، التي تروى من راوٍ واحد في بناء أفقي، وتشترك مع التاريخ في قواسم مشتركة بين الطرفين، تتمثل في: الزمان، والمكان، والشخصية المحورية، وهذه القواسم المشتركة تحدد الرواية، والسرد التاريخي، إلاّ أنّ البطل ( الشخصية المحورية) ينفرد في الحادثة التاريخية أو الشخصية بشخصية واحدة (بطل واحد) والرواية يكون فيها بطلان، بطل حقيقي، وبطل متخيّل من صع الروائي، وعدد من الشخوص تقوم بأدوار متعددة، حسب الإسناد وترتبط بالبطل والراوي الضمني، والرواية هي الوحيدة التي يوجد فيها هذا النوع، أما بقية الأنواع السردية فتقوم على بطل واحد (السيرة، والتاريخ، والحكاية الشعبية..) وقد بدأ هذا النوع من الرواية عند الجيل الثاني من الروائيين، نجيب محفوظ، في الثلاثية، وعادل كامل، وتوفيق الحكيم، وخيري شلبي، ورضوى عاشور، وبنحميش سالم، وبهاء الدين الطود، وعدد من كتّاب الرواية التاريخية الحديثة. وسيأتي التفصيل عن هذه الأعمال في متن البحث بإذن الله. و سيحتوي البحث على خلاصة لما ورد في ثناياه، ومسرد بالروايات التي تمّت دراستها. ورسم توضيحي للفرق بين التاريخ البحت والرواية التاريخية الفنية، والله الموفق.

Abuatif2012@hotmail.com - الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة