Culture Magazine Thursday  20/12/2012 G Issue 390
فضاءات
الخميس 7 ,صفر 1434   العدد  390
 
مداخلات ثقافية
الطباق الثقافي (1)
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

هذا عنوان مقتبس من محاضرة ألقاها أ.د.عبدالله الغذامي في مؤتمر مسقط ونشرتها المجلة الثقافية في عددها388، وما فهمته من هذا هو أنّ ثمة ظاهرتين متقابلتين إحداهما اللغة المزدهرة في إنتاجها وظاهرة النحو الذي يأخذ أصحابه على الناس ضعف لغتهم ويلاحقهم بالتصحيح، يقول أستاذنا «ولا مخرج لحل مشكلة النحو عند جمهرة العرب المعاصرين ما لم نتمكن من إقناعهم أولا بأن النحو ضرورة لغوية لهم، وأولها أن نثبت لهم أن الناس لن يفهموا منهم قولهم إلا بالشرط النحوي، وأن النحو هو العقد الدلالي بين المرسل والمرسل إليه، فإن غاب غاب معه فهم الرسالة، وهذا مطلب يبدو أنه غير واقعي لأن الناس ظلت تنتج اللغة العربية الفصحى العصرية إرسالا واستقبالا، وإفهاما وفهما، دون وسيط نحوي، وبالتالي عم الشعور (غير المصرح به) بأن النحو ليس شرطا للفهم والإفهام. مما يفقده وظيفته في الشعور العام»، والمشكلة هنا سوء فهم للنحو وهبه حصر النحو في مظهر واحد هو التصرف الإعرابيّ الذي يكثر فيه اللحن، والنحو أوسع أفقًا من ذلك، فهو منظومة من القوانين المنتزعة من وصف الاستعمال اللغوي في جمهرة اللغة؛ فمن هذه القوانين ما يتعلق بالمطابقة جنسًا وعددًا، ومنها ما يتعلق برتبة الألفاظ في التراكيب، ومنها ما يتعلق بربط عناصر التركيب، كل هذه القوانين هي روح ما سماه عبدالقاهر بالنظم حين فسر بلاغة الكلام بمدى تطبيق تلك القوانين وحسن تخير ما تتيحه من إمكانات، ومن هنا ندرك كيف استمرت اللغة العربية العصرية تفهِم وتفهَم وإن خالفت مقتضيات الإعراب ولم تُعن بسلامة الحركات؛ لأن الفهم والإفهام ليسا مرهونين بالحركات وحدها، بل إن الحركات قد تكون سليمة في جمل غير مقبولة معنًى، وهو أمر جلاه سيبويه في مقدمة كتابه، وهو أمر يفسر لنا كيف استطاعت العاميات أن تفي بأغراضها التواصلية متخلية عن حركات الإعراب، بل استطاعت أن تنتج أشعارًا بليغة ذات مستوى فني زاخر بالصور والسمات البلاغية الباهرة قد تتفوق بها على قصائد كتبت بلغة معربة، ولكن هذا الفهم والإفهام إن هو جاء من غير التزام بالسلامة الإعرابية فإنه سيكون مهدرًا لإمكانات تركيبية لا تتحقق بغياب الحركات، مثال ذلك (إنما ضرب زيدٌ عمرًا) و(إنما ضرب عمرًا زيدٌ)؛ فالجملتان مختلفتان من حيث المعنى ففي الجملة الأولى حصر لضرب زيد في مفعول واحد هو عمرو، وهو بريء من ضرب غير عمرو، وأما الثانية فحصر لضرب عمرو في فاعل واحد هو زيد،غير زيد بريؤون من ضرب عمرو، وهذا التفريق سيتخلف من غير الحركات؛ إذ سنضطر إلى التزام الرتبة فسيكون زيد في الجملة الأولى هو الفاعل (*إنما ضرب زيد عمرو) وسيكون عمرو الفاعل في الجملة الثانية (*إنما ضرب عمرو زيد). إن الصواب اللغوي مطلوب لذاته بغض الطرف عن مدى تعلقه بالوفاء بالمعنى أو احتياج المعنى إليه، وللتقريب نمثل بربط الحزام عند القيادة فهو شرط للسلامة أثناء السير؛ ولكن السير يمكن أن يكون من غير التزام به، ومثله الالتزام بالمسار الصحيح للمركبات؛ فقد يكون عكس المسار مؤديًا للغرض من الوصول إلى الغاية المنشودة باختصار مسافة وزمن؛ ولكن ذلك لا يعني أنّ قوانين المرور لا جدوى منها. وأمر علاقة حركات الإعراب بالمعنى من المسائل التي تجادل فيها علماء اللغة المحدثون على اختلاف توجهاتهم، ومن أشهرهم إبراهيم أنيس الذي نفى علاقة العلامات بالمعنى الوظيفي وحصرها في تسهيل النطق بالأصوات، وهو أمر ردّه أستاذنا داود عبده ولكنه على مخالفته أنيسًا كان مخالفًا لمذهب القدماء أيضًا، ولكن ما يحفظ لأستاذنا داود عبده ذهابه إلى أن الالتزام بالحركات واجب لكونها قوانين كان لها علاقة بالمعنى الوظيفي أم لم يكن. وقبل أن ننتقل مع أستاذنا الغذامي أود أن أذكر أنّ التزام مستعملي الفصحى بقوانينها المعيارية هو ما كفل لها استمرارها عبر القرون.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة