Culture Magazine Thursday  22/11/2012 G Issue 386
فضاءات
الخميس 8 ,محرم 1434   العدد  386
 
مداخلات لغوية
ضرب زيدٌ عمرًا
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

هذا مثال الجملة الفعلية الذي توارثه النحويون منذ عرف النحو ودونه سيبويه في كتابه إلى يومنا هذا، ويلاحظ في هذا المثال أنه جاء من كلمات ثلاثية مجرّدة؛ لأن أكثر ألفاظ اللغة ثلاثية الجذور، وأما الرباعية الجذور والخماسيتها فهي قليلة ومهجورة البنية والمُثُل.

وأثار تداول النحويين هذا المثال حيرة بعض المتقدمين والمتأخرين، وارتبط بطُرف شاعت بين الناس وترددت، منها ما جاء في مختصر تاريخ دمشق(2: 180) «قال محمد بن المثنى السمسار: كنا عند بشر بن الحارث، وعنده العباس بن عبد العظيم العنبري - وكان من سادات المسلمين - فقال له: يا أبا نصر، أنت رجل قد قرأت القرآن، وكتبت الحديث، فلم لا تتعلم من العربية ما تعرف به اللحن حتى لا تلحن؟ قال: ومن يعلمني يا أبا الفضل؟ قال: أنا يا أبا نصر، قال: فافعل، قال: قل (ضرب زيدٌ عمرًا)، قال: فقال له بشر: يا أخي ولم ضربه؟ قال: يا أبا نصر ما ضربه وإنما هذا أصل وضع، فقال بشر: هذا أوله كذب، لا حاجة لي فيه». وجاء في (محاضرات الأدباء، 1: 21)»وحكي أن مؤدبًا ادعى أنه علم صبيًّا النحو والفرائض، فامتحنه أبوه فقال له: كيف تقول ضرب زيد عمرًا؟ قال: كما تقول. فقال له: فما إعرابهما؟ قال: زيد رفع بفعله وما بقى فللعصبة. وأمر آخر معلمًا أن يعلمه الفرائض، فامتحنه يومًا فقال له: ما تقول في رجل مات وخلف ابنتين وابنًا؟ فقال: أما الابن فيسقط. فقال: نعم إذا كان مثلك». وأشهر الطرف وأكثرها تداولاً أنّ أحد الوجهاء سأل عن سرّ ضرب زيد عمرًا، فقال نحوي طريف إنّ عمرًا هذا قد سرق إحدى واوي (داود) فتراهم يكتبونه بواو واحدة وإن كان ينطق بواوين، وأما (عمرو) فيكتب بواو لا تنطق، فضرب زيد عمرًا عقابًا له. ومن المعلوم عند أهل العلم أن الواو من (داود) حذفت كراهة التماثل الخطيّ أي كراهة رسم الواوين (داوود) وهو أمر متبع في ألفاظ أخرى مثل (طاوس) وتراهم يكرهون توالي الألفين فيتخلصون من إحداهما كما ترى في (القرءان الكريم) تجنبوا كتبه (القرأان). وأما الواو من (عمرو) فاشتهر بين الناس أن الواو زيدت فيه للتفريق بينه وبين (عُمَر)، ولكن الدراسات الأثرية كشفت لنا أن هذا الاسم قديم وأن الواو قديمة فالاسم يظهر في النقوش بالخطوط النبطية التي منها جاء الخط الحجازي، ففي تلك النقوش ظهر الاسم (عمرو) بالواو، وتبين أن الوقف على الاسم المرفوع المنون بالواو وعلى المنصوب بالألف وعلى المجرور بالياء، وهذه الطريقة استمرت في لهجة عربية قديمة ذكرها سيبويه في كتابه، ولكن اللغة الفصيحة المشتركة أهملت الواو والياء وأبقت الوقف على الألف كما في (أكرمت زيدا)، ومن الطريف ما سمعته من أحد أبناء جنوب المملكة أن في بعض لهجاتهم من يقف بالواو في كل الأحوال (جا محمدو/ شفت محمدو/ مر على محمدو).

وأعود إلى ما بدأت به وهو المثال النحوي (ضرب زيدٌ عمرًا) وهو ما اتخذ منه بعض المحدثين مجالاً للسخرية من النحو العربي وجموده، بل رأوا أن التجديد إنما يكون بتغيير ألفاظ تلك الجملة، وأنّ الجمود على هذا المثال من الأسباب الصارفة للمتعلمين عن النحو. ويمكن أن نلتمس لهؤلاء العذر في قولهم؛ لأنه غاب عنهم مقصد النحويين ومرادهم الذي لم يكشفوا عنه، وهو أن النحويين اعتمدوا هذا المثال وكرروه لغرض تعليمي مهمّ عندهم، وهو أنهم جعلوه وزنًا تركيبيًّا كما وضعوا للكلمات المفردة وزنًا صرفيًّا حين اختاروا من الأفعال الفعل (فَعَلَ)، وكان غرضهم بيان بنية الكلمة من غير اشتغال بمعناها المعجمي، وكذلك استعملوا هذه الجملة المؤلفة من فعل ثلاثي صحيح واسمين ثلاثيين ليكون اهتمام المعلم على بنية التركيب من غير اشتغال بتغير المعاني المعجمية لأفعال الجملة أو أسمائها؛ لأنّ ذلك ليس مهمًا في بيان الأحكام التركيبية، بل ربما كان صارفًا عن التركيز على التركيب، فصار (ضربَ زيدٌ عمرًا) هو الميزان التركيبي للجملة، ومنه يكون المنطلق لألوان من التراكيب الأخرى مثل (زيدٌ ضرب عمرًا) و(ضرب عمرًا زيدٌ) فيعلم بهذا أن المراد أن الفعل يتقدم على الفاعل والمفعول به وأن الفاعل يتأخر عن الفعل وقد يتأخر عن المفعول به، وأن المفعول به يمكن أن يتقدم على الفاعل أو على الفعل والفاعل.

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة