Culture Magazine Thursday  22/11/2012 G Issue 386
فضاءات
الخميس 8 ,محرم 1434   العدد  386
 
البيوت
أزواج الوحدة
لمياء السويلم

 

في بيوتنا ليست وحدها الأم التي تجاوزت السبعين وخلى بيتها من الأبناء وشريك العمر تشتكي الوحدة، ليس الأب الذي هجر بيته شابا ودارت به الأرض ثمانين خريفا تحاصره اليوم وحدته، ليس الشاب الذي يعيد حساب راتبه كل شهر يحلم بالزواج وحيدا فقط، الوحدة ليست فستانا أبيضا تعيد فتاة تصميمه كل مساء تخلو به مع نفسها، الوحدة أب ما لامس الأربعين بعد، يصحو على أناه وحيدة رغم بيته الصغير وزوجه الجميلة وأبناءه الذين يكبرون في ظلاله.

الوحدة أم ثلاثينية تنام على سرير يسع زوجين ولا يضم سواها، تصبح على أطفال ينادون أباهم الذي لا تراه، هاتف يدق يطلب زوجها الذي لاتعرف كيف لها أن تنطق باسمه دون أن تحرق وجع اللحظة قلبها، الوحدة هي هذه الفتاة الأم، تجلس بين صديقات يحكين عن عاشق يتسلل إلى أحلامهن، وبين صديقات يشكين شخير أزواجهن وفضول الحموات، تجلس بينهن فلا هي التي تعرف معنى الحب في قلوب العذراى ولا هي تدرك معنى الشهوة في أجساد الزوجات، عالقة هي في دفتر عائلة وعقد زواج واسم رجل، خالية أيامها من العشرة بالمعروف وحتى المنكر، من المشاجرات والعتاب ومن قبلات التراضي بعد الزعل.

زوج الوحدة يطوف بيته ويسأل نفسه كل يوم، متى وكيف يكتمل البيت وأنا؟ ويعيد السؤال على نفسه ماذا ومن ينقصه وينقصني؟ يعلق بين استفهامات لايستطيع مشاركتها صديق ولا أخ ولا أب،من يفهم معنى أن تتزوج من الوحدة، من يدرك الفرق بين رجل نزق شره يعدد في نسائه، وبين رجل عالق بالوحدة يرتب أيامه على أبجديتها، تدور مواسمه في مدارها، فلا هو يملك احتمال الانفصال من زواجها ولا هو يملك مفتاح فردوسها.

أزواج الوحدة يعيشون بيننا، بعضنا يحسد صفو أيامهم، بعضنا يعبس من روتينها، نشهد نحن الصمت الذي يقتات عليهم، نشهد الخوف الذي يسكن أعينهم، نشهد موتا بطيئا يحتفل كل يوم بهم، ولا نسأل هل تراهم بعد يعرفون معنى الحب أو الزواج أو الأبناء أو التوق أو اليأس أو الرغبة أو الحلم أو الواقع، هل تراهم يتعرفون على أنفسهم في أحضان أزواجهم، وبماذا تراهم يشعرون وقد تزوجوا من الوحدة في غفلة من أناهم.

بيوتنا تحفل بكل أشكال وألوان الوحدة، من خادمة عبرت قارات الأرض لتؤمن رزقها، إلى شيخ يتكل على مسبحته علها تقضي عنه ساعات النهار والليل الطويلة، وحيدون نحن في كل زوايا البيوت لكننا أحرار بعد، ننتظر ثنائياتنا أو نحفل بها، نتباهى بها أو نكابر في جمال فردياتنا، وحدهم أزواج الوحدة انقطعت بهم الطرق إلى المثنى وعرس الأنا الثنائية.

lamia.swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة