Culture Magazine Thursday  23/02/2012 G Issue 364
فضاءات
الخميس 1 ,ربيع الآخر 1433   العدد  364
 
ما بين المتدينين والليبراليين «استغلال ثقافة المظلومية التاريخية للمرأة» (4-4)
سهام القحطاني

 

من يتأمل سبب الأزمة بين المثقفين المتدينين والمثقفين الليبراليين سيجد أن «المرأة» هي سبب تلك الأزمة، فالليبرالي يسعى إلى استغلال المرأة من خلال إرث المظلومية التاريخية لأنها البديل الوحيد الذي يُعوض له غياب خطابه، والمثقف المتدين يستغل ذلك الإرث لأنه المُمثِل الوحيد الذي يثبت من خلاله استمرار «ولايته الفكرية» على العقل الاجتماعي، والمرأة عند كلا الطرفين مجرد «وسيلة نفعية» ليثبت كل منهما «قدرته على السيطرة على العقل الاجتماعي».

فلماذا المرأة هي التي أصبحت مصدر الصراع بين الطرفين ومصدراً لتحقيق الولاية الفكرية لكليهما؟

وأظن أن هناك سببين لذلك أولهما أنها «الحلقة الأضعف» كسلطة في المجتمع، والآخر أنها «وجود مُؤوَل بالاختلاف والخلاف» بما يجعل المتاجرة بقضاياها ممكنة ومتاحة وقابلة للأخذ والرد والتفاوض وتجريب العقل الحججي من خلالها.

وهو ما يعني أنها لا تملك «سلطتي استقلال وإقرار» بصورة مثبتة ومادية في مقابل أن الرجل يملك «سلطتي استقلال وإقرار» وهو ما يفسر ابتعاد أي صراع فكري عن قضايا الرجل.

وعدم امتلاك المرأة لتلك السلطتين يجعلها النموذج الأمثل للاستعمار من قبل أي فكر لإثبات ولايته على العقل الاجتماعي وفق اعتبارين؛ الأول بالنسبة للمرأة اعتبار الرجل في الوضع العادي وهذا الاعتبار يمثل وفق ما يعتقده الوضع العادي لا المرأة «مصدر حماية لها» والآخر بالنسبة للمرأة اعتبار الرجل في «الوضع العالِم» وهذا الاعتبار يمثل وفق ما يعتقده الوضع العالم لا المرأة «مصدر معرفة لها».

إضافة إلى -وهو المهم في رأيي- أن المرأة ممثل «لصياغات رمزية تاريخية» فهي «رمز للفتنة» في الإسلام وهي «رمز للخطيئة» في بقية الأديان السماوية ومنهما اكتسبت المرأة كوجود احتمالية التحول إلى «إغراء وإغواء» وهذا التحول حامل مستمر لخطر يهدد «السلم الأخلاقي للمجتمع».

كما اكتسبت المرأة من خلال ثقافة تلك «المظلومية التاريخية» الممثلة في الفتنة والخطيئة، التي يعتمد عليهما المثقف الليبرالي والمتدين أيضاً لبسط ولايتهما الفكرية عليها لتُضاف إلى حسابهما.

ولكن هل يسعى المثقف الليبرالي من خلال تفكيك ثقافة المظلومية التاريخية للمرأة إلى «تحريرها» أو «دعم حريتها»؟

وهل يسعى المثقف المتدين من خلال التأكيد على إثبات حقيقة ثقافة المظلومية التاريخية للمرأة إلى «حمايتها من نفسها» و»حماية المجتمع من شر إغوائها»؟.

ولاشك أن لكل منهما في سعيه رغم اشتراكهما في نفس الطريق وجهة نظره مختلفة.

فبينما يسعى الليبرالي إلى تفكيك ثقافة المظلومية التاريخية التي اعتقلت المرأة قروناً وبأنها باطلة لكي يصنع من دوره تاريخاً بطولياً ورمزية «المُخلّص والمنقذ والمُحرِر» فهو يصنع قيمة له من خلال استغلال ثقافة المظلومية للمرأة لا من أجل صناعة قيمة للمرأة أو إعلاء شأن قيمة المرأة.

يسعى المثقف المتدين إلى إثبات حقيقة ثقافة تلك المظلومية وأنها صالحة لكل زمان ومكان حتى يظل محافظاً على «دور المقدس» و»رمزية التقديس» فهو يصنع قيمته «كمرشد» ورمزية «المُخلّص والمُنقذ والحامي» من خلال استغلاله لثقافة المظلومية تلك لا من أجل صناعة قيمة للمرأة أو إعلاء شأن قيمتها.

ورغم اختلاف الهدف بينهما إلا أنهما يشتركان في أمرين؛ الأمر الأول النظر إلى المرأة بأنها «مخلوق ناقص وضعيف» تحتاج إلى حمايتهما وعلمهما وعقلهما وخبرتهما.

وهما بذلك يدعمان «ثقافة ضعف المرأة ونقصانها» لأنه دعم اشتراطي «لقوة الرجل وكماله» وهو دعم اشتراطي يتحرك في إطار وعي مع سبق الإصرار والترصد.

والأمر الثاني كلاهما يستغلان ثقافة المظلومية للمرأة لصناعة قيمتهما الاجتماعية والمقدسة والتنويرية.

والتنازع على استغلال ثقافة تلك المظلومية لصناعة قيمة كل فكر هو الذي يحول المرأة إلى مصدر صراع بين الطرفين.

أما لماذا صراع؟ لأن الفوز بالمرأة هو الرهان المضمون لتنفيذ كل منهما مشروعه الاجتماعي، ولذلك فالفوز لابد أن يكون كليا لا نصفيا، لذا فتقسيم وعي المرأة بين الطرفين مرفوض؛ لأنه لا يمكن اكتمال مشروع هيمنة على العقل الاجتماعي بمناصفة وعي المرأة بل بأغلبية ذلك الوعي.

فامتلاك طرف من الطرفين أغلبية وعي المرأة الكمي والكيفي يعني تجنيدها لدعم شرعية ومشروعية خطاب ذلك الطرف، وخسارة ذلك الوعي كقوة كمية وكيفية لطرف من الطرفين يعني فقدان شرعيته ومشروعيته في المجتمع باعتبار المرأة كخطاب ساكن مُشرع ضمني لخطاب السلطة أي الأقوى في التأثير على مدونة العقل الاجتماعي.

نعم هذا ما يدركه كلا الطرفين -المثقف المتدين والمثقف الليبرالي- يدركان أن المرأة «قوة كمية وكيفية» هي من تمنح خطابهما الفكريين المشروعية والشرعية، لكنها «قوة بالإضافة» لا تتحقق إلا عبر انضمامها إلى أي منهما.

وهذا ما يحاول كلا الطرفيين زرعه في وعي المرأة السعودية، طبعاً وهو غير صحيح «فالمرأة هي قوة بذاتها» وليست «قوة « لا تتحقق إلا «بإضافتها إلى ولاية» مخصوصة.

إن الولاية الفكرية التي يسعى إليها كل من المثقف المتدين والليبرالي لحبس المرأة داخلها لا تختلف إلا على مستوى الأسماء والتوصيفات أما على مستوى المضمون «السيطرة على وعي المرأة» «واستعباد استقلاليتها الفكرية» لمصلحة إنتاج قيمة لهما فهما يتماثلان فيه.

وتظل هناك تتمة لهذه الصورة أعتقدها بنسبة معينة، واعتقادي النسبي لها لا يُلغي ما سبق بل يجعل المرأة جزءاً من قوة التأثير ليس كمتأثر بل وكمؤثر أيضاً ومعا.

إن «استعمار وعي المرأة» تارة بهدف «ولاية القدرة والاستطاعة-الحماية-» وتارة بهدف «ولاية الإرشاد والمعرفة» من طرف من الطرفين يتم بإرادتها ومباركتها، وأنها تسمح باستغلال ثقافة مظلوميتها التاريخية بل وتشارك من خلال عقد غير مباشر بينها وبين الطرفين في لعبة الاستغلال تلك بكامل قواها العقلية.

وتمام الإرادة هنا وتعمد المشاركة في لعبة استغلال ثقافة المظلومية هما من يشعل الصراع بين الاتجاهات الفكرية المختلفة.

وبالتالي فهي من يستغل أزمة الخلاف بين المتدينين والليبراليين من خلال «آليات التقية» الممثلة عبر النص الإبداعي للمرأة، لطرح قضاياها بواسطتهم فهي تقدمهم قرابينا لمعبد العقل الاجتماعي لتظل بعيدا عن نيرانه وتجني المكتسبات وهي بعيدة عن «النار والضوء».

وبذلك فالمرأة من خلال دورها الخفي في تلك اللعبة عبر النص الإبداعي استطاعت أن تُرحّل الصراع المحتمل بين التيارات الفكرية النسائية في المجتمع فيما يتعلق بثقافة المظلومية التاريخية للمرأة إلى التيارات الفكرية الرجالية وليكون الصراع بين الديوك والفخار يكسر بعضه البعض، لتسلم من مساءلة العقل الاجتماعي لها ومحاكمته لفكرها وقبلهما لتحافظ على «السلم النسوي في المجتمع».

والمرأة من خلال هذا المنظور الإبداعي غير بريئة من تهمة استغلالها لثقافة مظلوميتها التاريخية لتأجيج أزمة الخلاف بين المثقفين المتدينين والليبراليين لتجيّر ذلك الصراع لمصلحة

إبراز قضاياها على اعتبار أن «الغاية تبرر الوسيلة» -أو هكذا أعتقد-.

sehama71@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة