Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
فضاءات
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
رؤية
ماذا خفي.. وما لم يظهر بعد؟
فالح العجمي

 

دعونا الله سرًا وعلانية على نظام بشار الأسد في سوريا، الذي يقتل المواطنين، كما تفعل فرق مكافحة الحشرات في رش المبيدات على تلك الكائنات الضارة (وهو يسمي المواطنين المعارضين أيضًا بالجراثيم). وامتلأت كثير من خطب المساجد بالدعاء عليه بفظائع الأمور، وبتفصيلات نخجل من أن نعيدها في كتابة تحليلية عن الموضوع، لما تحتويه من تشفٍ في الأطفال والنساء، لا يمكن أن يصدر عن نفس سوية. فكيف ندعو على أناس لا ذنب لهم إلا قرابتهم مع الجناة؟ لكن منهج الكراهية أصبح طاغيًا إلى الدرجة التي تعمي عن المنطق.

لم يحدث لهذا النظام -إلى الآن- شيء مما ندعو به عليه، بل إن الآلاف من ضحاياه تتساقط على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، الذي لا يكلف نفسه سوى الاجتماعات والتصريحات، وتأييد حق الضحايا في الدفاع عن أنفسهم. وقد أثار ذلك حفيظتي في نقاش مع أحدهم «...» ؛ وكنت وقتها أرد عليه: إذًا لا حاجة بنا إلى الإنفاق الهائل لتكوين الجيوش، والإعداد الجيد الذي تقوم به كل الأمم لأبنائها من أجل الدفاع عن أوطانهم«...». فمثل هذه الأفكار وسائل ابتكرها المثبطون من أجل تخدير المسلمين، وثنيهم عن مقاومة المستعمر، والإبقاء على بلدانهم ضعيفة وقابلة للاستغلال.

لكنه هذه المرة زاد بوسيلة أخرى جديدة، يبدو أنه استشفها -بسذاجته - من الفكر الشعبي السائد هذه الأيام في المجال الرياضي؛ بأنه يمكننا أن نلجأ إلى الرقية لعلاج المسؤولين السوريين الكبار، وخصوصًا قادة الجيش، الذين سحرهم نظام بشار، فجعلهم لا يرعوون عن ارتكاب الفظائع بحق كثير من مواطنيهم لمصلحة تلك الفئة المتحكمة في كل شيء في البلاد.

عند هذا الحد تذكّرت كثيرًا من مآسي العرب التي حدثت، وتفاقمت آثارها، لأنّهم لا يحسبون للوقائع حساباتها الصحيحة، وإذا وقعت لا يقدرون آثارها تقديرًا سليمًا؛ بحيث يعدلون بعض ما كانوا يقعون فيه من أخطاء. فهل مثل هذا التفكير الفردي مقصور على الأفراد والجماعات بعيدًا عن عمل المؤسسات العربية وأصحاب القرار فيها؟ الواقع يقول غير ذلك؛ فبدءًا من المراحل الأولى، التي كانت الجامعة العربية تعمل فيها على استحياء باستصدار البيانات المواربة، والحث على الإصلاح، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تتوافق مع حالات الحرب الحقيقية على الشعب، التي كانت تقوم بها الطغمة الحاكمة، وانتهاء بقرارات القمة العربية الأخيرة غير المناسبة لما يحدث على الأرض، ويتسبب في إحباط شديد للناس الذين كانوا يظنون أن القرارات السياسية تتم بتصاعد فعلي يتناسب مع تصاعد الجرائم في الواقع.

كل هذه القضايا تؤثر -دون شك- في مواقف القوى الكبرى أو الإقليمية المجاورة، وعلى وجه الخصوص تركيا، التي لو كانت وجدت جدية في حلول عملية من جامعة الدول العربية، لما تراخت عن دورها القوي الذي اتخذته في بداية الأزمة. لكن النظام السوري أخذ يساومها على مواقف من القضية الكردية، وفي المقابل لم تجد تيارًا عمليًا أنجزته المجموعة العربية في التعامل مع واحدة من كوارث العصر الحديث؛ ولن تقوم الأمم الأخرى نيابة عن العرب بالتعامل مع هذه المرحلة السوداء في التاريخ العربي.

وأخيرًا ليس خافيًا عن تلك القوى تخاذل بعض دول الجوار السوري، مثل العراق ولبنان والأردن، التي فضلت عدم الدخول في صراع مع نظام استخباراتي مستبد، أو آثر بعضها الإبقاء على مصالح تجارية متبادلة، حتَّى وإن كانت في نطاق محدود.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة