Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
فضاءات
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
غازي القصيبي
سيمون نصار

 

(1) يمكن الجزم، أن الأدب الجيد، يكتب بالعرق والدماء. لكنه أيضاً، يكتب بالفاجعة أو على الأقل، بما يلامس الفاجعة بحدودها التي تترامى في بقاع الذات كأنها صحراء بلا نهاية. والأدب الجيد، غالباً، يعاني من مشكلة، عويصة، تتكرر في كافة الأزمنة وتتلخص في كونه، أي هذا الأدب، خارج لعبة الكتابة الثقافية والحياة الثقافية والمعايشات الثقافية من كل لون وصنف ومثال، فيما خلا بعض الكتاب الذين يعتبر نشاطهم الثقافي وحركتهم الدائمة رافعة لكتاباتهم. ولو كان الحكم على الأدب الجيد، سريعاً، وبرقياً، لما كان يمكن نعته بالجيد. ذلك أن من ميزات الأدب الجيد، أنه، يبقى في العتمة حتى تنتهي عمليات التصفية والتفضيل والتي قد تأخذ عقوداً وقد تزيح أجيالاً. وربما، هنا يمكن الإشارة إلى أن صاحب الأدب الجيد، نادراً ما يحتفل مع الآخرين بجودة ما يكتبه بل تقوم أجيال بتقدير قيمة ما كُتب. فإما ترميه في سلة مهملات التاريخ أو تعيد قراءته بتمعن وتضعه في خزنة مذهبة.

ليس الكلام الذي سبق، عن كاتب بعينه، حيث يمكن أن يعده، بعض الخبثاء، مديحاً من وراءه غاية. لكن الحقيقة أنني، أفكر بما سبق كلما فكرت بالكتابة عن الراحل غازي القصيبي، الذي بقدر ما كان مؤسساتياً كما أندريه مالرو وساهم ذلك في نجاحه، بقدر ما ساهمت تعددية موهبته في إضعاف بعض نصوصه. وتراوحها بين الغث والسمين. فقد تعدد غازي القصيبي، حتى أصبح كما لو أنه سوبر ماركت معولم، يمكن للمرء أن يجد بداخله كل شيء، لكن غازي الذي رحل قبل عامين، عاش، ولو لوقت قليل وهو مزهوٌ بما نشر من أدب. فقد كانت رواياته ولا تزال الأشهر في الأدب السعودي لأسباب كثيرة، لا تتعلق فقط بجودتها وجديتها. بل على الأغلب والأعم، برمزيتها والمنصب الوظيفي الذي يخدم وخدم هذه الرمزية، ثم بصعود نجم ما كتبه من روايات في فترة شهدت، بكل بساطة، صعوداً مميزاً للحركة الأدبية السعودية، كانت تتشكل من نجوم كثيرة لكن غازي كان قمرها الوحيد.

لم تكن « أبو شلاخ البرمائي « الرواية الوحيدة التي استعمل فيها القصيبي أسماء مرمزة لأشخاص معروفين مثل محمد حسنين هيكل. في ذلك الوقت، يوم نشرت هذه الرواية، اعتبرت أن الرمزية لخدمة الإساءة قد لا تكون أولاً من شيم العرب وثانياً من صفات الأدب الجيد. لكني مع مرور الوقت، وبعد قراءة شاملة لنتاجه الأدبي والسياسي والإداري، اكتشفت أن ما كتبه القصيبي حول هذا الشخص، كان نتاج خبرة حياتية ووظيفية، وأن كل ما ساقه من توصيفات في ذلك الوقت، كان صحيحاً، كما لو أنه كان يكتب سيرة ذاتية، بأجر زهيد، لشخص آخر. تتقاطع محطات حياته كما لو أنها شبكة طرقات سريعة في بلد لا يوجد فيه أي قانون للتنظيم المرور.

يمكن تقسيم ما كتبه غازي القصيبي في الرواية إلى مراحل عدة أهمها على الإطلاق، فترة صعود فكرة القومية العربية واغتصاب فلسطين وما تلاها من صعود لنجم عبد الناصر والنكسة ومن ثم السادات والاعتراف بإسرائيل. وكذلك الفترة التي تلت حرب الخليج الثانية وما رافقها من سقوط لمفاهيم الأحزاب السلطوية مثل البعث في العراق وسوريا، وتحولها إلى إقطاعيات عسكريتارية، تشكل خطراً جسيماً بوجودها على الكيانات المستقرة دستورياً وملكياً. مع إشارة بسيطة إلى أن القصيبي، تأثر كثيراً بانتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى أواخر الثمانينات والثانية بداية الألفية. وقد عبر عن ذلك، بالكثير من الكتابات، لعل أهمها، القصيدة التي خص بها محمد الدرة الطفل الفلسطيني الشهيد الذي قتله الجنود الإسرائيليون وهو يحتمي بصدر والده.

القصيبي، الذي انفرد من بين كتاب الأدب بالسعودية، من كونه عاش أخصب الفترات التي عاشتها المنطقة العربية على مستوى الانتعاش الفكري والثقافي، تكمن أهمية ما كتبه، كونه، سجل بعين مواطن ومسئول سعودي، ما عاشه في تلك الفترة. فإن كان القول يصح على نجيب محفوظ، أنه، سجل الحياة الاجتماعية في أحياء القاهرة الشعبية، ونال نوبل وشهرة لم يحصل عليها أحد، فإن القصيبي قام بحشو رواياته بأحداث، أدخلها إلى الأدب عنوة، ذلك أنها لا يمكن أن تخرج إلى العلن بغير هذه الطريقة. أما الصعب في الكتابة عن القصيبي، فيتعلق بما سقته في البداية. حيث لا يمكن الحكم على شخص كتب الأدب بأشكال متنوعة. فهو شاعر وروائي وقاص، ثم، هو سياسي ودبلوماسي من طراز نادراً ما يوجد أو إنوجد في العالم العربي، ثم، هو إداري يقدس الوظيفة ولا يمكن نسيان إسهاماته فيما يتعلق بهذا الجانب العملي الصرف. ولعل كتابه حياة في الإدارة، الذي لا يزال يوضع في خانة أكثر الكتب مبيعاً، أهم شاهد على ذلك. لكن، وبما أن القراءة الحقيقية التي يمكنني قراءة القصيبي من خلالها، هي الأدب، فإني مدين لهذا الرجل، الذي اعتقد إنني امرأة ذات يوم، بقراءته موضوعياً، بعدة مقالات أتمنى أن تفيه حقه. ذلك أن القصيبي أولا، كاتب لا يمكن نسيانه بتق ادم الأيام ولا يمكن إشاحة النظر عن ما أنتج بسهولة، حيث ربى وساهم بتربية عدد كبير من كتاب السعودية الكبار. كما لا يمكن النظر إلى وفاته على أنها نهاية له. مهمة وحيدة كنت أتمنى لو كان القصيبي تصدى لها في حياته. هي وزارة الثقافة السعودية، التي لو كان تسلمها هذا الرجل، المقبول والمحترم من جميع التيارات، لكان غير مسار الثقافة في بلد يعيش المثقف فيه وينتج وينشر خارجه.

s.m1888@hotmail.com باريس

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة