Culture Magazine Thursday  27/09/2012 G Issue 381
فضاءات
الخميس 11 ,ذو القعدة 1433   العدد  381
 
فوز المرأة و قهر الرجال
د. لمياء باعشن

 

ما أن تم الإعلان عن فوز الشاعرة السودانية روضة الحاج بجائزة سوق عكاظ في عامه السادس، حتى شاع الامتعاض في الساحة الثقافية وانتشر التبرم بين الرجال، وفي حين كان من المؤمل أن تعزز الجائزة مكانة المرأة في السوق التاريخي، وبالتالي في الوسطين الثقافي والاجتماعي، إلا أنها في واقع الأمر فتحت عليها أبواب النار وأخرجت حمم التمييز والانحياز التي تأبى أن تفارق الوعي الذكوري المتجهل.

خمس سنوات من الصمت الذي كان ينم عن القبول والرضا عن الجائزة ومستحقيها، بل حتى وعن حجبها العام الفائت، شقها صراخ الرجال الذين صفقوا لروضة على مضض، مستكثرين عليها الجائزة ومستنكرين فوزها الذي لا يعني عندهم سوى عدم فوز رجل آخر. خمس سنوات من الرضا الصامت أنهاها البزوغ المفاجئ للحس النقدي العالي وللمعايير الشامخة وللأسس الرفيعة.

فجأة ظهر التقييم العام لجائزة عكاظ وجاءت النصائح التي ترجو لها كل خير وتقدم، فيلاحظ الدكتور صالح زياد أن الفائزين بالجائزة « منذ أُسِّست إلى دورة السوق هذا العام لا يشكلون نسقًا يمكن الدلالة به على وعي متماسك لدى القائمين على الجائزة وله معايير قياسية في الاختيار مهما كانت هذه المعايير، فما الذي يجمع مثلًا بين عيسى السلامة وشوقي بزيع وروضة الحاج على التوالي؟!..

الفائزون بالجائزة أيّ جائزة هم من يعطي الجائزة صدقيتها ويدللون على الوعي الذي تنبع منه اختياراتها، وأخشى أن تفقد جائزة شاعر عكاظ بذلك الثقة فيها.

« ويكرر عالي القرشي اللعب على وتر المعايير الضعيفة التي سمحت بفوز روضة قائلاً: « أرى أن يستثمر في هذا الأمر آراء وترشيحات المؤسسات الثقافية والأكاديمية في المملكة وغيرها من البلاد العربية وغيرها أيضًا في الهيئات العالمية في هذا الترشيح على غرار ما تفعله مؤسسة الملك فيصل العالمية بحيث يضمن للأسماء الفائزة في عكاظ أن تكون أسماء فاعلة لها حضورها الثقافي والأدبي في المشهد العربي».

(المدينة، 18092012هـ) أما مسفر الغامدي فيرى أن جائزة شاعر عكاظ تحتاج إلى إعادة نظر، « فشروطها وآليات اختيارها ولجان تحكيمها» يجب أن تكون « على مستوى الرمز التاريخي الذي تحمل اسمه والمكان الذي تنتمي إليه».

(عكاظ، 28101433 هـ) الجائزة إذاً عشوائية المعايير بدليل فوز امرأة بها..!! لكن التشكيك في استحقاق الفائزة يتخبط في كل اتجاه، فإلى جانب انتقاد لجان التحكيم وآليات الاختيار، يتوصل أحمد زين في تحقيق صحفي قام به لجريدة الحياة إلى أنه « في كل الأحوال لا يبدو أن هناك ارتياحاً كاملاً بفوز هذه الشاعرة...»!!! ويحاول زين جاهداً أن يجد أسباباً، ليس لعدم الارتياح العجيب، ولكن لفوز الشاعرة الذي « لم يشكل، وفق شعراء ومثقفين، إضافة نوعية للجائزة».

يعطينا أحمد زين أكثر من (ربما) ليبرر ذلك الفوز: « ربما هو سعي السوق إلى إعادة الاعتبار لخنساء الشعر، وتحية لنضال المرأة على كل الأصعدة، وربما لاحراز سبق فريد من نوعه بقصد الترويج لنفسه، أو لعل المنافسة خلت من ترشيح شعراء كبار لأنفسهم».

(الحياة، 20 سبتمبر 2012) وفي هذا التحقيق يعبر سعد البازعي عن ابتهاجه بمظاهر الفوز: بالمشهد الرائع الذي يتم فيه تتويج الشاعرة أمام الناس في بيئة متشددة، لكنه يهجو باطن الفوز ويصدرحكمه على قصيدة الشاعرة في المهرجان بشكل مباشر:» قصيدة تقليدية تجيد بنائها ولغتها، لكنها باتت مستهلكة».

هكذا وبكل وضوح يسقط الحكم النقدي قصيدة الشاعرة، فلا شيء يميزها حقاً لتفوز بالجائزة!! أما الناقد محمد جميل أحمد، وهو ابن بلد الشاعرة روضة الحاج، فيحتار في طرق التنديد بفوزها، وتنعكس تلك الحيرة في الاعتراض المبهم الذي يبدو أنه يتهم فيه الشاعرة أنها « تعيش في كنف المؤسسة الرسمية وتنعم بامتيازاتها».

ولكم أن تعودوا لتحقيق الحياة وتقرأوا ما أدلى به من كلام غريب حول اللحظة الشعرية والأصوات الحرة؟؟؟ لكن من الواضح أن الشاعر والناقد السوداني لم يكن سعيداً بفوز مواطنته، وأنه يفضل لو فاز مواطنه محمد ملتي، أو طبعاً أي شاعر آخر عدا النساء.

(الحياة، 20 سبتمبر 2012) وإن كان لدى القارئ شك في أن الهمز واللمز الدائر حول الجائزة هو في أصله استنكار صارخ لفوز امرأة، فليقرأ هذا المانشيت العريض بجريدة الرياض: أحمد البهكلي: مع أن المرأة ملهمة الرجل.. إلا أن شعرها «ضعيف» على مر التاريخ.

عندما سئل البهكلي عن فوز روضة الحاج فضل « الإعفاء من الحديث عن إجابة أي سؤال يتعلق بهذا الموضوع»، فهو لا يميل إلى أن يخصها بتعليقه وإنما يريد أن يعلق على شعر النساء عموماً فيصمه بالضعف، والسبب المضحك لهذا الضعف في نظره هو أن الرجل قد لا يكون ملهماً لها كما تلهمه هي.

أين المنطق في هذا الاستخلاص التاريخي المبهر؟ هل نعتبر أن شعر الرجل قوي فقط لأن المرأة تلهمه؟ وهل يحسب هذا الإلهام للمرأة أم الرجل؟ بمعنى آخر، هل نجحت المرأة في إلهام الرجل أم نجح الرجل في جعل المرأة ملهمة له؟ والسؤال المعاكس هو هل فشل الرجل في إلهام المرأة، أم أن المرأة فشلت في جعل الرجل ملهماً لها؟ في كل الأحوال، سيقول لكم أي ناقد في العالم أن مصدر الإلهام لا علاقة له بجودة الشعر وقوته مطلقاً.

(الرياض، 18092012هـ) يظن البهكلي أنه بهذا الحكم الباتر الذي يُسقط شعر المرأة عموماً قد أعفى نفسه من حرج الإساءة للشاعرة الفائزة، ولكنه لا يجد حرجاً في الإساءة لكل النساء، متظاهراً أن الحكم العام لا يمس روضة الحاج بالضرورة.

والبهكلي ليس الفحل الوحيد الذي يتصدى لمهمة إضعاف شعر المرأة، ففي مانشيت آخر وبالخط العريض طالعتنا جريدة الرياض أيضاً بمقولة تنضح بالمرارة: « جانب النقاد الصواب حين أرادوا أن يكون شعر المرأة بمستوى قوة شعر الرجل!»..

فالشاعر الموريتاني القاضي أبو عينين يرى أن شعر المرأة (العربية) ينبغي ألا « ينفصل عن عاطفتها وشعورها لأن للمرأة طبعها الخاص في الكتابة وفق ما تنضح به مشاعرها».

حتى في الشعر تصبح المشاعر نقيصة!! سبحان ربي، وهل تكتب المرأة الشعر بعضلاتها حتى يتفوق الرجل في قوته الشعرية؟ (الرياض، 16092012هـ) طبعاً المقصود هو أن الرجل صاحب العقل المتكامل يكتب شعراً قوياً، بينما فارغة العقل لا حول لها ولا قوة سوى اللجوء بالضرورة لعواطفها الرهيفة تستمد منها أبياتاً ضعيفة واهنة.

من أجل هذا القصد المحرك لكل اعتراضات الرجال على فوز روضة، تورط الباحث أشرف سالم في جدل عقيم ليلة تكريم الشاعرة في نادي جدة الأدبي.

حين تطرق الحديث إلى معاناة المرأة الكاتبة واصطدامها بمعوقات كابتة، فوجئنا بصراخ الباحث وغضبه الشديد من هذه الفكرة، فهو يؤمن بأن المنتج الجيد يفرض نفسه مهما كانت الظروف، ولكي يبرهن على صحة إيمانه فقد تساءل: « هل تواطئت فرنسا على تصدير أدب فولتير وموليير إلينا؟ وهل تواطئت روسيا لإيصال أدب تولستوي ودوستويفسكي لنا؟» ولأني لا أجد رابطاً منطقياً بين معاناة المرأة في مراحل تاريخية عديدة مع الكتابة وبين وصول روائع الأدب العالمي لقرائنا، فجوابي على السيد الباحث هو: ربما تواطئت فرنسا ضدنا فمنعت وصول الإبداع الرجالي العربي إلى قرائها، وربما تواطئت روسيا علينا فأجبرت شعبها على تجاهل البارعين من الكتاب العرب.

لماذا لا يعرف العالم أحداً من كتابنا الكرام ولماذا يعجزون عن الفوز بجوائز عالمية عاماً بعد عام؟ أليس فيهم من يكتب عملاً جيداً يفرض نفسه؟ وأرجو ألا يتفضل أحد بتوضيح عقبات الترجمة والتوزيع واختلاف الثقافات، فنحن لا نعترف بالمعوقات.

السيد أشرف يريد أن يثبت لنا بصراخ المستميت أن المرأة لا تنتج أدباً جيداً، ولذلك عجزت عن فرض وجودها على مر التاريخ.

في مقاله، (عنتر أبيض في سوق عكاظ)، يخرج محمد الأحيدب بقناعات جديدة يخصنا منها ما حدثنا به عن: «طرف محايد خارجي متابع ومؤهل يتمثل في أديبة وشاعرة عربية شقيقة» أبلغته عن استيائها من كثير من السعوديات اللواتي « صنفن كمثقفات وشاعرات وأديبات لمجرد أنهن عنصر نسائي، وليس بناء على تأهيل فعلي».

وبالتأكيد فقد هلل الرجل وكبّر، فالاستياء جاء على الجرح الذكوري النازف.

الأحيدب لم يصل الى قناعة جديدة، بل هو جدد قناعته السابقة برداءة الإبداع النسائي السعودي بالتحديد، ثم فزع إلينا بالنبأ اليقين الذي أسرت به شاعرة مغمورة لا نعلم طبيعة تأهليها حتي تصدر حكمها ضد شاعراتنا وأديباتنا ومثقفاتنا.

أصلاً، متى كان الإبداع مرتبطا بمؤهلات محددة؟ وما هي الجهة التي تتولى تصنيف المبدعين حتى نلومها على وضع مثقفات ذوات «إمكانات متواضعة» في درجات ثقافية عليا لا يستحقنها؟ وكيف ثم كيف أصبح ضعف التأهيل ومجاملة التصنيف والإبداع غير الحقيقي، شأناً خاصاً بالنساء دون الرجال، وبنسائنا نحن دون نساء العالم أجمع؟ (عكاظ، 15092012هـ) وسأهمس في أذن تلك « الطرف المحايد الخارجي المتابع المؤهل» وأقول: صدقيني يا أديبة ويا شاعرة ويا عربية ويا شقيقة، لولا أن حكمك جاء متحيزاً ضد المرأة، لفقدت مصداقيتك وحكمة حكمك، ولما أصغى إليك رجل ولا أيقن ولا صادق، ولو أنك في يوم من الأيام أصبحت شاعرة مشهورة وتجرأت على الفوز بجائزة عكاظ مثلاً، لاستكثرها عليك الرجال ولصوبوا سهام مرارتهم نحوك رغم كل متابعتك وتأهيلك وأدبك وشعرك!! هكذا دون أدنى لياقة أو لباقة ينفث الرجل قهره في كل اتجاه، محقرا كل إنجاز نسوي، مقللاً من شأن الجائزة ومن شأن الفائزة ومن شأن نساء الأرض أجمعين.

كل فوز للمرأة هو مهادنة ومجاملة وخلل وانحراف، إذ كيف تجرؤ هذه المخلوقة الأقل شأناً والأضعف عقلاً أن تحظى بالفوز بينما تنتظر مجاميع الرجال دورها؟ حين تفوز المرأة لا يغير الرجل قناعاته، بل يزيح أقنعته ساخطاً وكاشفاً عن انحيازه وتمييزه ضد المرأة.



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة