Culture Magazine Thursday  27/12/2012 G Issue 391
فضاءات
الخميس 14 ,صفر 1434   العدد  391
 
ثقافة ما بعد الانتخابات 2012
هل فشلت ثورة الربيع الثقافي في السعودية؟
سهام القحطاني

 

أعتقد الكثير منا وأنا منهم بالطبع أن ثقافة 2012 في السعودية ستكون مختلفة؛لأننا نعيش ثورة الربيع الثقافي بفضل الانتخابات الأدبية، والتي فوّضنا من خلالها شرعية أحلامنا بمستقبل ثقافي يراعي قيمة تلك الثورة، وأن كل شيء في ثقافة ما بعد الانتخابات سوف يتغير، الاعتقادات والمناهج والخطاب وغايات الفعاليات الثقافية.

لكننا اكتشفنا أو على الأقل أنا أنها»خمور قديمة في قوارير جديدة»، وأن لا جديد تحت شمس الثقافة السعودية.! أو هكذا أعتقد.

والحكم هاهنا يدخل وفق شرعية التجربة الجديد،المُلِزمة بضرورة صدق الحاصل لضرورة صدق فاعلية الفاعل.

وهو ما يعني هل «إنتاج الثقافة السعودية لعام 2012» يتناسب مع الثورة الثقافية التي أحدثتها الانتخابات الأدبية؟.

لكن إن كان قياسنا لمستوى» ثقافة ما بعد الانتخابات» بنفس «مقياس» ثقافة ما قبل الانتخابات،فذلك يتضمن تغيبا لضرورة صدق الحكم.

والملاحظة السابقة أو المدخل إلى تقويم ثقافة 2012 التي تُحسب وفق مقتضى الحاصل على ثقافة ما بعد ثورة الانتخابات الأدبية في السعودية،هي احتراز استباقي أقدمه لمن يعتقد خلاف ما أعتقده والبينة على «المُثبِت» لا «المُنّكِر».

والحكم التفسيري على «ثقافة 2012» ثقافة ما بعد الانتخابات الأدبية ووفق ما أعتقده أيضا يستند على جانبين؛

الجانب الأول أن ليست كل حركة تساوي وجودا، مع الوضع في الاعتبار أنني لا أنكر ذات الحركة، إنما إنكاري يختص بصفة الحركة ونوعها»؛لأنهما مصدر «قيمة الحركة».

ووفق ذلك فأنا أبحث في ثقافة ما بعد الانتخابات عن «حركة الإضافة» لا حركة «الاعتياد والتكرار»، ولذلك فإن تقويمي لحاصل الفاعلية الثقافية لثقافة ما بعد الانتخابات معياره يعتمد على توقع الإنجاز «المُضِيف» لا «المستنسخ أو المُكرر».

واشتراط الإضافية في تصميم الفاعلية الثقافية وحاصلها ليس فيه «شطط أو تطرف» معياريّ؛لأن مستند الخاصية المعيارية هاهنا مرتبط بمؤثِر مخصوص يلزم منها تحقيق حاصل يوازن كفاءة وكفاية مقدار قيمة المؤثِر.

و»التدليس التقويميّ» يحصل لو فرّغنا المعيارية عن تلك الخاصية لتكتفي بتحقق ظاهر التكوين لا قيمته.

ولذلك يُصبح الحكم على أي حركة خارج شرطية الإضافة وتحقق توازن الكفاءة والكفاية مع مقدار قيمة المؤثِر «حكم فاسد « والقبول بتحقق ظاهر التكوّن مُجاوِز لدعم شرعية تخالف تاريخ الصلاحية المفروض وفق مقدار قيمة المؤثر.

وقد يرى البعض إن إنكاري لحركة الفاعلية لثقافة ما بعد الانتخابات غير صحيح،وهذا الرأي يستند إلى أن الميدان الثقافي لدينا مايزال «يدور» في دورة حياتية كاملة.

أولا أنا لا أعلن موت الميدان الثقافي ولذلك لا أنكر حركة الدورة الحياتية الكاملة للميدان، وثانيا لأصحاب هذا الرأي سؤال قد يُوّضح «أبعاد الحركة التي أقصدها».

فهل دوران الميدان الثقافي حول نفسه دورة حياتية كاملة هو دليل على الحيوية والتجديد والتغير؟

وهذه من كبرى إشكاليات ثقافة ما بعد الانتخابات؛أقصد «مأزق الدوران ومؤشراته»؛وهو مأزق؛ متى ما أثر في المعتقد الإجرائي لصانع الفعالية الثقافية وتحكم في سيّرها.

ليس لأنه يصيب صنّاع الفعالية الثقافية «بلعنة التكرار» فقط وهي اللعنة المقاوِمة «للإضافة والتجديد»،بل لأن تلك اللعنة دوما مُغرِية «بفتنة استغلال الجاهز» ؛ليس لأن الجاهز المُتاح هو الأفضل بل لأنه الأسهل في «خداع الإنجاز» وبما لا يدخل في «قيمة الإنجاز»!، وهذا الاعتقاد بدوره هو الذي يُؤسس» قدسية النمط».

فمنطق قدسيات الأنماط التي ورثناها ماهي سوى حاصل «لعنة الدوران» والفتنة بغواية كمالية الجاهز» التي تخدع بدورها خاصية المعيار القائمة على وجوب الإضافة بما يتوازن مع مقدار قيمة المؤثر.

وقد يسأل البعض إذا كانت «الإضافة» شرط الخاصية المعيارية للحكم على الفاعلية الثقافية لثقافة ما بعد الانتخابات فكيف نقيس تلك الإضافة وما مصادر تطبيق ذلك القياس؟.

والإجابة على السؤال السابق هو الجانب الآخر الذي يستند عليه الحكم التفسيري لتقويم الفاعلية الثقافية لثقافة ما بعد الانتخابات.

وهذا الجانب بدوره يتكون من أربعة مستويات هي؛ كيفية تفاعل وزارة الثقافة مع حاصل ثقافة ما بعد ثورة الانتخابات الأدبية، وتقدير الأندية الأدبية لقيمة التجربة من خلال بناء إستراتيجياتها وخططها الثقافية، و فاعلية المنشط الثقافي في ضوء متطلبات ثقافة ما بعد الانتخابات الأدبية،و اندماج المثقف السعودي مع الثورة الثقافية سواء الحاصلة من الانتخابات الأدبية أو ثورة الربيع العربي.

وتقييم ثقافة ما بعد ثورة الانتخابات الأدبية يجب أن يتم من خلال تلك المستويات باعتبارها أنها هي الأدلة التي تُمكننا من متابعة شريط قياس وضبط التغير، وبذلك تُصبح تلك المستويات هي آلة قياس وممثل تقييس معا.

لعل الدهشة الأولى التي صدمتنا في ثقافة ما بعد الانتخاب هي «سلبية وزارة الثقافة» نحو تجاوزات بعض إدارات الأندية الأدبية وهي تجاوزات لم تتم وفق نية خبيثة مُبيّتة إنما ارتداد لجدة التجربة وحداثة أعضاء الإدارات، وحينا فقدان تلك الإدارات التأهيل المطلوب لقياد ثقافة ما بعد الانتخابات، وهو سبب قد يُفسر لنا وقوع إدارات الأندية الجديدة في «لعنة التكرار» و»غواية الجاهز».

كما ظهرت سلبية الوزارة أيضا في موقفها من «غيبوبة الجمعيات العمومية» للأندية الأدبية. وأنا أتفق أولا مع منطق الوزارة أن الانتخابات الأدبية وحاصلها «محصن باستقلالية ثقافية»، لا يمكن الاقتراب منه، واحترام تلك «الاستقلالية» هي التي تدفع الوزارة إلى الوقوف على «الحياد» وليست السلبية.

لكن هذا الموقف مع سلامة المنطق لا يُبرر تملّص الوزارة من دورها الإرشادي الذي يُحافظ على مبادئ التجربة ومكتسباتها، وخاصة وأن «التجربة جديدة» تحتاج إلى مرشد يملك إمكانيات توعوية مثل وزارة الثقافة، وضعف تأهيل ممارسي التجربة،و أن التعلّم بالخطأ هنا ليس هو المقام المناسب لهكذا فكرة.

وأنا هنا لا أدعو إلى تدخل الوزارة في شؤون الأندية الأدبية لأني ضد التدخل،لكني كنت أتمنى أن تقوم بدورها في حماية «صدق تجربة ثقافة ما بعد الانتخابات» ومتابعة التشكل العمودي لأهداف وغاية التجربة وخاصة بعدما تمّ إثبات «غيبوبة الجمعيات العمومية» وهو ما يعني العودة المرة إلى» تكريس الأحادية « في الأندية الأدبية في صناعة القرار الثقافي، مما قد يؤدي إلى فوضى وتلاعب وفساد تحت غطاء إدعاء الاستقلالية الثقافية.

ووقوف وزارة الثقافة بجوار الأندية الأدبية للإرشاد والمتابعة والتوجيه لا يجرح استقلالية الأندية كما لا يُوقع الوزارة في شبهة استعمارها الثقافي.

والمؤشر الثاني هو إستراتيجيات الأندية ويمكن قياس هذا المؤشر من خلال المؤشر الثالث»الفاعلية الثقافية»، ولو تأملنا الفعاليات الثقافية التي نفذت عام 2012 لاستنتجنا أن «ما أشبه الليلة بالبارحة» والتغير الوحيد هو «تغيير شعار الأندية»، لكن الباقي من موضوعات وطرائق التفكير والتداول ظل كما هو، وكأن الجميع يتسابق إلى حافة الإفلاس الثقافي.

وأظن أن هناك سببين يهددان الجميع «بالإفلاس الثقافي»؛ سبب يعود إلى أن أعضاء إدارات الأندية الأدبية الذين يقودون ثقافة ما بعد الانتخابات هم أنفسهم من أعضاء إدارات ثقافة ما قبل الانتخابات وهذا يفسر تكرار الفاعلية الثقافية،كما يُفسر أن «الحرس القديم» للأندية الأدبية لم يفهم حتى الآن متطلبات ثقافة ما بعد الانتخابات.

والسبب الثاني أن أعضاء إدارات الأندية الأدبية بعد الانتخابات من فئة «الموظفين الثقافيين الجدد» وهؤلاء فضّلوا تكرار خطط من سبقهم دون مراعاة متطلبات وأهداف وغاية المرحلة الجديدة ، من باب أن المعروف خير من الجديد،وهو منطق يكشف عجز الفئة الجديد من الموظفين الثقافيين على بناء إستراتيجية مستقلة عن ثقافة ما قبل الانتخابات.

وكلا الفريقين غاب عنه تمثيل ثقافة الإصلاح التي هي مرتكز ثقافة ما بعد الانتخابات.

ومن الأحداث الثقافية الصادمة في 2012 ثقافة ما بعد الانتخابات ثقافة حرية الاستقلال الثقافي والفكري ما حدث في ملتقى القصيم الذي كشف عن «ممارسة ذميمة للإقصاء الثقافي» عندما ألغى الملتقى ورقتين مخصصتين لعبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف،لنثبت للجميع أننا متطرفون بالإقصاء حتى النخاع،مما يذكرنا بأننا نعيش في خدعة ثقافية اسمها»استقلال حرية الثقافة»، وخاصة في ضوء ارتفاع وتيرة الصراع بين المثقفين المحسوبين على التيار المتدين والمثقفين المحسوبين على ما يُسمى بالتيار الليبرالي والاتجاه نحو «ثقفنّة الدين» و»فقهنّة الثقافة».

أما على مستوى «المثقف السعودي» المحسوب على التيار التنويري فيبدو أنه وجد في «معارك تويتر» تعويضا يستر قهره الفكري وعجز فحولته الثقافية مقابل تصاعد أسهم المثقف المتدين والإسلام الثقافي الذي كشف الضعف الجماهيري للمثقف المحسوب على التيار التنويري، وسحب منه البساط ليصبح مثقف الإسلام الثقافي هو قائد ثقافة ما بعد الانتخابات.

و بعد كل ما سبق يمكنني وصف الثقافة السعودية 2012 ثقافة ما بعد الانتخابات بعبارة «للخلف دّور».

sehama71@gmail.com - جدة
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7333 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة