Culture Magazine Thursday  27/12/2012 G Issue 391
فضاءات
الخميس 14 ,صفر 1434   العدد  391
 
أخرج عقلك.. وارقص فوقه
بدر التيهاني

 

ليست الفكرة التي تنبع من عقلك دليلا على أن عقلك يعمل فقد تحتاج كثيرا إلى إحداث زوبعة وضجة عقلية لكي تحصل على فكرة رائعة ونتائج مذهلة، ولا يعني هذا أن كل ما تقدمه هو خاطئ ولكن العبرة بما يمكن أن تراه من نتائج وصداها على أرض الواقع.

كنت على مقربة ذات يوم من الوقوع في مشادة بيني وبين أحد الأصدقاء وذلك بعد أن تعرى فكره وانكشف ستره (العقلي) بحيث أراد أن يتمسك بفكرته التي أسميها تخلفا بعض الشيء، بأن يصدح وينهق من أجل أن لا يقال له هزمت في الحوار وليته كان متحمسا لتغيير نفسه كما كان متحمسا للفوز بالحوار، الحديث كان مطولا ويناقش العديد من القضايا التي أرهقت المجتمع بجنسيه وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير بأنه تمسك بعبارة وهي (المرأة ناقصة عقل وإن اتبعتها فهي تؤدي بك إلى المهلكة).

أنا على يقين بأن هذا ما هو إلا نموذج لكثير من العقول الصدئة والتي ثبتت هذه الفكرة بمسامير من الفولاذ داخل أروقة دماغ لم يخلق لكي يصمت، ولكن خلق لكي يتغير ويغير وليس لتثبيت أمور أشبه ما نطلق عليها الجمود والتخلف، أليس من الطبيعي أن يموت هو وغيره من المجتمع وهم قد سلموا عقولهم طواعية لرموز همسوا في آذانهم بشكل غير ملحوظ بهذه الفكرة؟ أليس من التخلف أن يبقى فكره وهو رجل قد تخطى مراحل في التعليم ليست ببسيطة أي بمعنى (أكاديمي) ولكن بصبغة متخلفة بأن يؤمن بشيء لا وجود له؟

اقتباس فكرة وتحليلها وفقا لفكرة إلى أهواء شخصية وبممارسات مقيتة لعادات جاهلية ثبتت هذه الأفكار في رأسه، وتيقن وآمن بها دون أن يسأل أو يحلل أو يغير من فكرته التي لطالما احتاج في لحظات كثيرة إلى التفكير فيها ولكنه فضل الاسترخاء والاتكاء على رأيه من باب القطع وعدم ممارسة أي نشاط عقلي يغير ما كان يردده جده من قبله، والأدهى بأنه اتخذ الصبغة النظامية الدينية لتثبيت كلامه دونما أدنى جهد لتغيير ما يختزن عقله من براثن.

المرأة يا عزيزي حتى وإن كنت ممن يؤمنون الإيمان الكامل بأنها خلقت وهي ناقصة، فأنتم تشوهون صورة الخالق بأنه لم يحسن الصنع في هذا الكائن الغريب وبالتالي أطلقتم الأحكام على رب سير الجبال وأوجد نظاما كونيا دقيقا فلن يعيقه فكرة تجسيد المرأة في كامل خلقها تعالى الله عن فكركم، وبالتالي إن كان هذا مدلولا دينيا فإن له تفسيراً ليس كما يعتنقه الكثير عندما يتم ذكر امرأة تلحق بها عبارة (تكرم) وكأنها أشبه بكائن غير طاهر فاسد الخلق والمكنون.

إن المرأة التي تكره أن تنطق اسمها أو المرأة التي تقول بأنها ناقصة لا تستطيع اتخاذ قرارها هي من أنجبت ذلك الكامل وأرضعته حتى أصبح عقله كاملا واحتضنته حتى صار يتكئ في أروقة الاجتماعات لكي يردد عبارة إنها (ناقصة) كيف لناقص أن ينجب كاملا؟ وكيف لهذا الكامل أن يقتبس قوته من حنين امرأة فاقدة للتفكير والحكمة ومن ثم تجده يتعالى عليها وهي من زرعت بداخله شيئا من الحب والإخلاص والوفاء؟ عقله في حالة مزرية وغيره الكثير والأدهى بان منهم من يثبتونه دينيا حتى أصبحت المرأة مهزوزة لا تستطيع أن ترى المرأة بغير صورتين، الأولى إنها ناقصة وثانيها حتى تثبت كمالها العقلي أضاعت الوقت لكي تبرهن بأنها كاملة وبالتالي أضاعت سنين إبداعها وهي خلف أن تبرهن كمالها.

ليس المهم أن تقتنع أيها المجتمع فهناك شواهد من التاريخ العظيم والحاضر الجميل من يستطيع أن يفكر بعقله لوجد بأنه يعيش على وهم ليس له قاعدة وفكر ليس له مكان في عقول الأغنياء فكريا، ولا ضير أن أقول بأن هناك موجة فكرية مجتمعية ترسخ هذا المفهوم.

أقولها وبكل فخر مادامت المرأة التي تعتبرها يا مجتمعي ناقصة فهي من استطاعت أن تكون عراب الكثير من المبدعين والمفكرين والناجحين وإن كانت كذلك ماذا لو وصلت إلى كمالها فماذا سنجني منها؟ ستصبح هي من تراك ناقصاً. كفانا تحجرا وجمودا وكفانا تعرية لفكرنا وموروثنا وكفانا هزلية ولتخرجوا عقولكم وتراقصوا فوقها لكي يذهب صدأها، فلطالما هناك من التغيير الذي نحتاجه ولطالما هناك العديد من الثوابت الفاشلة غير المنزوعة من كتاب وسنة نحتاج إلى تدميرها لكي نحيا ونتطور ونعيش.

يقول جيليت بيرجس (إذا لم تغير أحد مبادئك الكبرى، أو إذا لم تعتنق مبدأ جديدا فتحقق من نبضك فربما تكون قد مت)

لكم الفهم يامجتمعي.

@BTIHANI - جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة