Culture Magazine Thursday  31/05/2012 G Issue 375
فضاءات
الخميس 10 ,رجب 1433   العدد  375
 
ملمح من «فواصل في مآزق الثقافة العربية»
عبدالله السعوي

 

كثيرة هي المآزق التي تعانيها الأمة وفي المقابل كثيرة هي الاشتغالات التي باشرت قدراً من العمل على تسليط الأضواء على ملامح العطب الثقافي الذي أفضى ولا يزال إلى رفع درجة مستويات التخلف وتغذية مبلورات انبعاثها.

وفي هذا السياق تأتي أطروحة الدكتور إبراهيم التركي»فواصل في مآزق الثقافة العربية» هذا الكتاب الذي تلك الأسطر بصدد مثاقفته يأتي كأحد أبرز الفعاليات التنظيرية التي تسنى لها النفاذ نحو معاينة ما تواريه الأقنعة، وبالتالي تجلية شكلية ما يبدو وكما لو كان قيماً ثقافية متينة ولها حظها الوافر من التناسق والاطراد.

أكثر من خمسين مأزقاً أبدى الدكتور التركي براعة فائقة في تناولها وبلغة رامزة ومتميزة تعتمد في معظمها على التلميح دون التصريح، فتستدعي الرمزية وتوظف الجناس بطريقة فنية آسرة وإبداع لفظي جذاب.. تلك المآزق التي استهلها المؤلف بمأزق الاعتراف سأشير إلى اثنين منها على سبيل الإجمال.

أولاً: مأزق الاعتراف.. ومن خلاله مضى المؤلف لافتاً انتباه الوعي إلى شيء من ملامح ذلك التوتر العلائقي، حيث تطفح مشاعر الكراهية بين ذوي الرحِم الديني بينما الآخر ذلك الغريب البعيد الأجنبي يتم التعاطي معه بصورة تتجسد فيها ضروب من حالات الخلق الإنساني الرفيع إنها ازدواجية مقيتة تعكس قدراً من الاحتقان المتأجج الذي يعبر عن حجم غياب النفَس التصالحي وضمور فقه العلائق البينية، بل وتراجع مؤشراته إلى الحد الأدنى على نحو ينذر بأوخم العواقب.

هذا المخالف كثيراً ما نعمل على إقصائه ونستريب بملاحظاته فلا نصغي ولا مجرد الإصغاء وهذا ما يؤكده المؤلف بإحدى فواصله مستفهماً: «هل نقرأ ونسمع ما يكتب عنا؟.. وهل نعيه بمنطق المنصت لصوت مختلف قد يحمل شيئاً من الحق؟ أو َما يزال معظمنا راغبين عن التواصل مع الآخر مؤمنين أن طريقنا هو الأحق وأن كل ما يكتب أو يقال مخالفاً لما ألفناه أو ألّفناه كلام حاسد أو حاقد ولِم لا يتم مع هؤلاء -وبعضهم من جنسنا ويحكون بلساننا ويتجهون لقبلتنا- بعضُ ما نراه في التفاهم أو التفاوض مع الأباعد الذين نختلف عنهم لغة وقومية وديناً؟.. «إنها فعلاً أزمة تشكل نمط سلوكنا التواصلي وتصبغه بصبغتها هذا المأزق الذي يشخصه المؤلف وبقدرة أسلوبية لافتة يوضح حجم ما نعانيه من خلل بنيوي خطير في مجال التواصل مع المغاير وتفهم حيثيات قراره الذهني والتعاطي معه بالتالي على النحو الملائم.

ثانياً: مأزق الأبوية وقد ألمح فيه المؤلف إلى ذلك المنطق الأبوي المأزوم مستدعياً الواقع الثقافي الذي تعيش المرأة في أحضانه ومقرراً في الآن عينه وبلغة شاعرية أخاذة أن المرأة ليست» هي القضية هنا بل الشاهد على السلطة الأبوية التي امتدت لتشمل الطفل والبالغ والرجل والمرأة والمتعلم والعالم وبات الجميع على قلق، فالحديث بحدود والحوار بقيود والكلمات محسوبة مكتوبة والخروج عن النص معضلة قد تقود صاحبها إلى النفي من عالم التأثير وربما مجرد التقرير».

ويشير التركي في هذا السياق إلى سلطة العامة والعادة ك»مظهر من مظاهر الأزمة الفكرية التي تمر بها الأمة وهي التي تفرض الثبات وترفض التطور فلا يستقيم لها نهج أو يستقر معها منهج وربما رفعت ما وضعت ووضعت ما رفعت من دون محاكمات عقلية تحليلية تستجيب لأسئلة الوعي وشروط التقدم».

وهكذا أربعة وخمسون مأزقاً يقاربها المؤلف بذكاء نوعي وثقافة موسوعية وجرأة نقدية تلذع حيناً وتهادن حيناً آخر، وهو في كلتا الحالين يروم رسم حراك نهضوي فيتحرك بما لديه من رؤية إصلاحية حركة حثيثة بطريقة إبداعية تثير مزيداً من الإشكاليات وتفضح كثيراً من التناقضات في الحياة العامة على نحو لا يسعنا إلا أن نقول: إنها مقاربة إشكالية ألقت مزيداً من الأحجار في تلك المياه التي تأسنت بفعل طول زمن الركود.

Abdalla_2015@hotmail.com بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة