Culture Magazine Thursday  31/05/2012 G Issue 375
فضاءات
الخميس 10 ,رجب 1433   العدد  375
 
ثقافة الحكم على البشر
الممحاة انتهت وما زال القلم الرصاص
بدر التيهاني

 

من الطبيعي أن يتعامل مجتمعنا بكثير الجفاء مع بعضه البعض وهو قد تربى على السفك والحكم على الآخر بصفات تقيده وتحصره، ومن البديهي أن يكون هذا هو حالنا عندما نتفوه على بعضنا ما دمت أرى أن قدوتي لا يتجاوزني في قرابة الدم سوى الجد، ولو أننا أبعدنا أهدافنا مما هي عليه فسوف ترى عالما مغايرا وثقافة مغايرة لما هي عليه الآن.

لنعلم أن الحكم على الجمادات سهل جدا ويلحظه أي عالم أو باحث عندما يطلق أحكامه على جوامد يقوم بأبحاثه عليها فهي لا تتغير وأيضا تزداد فوهة الصعوبة في الحكم عندما يبدأ عالم النباتات بإطلاق حكمه على مجموعة بحثية يجريها على صنف معين من النبات، وكذلك فإن الصعوبة تكمن وراء جبل من التغيير الذي لا يستطيع أن يلقي أحد عليه أحكامه وهو الإنسان.

بطبيعته التي خلق فإنه يتجلى واضحا الصعوبة التي لا يمكن إنكارها عند الحكم على الإنسان، لما لا فأنت تتعامل مع عقل به الكثير من الثوابت والمتغيرات والعديد من الأفكار والأهواء والكثير من العقد والمستجدات، فكيف تستطيع أن تطلق جل حكمك عليه وأنت في الأساس لا تستطيع أن تفهمه حق الفهم وتعرفه حق المعرفة.

الذي يكون طبيعيا لنا أننا نحكم من دون قيود ونبرهن بأننا وجدنا على هذه الأرض قضاة وليس باحثين عن الحق فأصبحنا بقدرة قادر مجموعة منزهة من البشر نرمي ويلاتنا على بعضنا وعلى الآخرين عندما تختلف الأفكار والمناهج وتتصادم الآراء والموارد الفكرية. ليست هكذا هي الحياة فبالأمس شيخ يندد بالفضح وكشف المستور وقبله من يهدد بالنيل من زمر الفاسدين، نحن في تغير فما كان يقنع الآباء لم يعد يقنع الأبناء فإن كان الإقناع قديما بالجلد والويل فاليوم الإقناع بالحوار وتلاقح الأفكار، مشكلتنا أننا نعرف مرضنا ونعرف علاجنا ولا يمكن أن نتجرأ على استخدام ذلك العقار إلا عندما تحل الكارثة عندها تبدأ الأيادي بالأخذ والمحاولة لرد ذلك الطوفان. ليعلم بنو آدم بأنه ما كان لنوح أن يبني سفينته والسماء تمطر بل مر بمراحل من التفكير والتخطيط قبل التنفيذ ولكي نحيا لا بد لنا أن نخطط ونفكر ونبني مجتمعا لا يهزه عبارة زائفة أو أهواء حاقدة. علما بأننا ما زلنا نحن كما هم غيرنا أبناء آدم فلم نولد وبأيدينا مزاريب من ذهب لنقود بها أعناق الناس, لماذا يفكر الشاب أن يغير العالم وعندما يكبر يريد أن يغير في الشباب فقط؟ همته عالية لتغيير العالم ولكن هذا جهد ضائع فإذا لم تستطع أن تغير نفسك فلن تستطيع تغيير العالم، فلن تغيره بالتهديد ولا بالإكراه ولكن بالقدوة الحسنة.

أود ما أود أن أقوله بأننا بحاجة ماسة جدا إلى جرعة غير اعتيادية من الحب الذي غاب عن إنسانيتنا ومن ثم فلتنطلق الحياة فلعل ما لم نستطع تفهمه بعقول العداء أن نتفهمه بعقول الحب والوفاء عل كلامنا يصل لقلوب دافئة وليس لقلوب حاقدة ويصبح ما نريده هو تغييرا فكريا وحضاريا وتنمويا يفوق كل ما تتوقعه الدراسات وساعات الشورى الطويلات.

ليعلم الجميع بأنه عند انتهاء الممحاة التي مع قلمك الرصاص فاعلم بأنك أسرفت في الوقوع في الأخطاء أكثر من تدوين النجاح، وهم كثر في مجتمعي.

أكاديمي وكاتب صحفي - جدة @btihani

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة