Culture Magazine Thursday  31/05/2012 G Issue 375
فضاءات
الخميس 10 ,رجب 1433   العدد  375
 
أزمة الجمعيات العمومية
«ولا عزاء لمثقفي التكنوقراط»
سهام القحطاني

 

هل تعيش التجربة الثقافية ما بعد الانتخابات الأدبية أزمة؟

تُقاس الأزمة عادة بخمسة مؤشرات هي غياب الإنتاج أو البطء في الإنتاج أو عدم تطابق مواصفات المنَتج مع أصل القيمة، وسلبية الفاعل وغياب التخطيط والمنهج وقلة الإمكانات، و»فساد معايير التقويم»، وسأركز في هذا الموضوع على «فساد معايير التقويم» و»سلبية الفاعل التكنوقراطي» أو الفاعل التخصصي.

لا شك أن الانتخابات الأدبية كانت بمثابة «ثورة ثقافية» في السعودية أسقطت «النظام الثقافي» الذي هيمن سنوات طوال على المشهد الثقافي وهو سقوط استتبع سقوط «طبقة المثقفين» الذين كانوا ينتمون إلى ذلك النظام، وظهور نظام ثقافي جديد وبروز «طبقة من المثقفين التكنوقراط».

ولعل غياب ما مثلته وتمثله الانتخابات الأدبية «كثورة ثقافية» عن أذهان بعض من يرصد مسار التجربة بعد الانتهاء من الانتخابات أو ينتقدها هو مأزق أولي للراصد أفسد معايير التقويم؛ لأننا أمام «مُنتج ثورة» وهذا الاعتبار لا يتطلب منّا الرفق في نقد «مُنتج مُنتج الثورة» لكن يلّزم منا مراعاة ثلاثة أمور؛ جدة التجربة على أعضاء الحلقة الأدبية، قلة الوعي بضرورة تأسيس هيكلة صناعة الثقافة، ومراعاة «صدمة» الانتقال من «فردية صناعة المنتج الثقافي» إلى «جماعية صناعة المنتج الثقافي»، ولعل هذا الانتقال هو الذي أسهم في إخفاق «مثقف التكنوقراط» وحصول أزمة الجمعيات العمومية.

تلك الأمور الثلاث لابد أن يراعيها من يرصد مسار ثقافة ما بعد الانتخابات الأدبية أو ينتقدها، لأن ليس من المنطق تطبيق معايير ثقافة ما قبل الانتخابات الأدبية على ثقافة ما بعد الانتخابات الأدبية، أو هكذا أعتقد.

وهذه إشكالية في حد ذاتها أقصد «عدم تجديد معايير» تقويم تجربة ما بعد الانتخابات الأدبية.

ويمكن تصور مكمن هذه الإشكالية كالآتي؛ تقويم النظام الثقافي ما قبل الانتخابات الأدبية بممثليه ومنتجاته له معاييره الخاصة التي تتصف بالنخبوية على مستوى الفاعل والتجربة الإبداعية على مستوى المنتج.

لكن عندما يأتي الراصد لتطبيق هذه المعايير على النظام الثقافي ما بعد الانتخابات الأدبية بممثليه ومنتجاته سيُصدم من نقاط الخلاف والاختلاف بين تجربة النظامين ؛لأن التجربة الثقافية ما بعد الانتخابات لها معاييرها الخاصة سواء على مستوى الفاعل التخصصي أو طبيعة المُنتج التي تتسم بالشمولية أكثر من النخبوية، وهذا الاتسام أثر في جذرية منهج خارطة الثقافة السعودية.

والتقاطع الخلافي المُقارن بين النظامين ليس بسبب التجربة ذاتها بل بسبب «هيمنة معايير النظام الثقافي القديم على ذهنية الراصد أو الناقد»، مما جعل الراصد والناقد هو جزء من أزمة تجربة ما بعد الانتخابات الأدبية.

فلكل تجربة معاييرها الخاصة التي تستنبط من خلال «مثالية النموذج» المنتمي لها، لا من خلال نموذج مُرحلّ أو مستقدَم. إضافة إلى أن لائحة الأندية الأدبية بدورها «كشبكة تنظيمية» صنعت داخلها» معايير تقويم التجربة الجديدة» أو ما أسميه «الاكتفاء بمعايير التقويم الذاتي» ولعل هذه النقطة غابت عن الكثيرين منا.

وأي محاولة لتقويم التجربة الجديدة عبر فرض «المعايير القديمة» هو ظلم للتجربة الجديدة.

أما على مستوى «سلبية الفاعل» فيمكن تمثيلها بأزمة غياب الجمعيات العمومية.

قلت مطلع الموضوع أن النظام الثقافي الجديد ما بعد الانتخابات الأدبية أسهم في تشكيل «طبقة من المثقفين» تختلف عن «طبقة المثقفين» في النظام الثقافي السابق الذين كانوا ينتمون إلى مجالات الإبداع وليس إلى مجالات التخصصات الأدبية ، وأستطيع وصف هذه الطبقة التي شكلها النظام الثقافي الجديد بأنها طبقة «مثقفين تكنوقراط « ينتمون إلى مجالات التخصصات الأدبية لا إلى مجالات الإبداع.

ولعل هذه هي بداية «سلبية الفاعل» أو أزمة الجمعيات العمومية التي تتكون من مثقفين تكنوقراط؛ أي التحول من شرطية الاستطاعة إلى شرطية التخصص، باعتبار أن التخصص يتضمن القدرة والاستطاعة.

وهذا الاعتبار عليه تحفظ، أقصد أن التخصص هو ضامن لكفاية الاستطاعة، فليس بالضرورة أن يكون التخصص ضامن لكفاية وكفاءة الاستطاعة، كما أن التخصص ليس كما يرى البعض إحدى آليات تمثيل الاستطاعة، أو هكذا أعتقد.

إن الأمر أشبه بأن الأديب الفذ ليس بالضرورة يستطيع أن يصبح وزيرًا ناجحًا للثقافة والطبيب العبقري ليس بالضرورة يستطيع أن يصبح وزيرًا ناجحًا للصحة.

هذا لا يعني أنني أنكر «على المطلق» «وقوع تلازم بين التخصص والاستطاعة» بل أنكر على «الأصل» «حتمية التلازم بين التخصص والاستطاعة».

ونحن قد نقع أحيانًا في «مأزق الاعتقاد بأن التخصص شرط الاستطاعة» وهو نفسه المأزق الذي وقعت فيه لائحة الأندية الأدبية عندما «خصخصت هوية المنتمي للأندية» باعتبار أن تلك «الخصخصة» هي ضامن «للاستطاعة على الانجاز» بل وملّزم لقيمة الاسم،القيمة التي يشترط بموجبها «نوع الناتج».

لنكتشف عبر أزمة «الجمعيات العمومية» أو طبقة المثقفين التكنوقراط» أن التخصص لا يساوي بالحتمية الاستطاعة، فليس كل دارس أديبًا أو أكاديميًا في الأدب يستطيع أن يؤسس لخارطة ثقافية أو يصنع منتجًا ثقافيًا.

فالاستطاعة لا تحصل بالتخصص إنما الاستطاعة تحصل بشروط عدة منها؛ الاستعداد للفاعلية وهذا الشرط يعتمد على طبيعة الشخصية وغياب هذه الطبيعة عند الشخص لا يمكن تعويضها بالتخصص، فليس كل أكاديمي في مجال الأدب هو مبدع أو مفكر، والشرط الثاني القدرة على التخطيط والإضافة، والشرط الثالث الإيمان بالمشروع الجمعي.

إضافة إلى طبيعة «المثقف التكنوقراطي» الذي يتصف «بالتفكير الأحادي» لا الجمعي، والأحادية أقصد بها أمرين هما: الانفراد بالسلطة، والتمحور حول منظومته الثقافية، وهما ما يُعيقان استجابته للانضمام إلى الائتلاف الجمعي، وعدم استجابته بدورها تُنتج عجزه عن «التواصل الفكري» و»التخطيط المشترك»، لمن يتقاسم مع «الطاولة الثقافية».

وهناك نقطة أحسبها مهمة في أزمة «الجمعيات العمومية» أو «مثقفي التكنوقراط» عدم استيعاب دورها صناعة المنتج الثقافي أو دورها الفاعل في سير الدولاب الثقافي لمنطقتهم،

وأحسب عدم الاستيعاب إلى حد ما منطقي لسببين أولهما الاعتقاد الخاطئ المنشور في ذهنية أعضاء الجمعيات العمومية أن دورهم «كمي» وليس «كيفيًا» ولذلك لا ناقة لهم ولا جمل بعد الانتهاء من التصويت، والسبب الثاني قلة ثقافة أعضاء الجمعيات بدورهم وأثر هذا الدور وقيمته والأمر لا يعود إلى عيوب اللائحة بل الاعتقاد الخاطئ الشائع بأنهم مجرد ظاهرة تصويتية، وإلى طبيعة الوعي؛ فصحة الوعي عادة تُضعف من أثر عيب التنظيم، كما أن أمانة الوعي تُقلل من استغلال ثغرات القانون.

لذلك أعتقد بدلاً من أن تبكي مجالس إدارات الأندية على اللبن المسكوب، عليها أن تضع خطة توعوية علاجية لسلبية أعضاء الجمعيات العمومية واستهانتهم وبدورهم وقيمته ولرفع مستوى وعيهم بدورهم وقيمته وأنهم جزء من صناعة ثقافة المنطقة والرأي الثقافي العام، ومشاركتهم في التخطيط للإستراتيجية الثقافية للنادي.

فليس دائمًا القانون هو الحل فأحيانًا الوعي يكون هو الحل. ولا أظن أن الاستناد إلى اللائحة هو الحل دائمًا؛ باعتبار أن من يصنع المشكلة لا يستطيع غالبًا أن يحلها.

الحلقة السابعة من «ما بعد ثورات الربيع العربي الأسبوع القادم».

جدة sehama71@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة