Culture Magazine Saturday  02/11/2013 G Issue 415
ترجمات
السبت 28 ,ذو الحجة 1434   العدد  415
 
بحث نادر في التاريخ والعلاقات الدولية
لماذا تناصر إيران القضية الفلسطينية؟ 4-6
د. حمد العيسى

 

نواصل ترجمة هذه الدراسة المهمة للبروفيسور تريتا بارسي، وهو باحث ومفكر أمريكي من أصل إيراني. وهي الدراسة المستمدة من كتاب بارسي: «تحالف الغدر: التعاملات السرية لإيران وإسرائيل والولايات المتحدة» (نيو هيفن: قسم النشر بجامعة ييل، 2007):

منع عودة القوى العظمى

وكانت الحتمية الثانية في إستراتيجية إيران للدفاع عن هيمنتها في الخليج الفارسي هي منع بروز منافسين آخرين لهذا الدور. كانت طهران تخشى أن يستفيد الاتحاد السوفياتي من توسع وتمدد الولايات المتحدة ويتحدى الهيمنة الإيرانية على الخليج الفارسي، وهذا بدوره من شأنه أن يهدد السيطرة الإيرانية على تدفق النفط، ونتيجة لذلك، يؤثر على قدرتها على المحافظة على وتيرة النمو الداخلي والخارجي لإيران. كان دور إيران كضامن للأمن في الخليج الفارسي يتطلب أن يبقى الاتحاد السوفياتي بعيداً عن المنطقة؛ وكما قال سفير إيراني سابق في عهد الشاه: «كنا نعلم مخاطر وجود الاتحاد السوفياتي في الخليج الفارسي، وبالتأكيد لم نكن نريد ذلك»(60) ووفقاً للباحث السياسي الإيراني رمضاني: كان هدف إيران الملح هو وضع إطار إقليمي مستقر تحت قيادتها التي من شأنها أن تكون قادرة على منع أي تغلغل سوفياتي في الإقليم(61).

وفي حين أن إيران لا يمكنها أن تضاهي قوة موسكو، إلا أنه يمكنها منع الاتحاد السوفياتي من إيجاد ذريعة لدخول المياه الدافئة في الخليج الفارسي. عدم الاستقرار أو الحروب الطويلة يمكن أن يوفرا للاتحاد السوفياتي مثل هذا العذر، ما أدى إلى زيادة بُغض وكراهية الشاه للسياسة الخارجية الإسرائيلية العدوانية على نحو متزايد.

ونتيجة لذلك، وبالرغم من أن سياسة إيران كان تهدف إلى أن يستمر التوتر بين العرب والإسرائيليين وأن يكونا حذرين من بعضها البعض، إلا أنها لم تكن تريد لهما الدخول في حرب يمكن أن يكون لها نتيجة غير مقصودة كجلب القوى العظمى مرة أخرى إلى المنطقة.

وبحسب أفخمي: «كان الشاه يعتقد دائماً أن عودة القوى العظمى إلى الخليج الفارسي ستكون سيئة للغاية بالنسبة إلى إيران والمنطقة» (62).

ولكن الاتحاد السوفياتي لم يكن المنافس المحتمل الوحيد للهيمنة على الخليج الفارسي؛ فقد كان الشاه يعتبر أيضاً حليفته الولايات المتحدة منافساً له، على الرغم من أنها قوة غير معادية له. عارض الشاه علناً الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لأنه كان «لا يريد أي قيود على طموحه للسيطرة على الخليج الفارسي، واعتبر القاعدة البحرية الأمريكية في البحرين كمنافس لهيمنته وزعامته الإقليمية»(63). ووفقاً لـ أفخمي، «إذا تواجد الأمريكيون في المنطقة، فإن إيران لا يمكن أن يكون لها الدور الذي تريده»(64). ونكرر مرة أخرى أن نظرة إيران إلى الولايات المتحدة كمنافس يجسد الأهمية لإيران أن تتناسب قوتها مع دورها. وبالرغم من أن إيران كانت مدركة استعداد الولايات المتحدة لحماية إيران من عدوان سوفياتي أو عربي، إلا أنها لم ترد وجوداً عسكرياً أمريكياً في ما اعتبرته الإطار الأمني الخاص بها – أي الخليج الفارسي – لأن ذلك سيعرض للخطر سعي إيران إلى الزعامة الإقليمية.

وفي داخل المنطقة، بقي العراق البلد الوحيد الذي يمكنه بل ويطمح لتحدي القيادة الإيرانية. ونظراً إلى كون احتمال نجاح الشاه في تلقي الدعم العربي لزعامته على الخليج الفارسي كان محدوداً في أحسن الأحوال، أصبحت قدرة الشاه على إخضاع العراق تزيد في الأهمية لأن قبول العراق بالهيمنة الإيرانية يمكن أن يسهل قبول الدول العربية الأخرى.

اتفاقية الجزائر عام 1975

أدى تركيز إيران على تحييد العراق لوقوع خلاف قوي بين إسرائيل وإيران خلال السبعينيات عندما أنهت إيران فجأة دعمها للتمرد الكردي في العراق من خلال توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 مع العراق. التعاون بين إسرائيل وإيران لدعم تمرد عشيرة بارزاني في كردستان العراق يعود لأوائل الستينيات باعتباره عملية إسرائيلية-إيرانية مشتركة. كان ذلك التعاون يهدف للضغط على النظام البعثي في بغداد الذي كان تحالفه مع الاتحاد السوفياتي وموقفه المعادي لإيران يقلق طهران. كانت تلك العملية الإسرائيلية-الإيرانية المشتركة ناجحة جداً حيث استنزفت بغداد ومنعتها من تحدي هيمنة الشاه على الخليج الفارسي(65).

ولكن في مارس عام 1975، وصلت عملية دعم تمرد أكراد العراق إلى نهاية مفاجئة. وحدث هذا التطور الكبير عندما أبلغ الرئيس الجزائري الراحل بومدين الشاه أن حاكم العراق الفعلي، صدام حسين، سيحضر قمة أوبك في الجزائر العاصمة من أجل التفاوض لإنهاء العداء العراقي-الإيراني. وفي 3 مارس 1975، غادر الشاه إلى الجزائر وبعد ثلاثة أيام، أعلن بومدين أن الصراع بين إيران والعراق قد انتهى(66). وتم التوصل إلى اتفاق حول الحدود على أن يمتنع كل جانب من التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر وكذلك تقسيم السيطرة على ممر شط العرب المائي في الجنوب، وهو هدف كانت تسعى إليه إيران منذ فترة طويلة(67). لقد تم حل الخلاف المائي لصالح إيران واعتبر واحداً من أهم انتصارات الشاه في حينه لأنه عزز مكانة إيران كقوة كبرى في الخليج الفارسي(68).

ولكن مفاجأة توقيع ذلك الاتفاق صدمت إسرائيل والولايات المتحدة، لأن الشاه لم يشاورهما ولم يبلغهما عن المفاوضات مع العراقيين، كما أنه لم يشر إلى أن إيقاف دعم إيران لأكراد العراق كان من شروط الاتفاق(69). ووفقاً لـ غاري سيك، الذي شغل منصب خبير الشؤون الإيرانية في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال فترتي كارتر وريغان: «الصفقة عقدت قبل إخطار أي طرف خارجي، وهذا هو الشيء الرئيس. حصل الشاه على عرض مغر، ثم انتهزه بنجاح، ووافق عليه، وعاد لإيران، وأعطى أوامر لإبلاغ الولايات المتحدة وإسرائيل أن اللعبة قد انتهت»(70). تشارلز ناس، مسؤول ملف إيران في وزارة الخارجية علم عن الاتفاق من الصحافة. «بووم، في صباح أحد الأيام ذهبت للمكتب، وعلمت عن الاتفاق من الصحف!»(71).

وذهل الإسرائيليون وأكراد العراق لرؤية حلفائهم الإيرانيين فجأة يحزمون أمتعتهم ويرحلون. وبينما لم يكن لدى تل أبيب أوهام بأن إيران سوف تنسحب عاجلاً أو آجلاً من عمليات دعم تمرد أكراد العراق، إلا أنها لم تتوقع أبداً أن تنتهي بمثل هذه الطريقة الدراماتيكية والمحزنة.(72). وشعر مسؤولو جهاز السافاك الإيراني (المخابرات والأمن القومي) في البداية بالحرج عندما توجب إبلاغ عملاء الموساد الإسرائيلي في العراق أن تعاون الجهازين سينتهي. وبدلاً من إبلاغهم بصراحة، زعموا أن هناك تبديلاً روتينياً للقوات. وبعد ذلك بيوم، في 9 مارس، استدعي رئيس البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في طهران أوري لوبراني من قبل مسؤول إيراني كبير وأُخبر بتفاصيل الاتفاق(73).

وضع انسحاب الشاه السريع الجنود الإسرائيليين في خطر. وكان أمام رئيس الموساد في العراق ساعتان فقط للفرار إلى إيران قبل تقدم الجيش العراقي إلى مقر بارزاني. «لقد شتمت إيران طوال طريقي إلى طهران. لقد خاب أملي في إيران بشكل فظيع»(74) أبدت طهران القليل من التعاطف مع الاحتجاجات الإسرائيلية. لقد كان الشاه - ببساطة - غير معتاد على التشاور مع الإسرائيليين بشأن القضايا ذات الأهمية الكبرى بالنسبة إلى المصلحة الوطنية الإيرانية(75). «كانت أولويتنا شط العرب... وتحسين العلاقات مع العراق... فمصلحتنا الوطنية هي دائما أولاً» وفقاً لسفير إيراني سابق(76).

ووفقاً لتشارلز ناس، أدركت الولايات المتحدة أن مصلحة إيران قد بدأت تحيد عن مصلحة واشنطن: «وكان هذا أول اختلاف رئيس في المصالح. لقد ذهلنا من ذلك»(77). وبالرغم من هذه الرؤية، فإن الولايات المتحدة امتنعت عن الرد بقسوة على انحراف سياسة الشاه، ويرجع ذلك - جزئياً - إلى «الخصوصية» الإيرانية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة: «لم نكن ننظر لإيران، على الأقل ليس في السفارة، كدولة خاضعة ومطيعة»(78).

الانسحاب من العملية الكردية جعل إسرائيل تدرك بألم ضعفها مقابل إيران، واهتزت ثقة تل أبيب في الشاه. «كان ذلك أكبر خطأ للشاه. لقد فقدنا كل الثقة به. لقد كان مجنوناً» كما قال يعقوب نمرودي، الملحق العسكري الإسرائيلي في إيران في بداية السبعينيات(79). وعلى الرغم من أن إسرائيل كان يمكنها أن تتسامح مع ألاعيب الشاه السياسية وغزله مع الدول العربية، إلا أن أي تلميحات عن تغيير في الرؤية الإستراتيجية للشاه كانت تؤخذ على محمل الجد من قبل تل أبيب. ومن خلال عدم إبلاغ إسرائيل بقراره إنهاء العمليات الكردية في العراق. تولد انطباع لدى تل أبيب بأن «الروابط الإيرانية مع الدولة اليهودية قد أصبحت للشاه وسيلة أكثر منها ضرورة حتمية»(80) وبدلاً من صنع توازن مع العراق - الذي بتعبير الشاه نفسه ظل يشكل تهديداً - اختارت إيران إلغاء سطوتها على بغداد مقابل اتفاق حول قضية شط العرب واعتراف عراقي ضمني بالسيادة الإقليمية الإيرانية.

إضافة إلى ذلك، امتنع الشاه عن استشارة واشنطن وتل أبيب لأنه كان «يعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة إلى إيران لاتخاذ تدابير وطنية معينة من دون أن تستشير - بالضرورة - أي جهة أخرى، لأنه هذا التصرف يعتبر شهادة وبياناً صريحاً للعالم بأن إيران أصبحت قوة إقليمية ذات شأن»(81).

قرار الشاه التخلي عن منطق ميزان القوى ورد في مقابلة مع الصحافي العربي محمد حسنين هيكل، في أبريل 1975، بعد شهر واحد فقط من التوقيع على اتفاقية الجزائر: لقد اتبعنا مبدأ «عدو عدوي هو صديقي»، وبدأت علاقاتنا مع إسرائيل تتطور. ولكن الآن تغير الوضع... أفكر أحياناً في صنع توازن جديد في المنطقة ... ربما يمكن أن يكون في إطار إسلامي(82).

ولكن كان الأثر الفوري للمعاهدة تحرير العراق من الاستنزاف بسبب التمرد الكردي؛ فمن دون التمرد الكردي، أصبحت موارد العراق حرة في التركيز على التسلح والبروز. وزادت القوة النسبية للعراق بسرعة بينما دخلت إيران فترة من التراجع النسبي المطرد. وعندما نتأمل الآن ما جرى، فقد كان توقيع الشاه على المعاهدة يعادل مقايضة «زعامة» إيرانية حقيقية، ولكن غير معترف بها، مقابل «بروز» قصير الأجل ولكن معترف به. وفي اللحظة التي تم فيها تحقيق ذلك الانتصار، كان الشاه قد حفر قبره بيده.

صعود اليمين الإسرائيلي

21 يونيو 1977، كان موعد انتصار تكتل الليكود الإسرائيلي تحت قيادة مناحيم بيغن، وبعد ذلك اتخذت إسرائيل خطوة حاسمة إلى اليمين. وبالفعل قبل نصر بيغن، كانت إيران قد زادت انتقاداتها العلنية لسياسات إسرائيل التوسعية. وفي أوائل عام 1977، تجول رئيس الوزراء الإيراني أمير عباس هويدا في دول الشرق الأوسط وأصدر العديد من البيانات المشتركة مع نظرائه العرب؛ ففي الرباط شددت إيران والمغرب على أن «أزمة الشرق الأوسط لا يمكن حلها إلا على أساس انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها واستعادة حق الشعب الفلسطيني الثابت في الوجود وطني».(83) وبعد شهر، صدر بيان مشترك مع مصر في طهران «أدان سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة الرامية إلى تغيير تكوينها الديمغرافي وطابعها الجغرافي، وأكد أن هذه السياسة، تمثل تهديداً خطيراً للسلام في الشرق الأوسط» (84).

يتبع الأسبوع القادم بحول الله

Hamad.aleisa@gmail.com - المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة