Culture Magazine Thursday  03/01/2013 G Issue 392
فضاءات
الخميس 21 ,صفر 1434   العدد  392
 
انطباعات أدبية
حوش السادة (رواية)
د. حمد الزيد

 

أهداني الصديق الشاعر: محمد محسن الغامدي، هذه الرواية القصيرة الحافلة (77 ص من الحجم الصغير) التي طبعها النادي الأدبي بالطائف في العام الماضي 1432هـ ورجاني الكتابة عنها.

والغامدي – هو أحد أبناء الطائف وأدبائها المعروفين، وكنا جيراناً في حي (قروى) قبل عقود من الزمن وأحد إخوانه زميل دراسة لي في دار التوحيد وكان (محمد) أصغر مني سناً بأكثر من عشر سنوات، ولكنني كنت كلما أراه يلعب في البرحة التي أمام بيتنا، أقول في نفسي إن هذا الطفل غير عادي! وهكذا كان فيما بعد، فبعد سنين من هذا الحدس، عدت للطائف مدرساً، ولم نبرح (قروى) أبدا، وهو كذلك ! وهذه مصادفة وجوديه؟! وصار هذا الفتى الوديع الذي أصبح شاباً.. يواصلني ويزورني في بيتي المليء بالكتب والشعر والأدب، ثم بعد ذلك بفترة قدم لي على استحياء بعض مقطوعات شعرية كتبها ولم ينشرها، وعدت بالذاكرة للوراء، وقلت له مازحاً : لقد تحققت نبوءتي فيك! وصدق ظني، بأنك ستصبح شاعراً، ولكن عليك أن لا تتعجل الظهور أو تستعجل البروز! وقرأت ما كتب، فحذفت وشطبت وعدّلت، ووجدته قد تقبل كل ذلك بصدر رحب.. ولم يغضب من ملاحظاتي كما توقعت؟!

ودارت الأيام دورتها، وبعد التقارب والتباعد، والرحيل والعودة، من وإلى الطائف، أسعدني قبل سنوات قليلات بديوان شعري فيه شعر جميل وعاطفة صادقه، طبعه له نادي الطائف الأدبي بعد طول انتظار وتردد وتلكؤ، بحكم مزاج القائمين على النادي في تلك المرحلة، فلما تغيرت الإدارة، تغّيرت معها الأمور والأمزجة، وظهر الغامدي شاعراً من شعراء الطائف.. بديوان شعر مطبوع ! أسماه : السير على الأقلام !! وحشد فيه قصائد ومقطوعات شعريه، بعضها قديم ومعظمها جديد، وانفلت الى شعر التفعيلة أو مايسمى بالحر حيناً، وجنح الى مايسمى بقصيدة النثر أحياناً وهي ليست إلاّ بعض السجع الذي لايرقى لدرجة الشعر ! ومع ذلك فقد ولد هذا الفتى المرهف الإحساس شاعراً حتى في صفاته الشخصية وهيئته وتعامله مع الآخرين !

أما الغامدي القاص أو الروائي فلم يتّوج بعد في رأيي وإن كان قد كتب لنا هذه الحكاية الطويلة.. أو الرواية القصيرة، التى ضمّنها بعضاً من سيرة حياته في مرحلتي الطفولة والصبا، ولست ناقداً حتى أقومها فنياً، وإنما - وكما قلت للمؤلف - إنني متذوق فقط !

قرأتها قبل عدة أشهر ونسيت معظم احداثها، ولكنني لم أفقد الطعم الحلو الذي أحدثته لي، ولا زلت أتذوقه، بمزاجي ! واتوق إلى قراءتها مرة أخرى لكي أستمتع ببعض سيرة صديق عرفته، فهي سيرة ذاتية أو (سيرواية) قصيرة وقد اعترف لي المؤلف بأنها كذلك؟!

يحكي فيها (الغامدي) النازح للطائف مع أسرته الصغيرة وهو صبي صغير، عن حياة القرية في الحجاز في ذلك الحين، أي قبل حوالي نصف قرن مضى، ومضت معه معالم القرى والريف في بلادنا بسبب الحراك الاجتماعي الكبير الذي حدث في الماضي، وفي نصفها الآخر ولعله الأحلى يروي صاحبنا عن حياته كبطل لروايته في مدينة الطائف وبالذات في (قروى) وهو من أجمل أحيائها في ذلك الوقت. ويكتب فصلاً قصيراً عن صديقه (أنا) الذي علمه كما يقول قراءة الكتب وشجعه على قرض الشعر، وسماه (أحمد الشرقي) ؟!

إن رواية الغامدي، تذكرني بمرايا نجيب محفوظ مع الفارق بالطبع في البيئة والمستوى الفني، وفي إحدى زياراتي للطائف الأخيرة، طلبت من الكاتب أن يأخذني لموقع الرواية في (قروى) وكان يا للمصادفة بجوار المدرسة التي تعلمت فيها عام 1378هـ ! ووقفنا على بقعة محفورة تدل على إزالة (حوش السادة) وبالتالي انتهاء معالم القصة الأساسي الذي بقي ذكرى في ذهن الكاتب! ولكنه أشار بزفرة وأسى إلى بيت الحبيبة الأولى التي علمته أبجدية العشق الأول ! فرأيته أطلالاً متهدمة، وعندما أشار إليه وإلى الحوش متأوهاً أدركت بأننا كمن يقف على الأطلال متحسراً !!

وإن الماضي لا يعود

- جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة