Culture Magazine Thursday  06/06/2013 G Issue 409
فضاءات
الخميس 27 ,رجب 1434   العدد  409
 
محنة النقد
سيمون نصار
-

 

متألمٌ جداً، سألتهُ، فأخبرني أنه كتب قراءة عن رواية صديقه الحميم فخسره.. يالهشاشة العلاقة.

طاهر الزهراني

(1)

لا تخلُ العلاقة بين النقاد وكتّاب الأدب من الالتباسات، التي، وإن كانت في ظاهرها، تأخذ طابع العلاقة الديبلوماسية، فإنها في باطنها، تعتمد الحذر والشك وتوخي الريبة. لا يقصد هنا بالنقاد أولئك الذين يعملون في حقل اختصاص أكاديمي. هؤلاء، وإن كانوا أصحاب سطوة فعلية، كحكام على الأدب، من خلال المعايير الأكاديمية. التي تحدد لهم مسار قراءاتهم وشروطها التي في جانب منها تفقد أعمالهم سطوتها على الحراك الأدبي والنقدي.

والحق أن قلة من هؤلاء، نجوا من رتابة النقد الأكاديمي وألفّوا ونشروا كتاباتهم خارج السياق الأكاديمي الجاف. هذه الأمثلة لا تنطبق فقط على العالم العربي، دون ذكر أسماء. بل على الغرب برمته، حيث نقد الأدب، يعدُ من ركائز النجاح الفعلي لأي كتاب أدبي. وفي بلد مثل فرنسا، ينتج سنوياً ما بين ستمائة وثمانمائة رواية، إلى جانب عشرات المجاميع الشعرية. يعتبر النقد رافعة أساسية لأي كتاب. ولذلك، فإن السطوة الفعلية للنقد على الحراك الأدبي والثقافي، سطوة قائمة وموجودة وفعلية، لها حيثيتها وقوتها، حيث لا يمكن لأي كتاب أن يوجد دون مواجهتها. في هذا، ثمة دافع للبحث عن جودة الأدب الذي يكتب. كذلك، فإن المنافسة على إنتاج أعمال ذات قيمة أدبية عالية، يجعل السباق محموماً بين الكتاب على نشر أعمال جدية تأخذ في اعتبارها سطوة هذا الحضور القوي للنقد، الذي لن يرحم الأعمال السقط التي تكتب على عجل وتكتب لأجل دخول أصحابها الى نادي الكتاب. هذه أعمال، غالباً، لا تجد طريقها للشهرة أو لحضوة معينة في بورصة المبيعات.

والحق أن بعض الأعمال، التي لا تملك قيمة أدبية عالية، تشق طريقها نحو الكتب الأكثر مبيعاً، وتحول كتابها إلى نجوم في عالم الكتابة. مع ذلك فإن الحكم النقدي عليها غالباً ما يكون قاسٍ بموضوعية عالية جداً. ما يحيلنا، عملياً، الى أن جماهيرية أيُ كتابٍ لا تعني بأي حال من الأحوال، أن هذا الكتاب يتمتع بقيمة أدبية. لكن مع ذلك، فإن حتى النقاد، لهم أحياناً، نظرتهم الشخصية وتطلعاتهم ورؤيتهم المحدودة للأدب. ولا يزال الكتاب الذي صدر في العام 2010 للناقد الفرنسي الشهير ألكسندر فياليت (1901 – 1971) بعد ثلاثة عقود علي رحيله، يثير النقاشات المحمومة بين النقاد والكتاب على حد سواء. فإلى جانب الحكم على فياليت، بعنصريته تجاه كتابات المرأة. إذ جاء في كتابه قراءات في النقد الأدبي، قراءة 37 عملاً لكتاب رجال مقابل قراءة أعمال أربعة كاتبات هنّ فيرني بيسون، فرانسواز ساغان، أناييس نن، لويز دو فيلموران. دون أن يذكر غيرهن مع العلم أن فترة كتابته ونشره هذه القراءات، كان عدد كبير من الكاتبات في فرنسا والعالم قد برزن بأعمال متميزة وتستحق لفتة النقد لها.

لم يرَ فياليت، غير بعض الكاتبات لا غير. البعض أشار إلى عنصرية مبطنة فيما البعض الآخر اعتبر أن تناول الناقد للكتب يخضع لمزاج شخصي في الاختيار لا يجب أن يطال موضوعيته في تناول هذه الكتب نقدياً. والحق أن فياليت تناول كل الأعمال التي وردت في كتابته بموضوعية مهنية عالية جداً لم تحابي أحداً على حساب الآخر وخلت فعلياً من من الإشارة الى ما يمكن تسميته بالمحاباة أو المديح غير المبرر. غير أن اعتماده لمبدأ اللامساواة بين المرأة والرجل، وضع نقاط استفهام كثيرة حول نظرته لكتابات المرأة. وهذا حديث سابق لزمننا الحالي حيث أصبح التقييم العملي للنقد يخضع لمعايير المساواة في الكتابة. إذ لا يهم من هو الذي كتب النص بقدر ما النص هو المهم.

(1)

في الواقع، فإن النقد الأدبي في فرنسا، لا يمكن قياسه على النقد الأدبي في العالم العربي. في الثقافة الفرنسية، خلال القرن الماضي بكامله. الفرنسيون أسسوا للنقد ومدارسه التي تعددت فيما بعد. النقد الصحفي، النقد الأكاديمي، نقد الكتب أو الكتّاب، إلى تفرعات المدارس التي كانت منقسمة آنذاك بين مدرسة باريس ومدرسة جينيف.

النقد في العالم العربي، راهناً، لا يتجاوز النقد الصحفي. النقد الأكاديمي لا طاقة له على الحضور في الحراك الثقافي العام. أحد أسباب هذا، غياب خامات نقدية كبيرة وخلاقة إلى جانب الرتابة والتقريرية التي يتحلى بهما النقد الأكاديمي ليكون نقداً.

هنا، لابد من الافتراق. النقد المعاصر (الصحفي) في فرنسا غير ذلك النقد الذي أسس له سانت بيف (1804 - 1869) وتبعه به تلميذه غوستاف لانسون (1857 - 1934) وهو المؤسس الفعلي لمنهج النقد التاريخي وقد أرسى أسسه وقواعده. ولا ذلك النقد الذي تتمتع به مؤلفات رولان بارت أو أعمال تزفيتان تودوروف. ولا حتى مدرسة النقد الجديد مع جورج بوليه وشارل مورون ولا ذلك النقد الاجتماعي المتفلت من الضوابط الماركسية للنقد مع غولدمان. النقد اليوم يستفد من هذه المناهج التي مرت خلال القرن الماضي بكامله وساهم في وجودها وظهورها إلى العلن الحراك الثقافي والفلسفي الذي كانت باريس مسرحه الفعلي. لكنه أقرب ما يكون إلى قراءات للكتب أو مطالعات فكرية وفلسفية وأدبية تظاهي في كثير من الأحيان النصوص التي تقدمها. والحال أن مجلات مثل الماغازين ليتيرير ولير والنقد الحر أو كريتيك ليبر كلها لها حضورها الأساسي في الحراك الثقافي والأدبي في فرنسا لما تقدمه من مادة نقدية محترمة.

أعود إلى الافتراق بين النقد بمناهجه الأكاديمية والنقد الصحفي أو المطالعات النقدية للأدب. أعود لأقول إن النقد الأكاديمي ليس هو المطلوب. إنما المطلوب نقد صحفي خالٍ من الشوائب. النقد البعيد عن المديح المبالغ به للأعمال وأيضاً عن الهجاء والتحطيم المبالغ به للأعمال. ليس المقصود هنا، التقليل من أهمية النقد الأكاديمي بل العكس. إذ دون التفرغ لقراءة الكم الهائل من النظريات والأعمال النقدية التي راكمت حضورها مع الزمن، لا يمكن تشكيل قاعدة للنقد الصحفي ولعل أقرب المدارس النقدية لهذا النقد هي ما أسماه ستاروبنسكي بالعلاقة النقدية. أي تلك العلاقة التي يقيمها الناقد مع النص الذي يقرأه. ويؤسس من خلالها رؤيته النقدية التفاعلية للنص.

(1)

لا يشذُ النقد الصحفي في العالم العربي عن هذه القواعد. بل يتجاوز ذلك ليكون مادة إما للمديح أو للذم ولا شيء بينهما. قراءة جملة كالتي كتبها طاهر الزهراني على صفحته الشخصية على الفايسبوك، تبين كم أن الحال النقدية في الصحافة المحلية (السعودية) وهي تنسحب على كل صحف العالم العربي، تقريباً. كم أن حال هذا النقد صعبة ومستعصية. غير أن طرح ستاروبنسكي، قد يشكل بوابة عبور نحو تأسيس علاقة حقيقة للناقد مع النص نفسه لا مع كاتب النص. إن هذه العلاقة فيما حال تمت وبإقتناع الطرفين (الكاتب – الناقد) وكذلك (الناقد - الكاتب) تجعل من مسألة النقد الصحفي مسألة يمكن لها أن تكون رافعة للأدب أو على الأقل للكتب التي تتم قرائتها.

إن القراءات المطروحة في الصفحات الثقافية بنسبة تفوق 85 % والتي تتعاطى مع النقد كدليل لإقامة علاقات شخصية على حساب النزاهة. هذه الأعمال التي تتضمن الكثير من المدائح والكلمات التفخيمية للكاتب وجهوده في إغناء الأدب، لا تخلق مصالحة بين الكاتب والناقد والعكس، وسط الحراك الثقافي العربي بشكل عام والقطري كل على حدة. بل تخلق قطيعة بين القارئ والأدب، وهي إن دمرت تدمرُ شكل العلاقة ثم العلاقة نفسها التي يقيمها الفرد من خارج الحراك الثقافي مع هذا الحراك. وهنا تكمن خطورتها لا في العلاقات الشخصية التي ممكن أن تدمر بين هذا وذاك أو هذا وتلك أو بين تلك وتلك.

(1)

طوال سنوات الكتابة النقدية، وما تخللها من تخصصات أكاديمية، في المجالات التي تدور حول الثقافة بشكل عام. عانيت من هذا الإشكال الذي أشار إليه الزهراني. لم أظلم أحداً في يوم ما، لكني ظلمت نصوصاً كثيرة بحسب وجهة نظر كتابها.

حين أقوم بقرادة عمل ما، بغية تقديم قراءة نقدية له. أنفصل كلياً عن العلاقة مع صاحبه الذي من الممكن أن يكون صديقي.. الصداقة إن كان سيلغيها مقال فلا ضرورة لها.

-

simnassar@gmail.com - باريس

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة