Culture Magazine Thursday  07/02/2013 G Issue 395
أوراق
الخميس 26 ,ربيع الاول 1434   العدد  395
 
تجربة المؤسسات العلمية في دراسة آثار الإعلام الجديد على اللغة العربية..(الجزيرة نموذجاً)
اللغة الثالثة هي الحل
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

العامية لغة الجهل وليست لغة الثقافة أو لغة اليسار.

                                      عباس محمود العقاد

***

حدودُ لغتي تعني حدودَ عالمي

              لودفيك فيتغشتين

***

الإنسان يفكر من خلال اللغة، ولا تفكير من دون لغة.

                                          عبدالكريم خليفة

تعريف المؤسسات

وتحفظات حول العنوان :


ترى أدبيات الإدارة أن المؤسسات وسيلة من وسائل إدارة المرافق عن طريق منظمة عامة تُمنح الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي وتخضع في الوقت ذاته للرقابة المالية من جانب الدولة، وبهذا يمكن القول إننا نتحدث عن المنظمات الحكومية وشبه الحكومية «العلمية» التي تشرف عليها الدولة وقد تنحصر هنا في الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بشكل خاص، غير أن مصطلح المؤسسات في العنوان لم يقصد به مدلول إداري رسمي بل وظف المفهوم العام المتداول للمؤسسة وهو هنا سيشمل المؤسسات العلمية والإعلامية كالإذاعة والتلفزيون والصحف وكذا الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون ونحوها.

ذاك تحفظُ أول على العنوان، أما التحفظ الثاني فيأتي من أن التجارب مرتهنة بالمجرِّبين وليس مقدم الورقة واحدًا منهم مثلما أنه لم يطلع على تجارب يمكن رصدها لكنه لا يجزم بدقة استنتاجه إذ ربما تمت تجارب ميدانية لا يعلمها أو لم يتمّ الإعلامُ عنها، مع تقدير دور بعض المنتديات واللقاءات العلمية التي اهتمت بظاهرة اللغة والإعلام الجديد وتوصياتها دون أن يعكس ذلك جهدًا مرئيًا على الأرض.

ومن موقعيه الإعلامي والتربوي فإنه لم يلمس أداءً مختلفًا يتقاطع مع مستجدات الإعلام الجديد سوى محاولات التعريب الخجولة التي تتصدى لها بعض المواقع والصفحات الشبكية في محاولة منها لإبدال المفردة العربية بالأخرى الأجنبية وخصوصًا في منتديات المغردين عبر «تويتر» فجاءت كلمات: «تغريد وتغريدة ووسم وتدوير وتمرير ومماثلاتها» لتحل - عند بعضنا- محل «تويت وهاشتاق وريتويت وهكذا»، إضافة لبعض الجهود التي تقوم بها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كما في مشروع تطوير نواة لمحرك بحث يدعم الخصائص المتميزة للغة العربية أطلق عليه اسم « نبع»، وكذا، مبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي ونحوهما مما يمكن أن تتحدث عنه المؤسسات ذاتها من غير أن يعني هذه الورقة، كما أن مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية ذو جهود طيبة في محاولة تعزيز الاهتمام باللغة العربية، وكان آخرها تخصيص جائزته السنوية للعام المنصرم لموضوعات تخدم اللغة العربية ففازت بها دراسة عن «تطوير تعليم وتعلُّم المفردات اللغوية في منهج تعليم القراءة للصفوف الأولية»، وتجربة ميدانية عن مهارات التحدُّث باللغة العربية الفصحى» لوزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان، والموقع الإلكتروني «صوت العربية» الذي يشرف عليه د.عبد العزيز الحميد.

حقائق وقراءات:

يمكن تسجيل عدد من الحقائق المهمة متبعةً ببعض القراءات ذات الصلة ومنها:

أولاً: التطوّر أساسٌ في حياة اللغة بصفتها كائنًا اجتماعيًا عبر الوجود البسيط ثم النمو المتدرج ( ).

ثانياً: اللغة العربية وجدت لتبقى ما دمنا جادّين في ملاحقة الجديد من القول لإغنائها به ( ).

ثالثاً: مع أن تأريخ الإنترنت يعود إلى عام 1969م عندما وظفته وزارة الدفاع الأميركية في أبحاثها فإن فتح الشبكة العالمية World Wide Web أمام الجماهير قد تم عام 1991م، أما تأريخ الصحافة الإلكترونية فمتأخر كما أنه متغير بشكل متسارع وتبادل التأثير مستمر؛ فلا يمكن صياغة صورة نهائية لمدى الأثر الذي أحدثه الإعلام الرقمي؛ وقد رصدت محاولات صحفية إلكترونية مبكرة في السبعينييات والثمانينيات إلا أن أول صحيفة إلكترونية كما يرى بعض الباحثين هي (صحيفة « هيلزنبورج داجبلاد « السويدية 1990م)، وفي عام 1991م لم يكن هناك سوى 10 صحف فقط على الإنترنت ثم تزايد العدد حتى بلغ 1600 صحيفة في عام 1996م، وفي عام 2000م وصل إلى 4000 صحيفة إلكترونية على مستوى العالم، أما الآن فإن أكثر من 99% من الصحف الكبيرة والمتوسطة ذات مواقع على الإنترنت».

رابعاً: تشير الأرقام الإحصائية إلى تحول الإعلام في عصرنا الحالي نحو الإعلام الالكتروني؛ فحجم توزيع الصحف في أمريكا عام 2008م حسب ما نشرته وكالة Newspapers Association Of America في عام 2008م هو تقريباً حجم التوزيع نفسه في العام 1978م مع أن عدد السكان كان وقتها أقل بحوالي 100مليون نسمة، بينما ذكرت «الديلي تلغراف» أن حجم استخدام الناس لليوتيوب في عام 2007م يعادل حجم استخدام الناس لعموم الإنترنت في عام 2000م وفق دراسة نشرتها وكالة Market Watch « ماركت ووتش « فإن حوالي 70% من الصحافيين الأمريكيين يقولون إنهم يقرؤون المدونات الإلكترونية بشكل يومي.

خامساً: كان من بين أبرز سمات المتغير الإعلامي البارزة قدرته التفاعلية العالية، فلقد أكدت معظم نماذج الاتصال التقليدية أن وسائل الإعلام التقليدية وسائل اتصالية ذات اتجاه واحد في حين يتطلب التفاعل الحقيقي نموذجا ً اتصاليًا ذا اتجاهين أو اتجاهات متعددة.

سادساً: أسهم التضاعف اللافت في أعداد المواقع والانخفاض الهائل في أسعار الاشتراك بالإنترنت في زيادة عدد مستعملي الإنترنت عالميا بمعدل 20% سنوياً.

رؤىً حول اللغة والإعلام الجديد

أوضح الدكتور فهد العرابي الحارثي في بحثه المعنون: «سلطة اللغة.. سلطة الإعلام الجديد» ضمن كرسي المانع في جامعة الملك سعود أن التحديات التي حملتها ثورة التقنية والاتصالات أصبحت تهدد بسقوط كثير من اللغات, كما أن العولمة قامت بإلغاء الحدود وتوهين السيادات القومية والجغرافيا, وأصبحت الوطنيات تخترق بكل سهولة من خلال الشركات المتعددة, وهذا انسحب على البنيات التقليدية للمعرفة.

وركز الدكتور إبراهيم الشمسان في الكرسي نفسه على «الأخطاء اللغوية في لغة الصحافة» قائلاً: إن اللغة في غرض من أغراضها هي أداة للتواصل والصحافة فتحت الباب واسعاً أمام الكتاب والقراء ولذلك كثرت الأخطاء في الصحف بسبب السرعة وضرب أمثلة بأخطاءٍ سببتها الثقافة الأجنبية التي نقلتها وانتقلت بها وسائط الإعلام الجديد مثل: ترك المطابقة بين الصفة والموصوف وغياب الحركات في الكتابة واستعمال «أل» مع المضاف والتصريح بالفاعل للمبني للمفعول ونحوها.

وتساءل الدكتور فالح بن شبيب العجمي في بحثه المعنون: «مشكلات اللغة في الإعلام وآفاقها»: هل لابد للغة من أن تكون قوية وحيوية لتكون لغةُ الإعلام فاعلة أم أن كلاً منهما مستقل عن الآخر ويمكن أن يكون قوياً بمفرده؟ وقال إن اللغة العربية لن تبلغ أهدافها دون ثلاثة عوامل هي:

* الاستجابة للمعايير والقواعد البنيوية التي تضمن لها أصالتها بعيداً عن انطواء وانغلاق.

* الاستجابة لمتطلبات المجتمع مع الارتقاء والانفتاح على كل عناصر الحداثة.

* العمل على خلق مسافة وصل بين لغة الإعلام ولغة الفكر والأدب والإبداع الفني.

ويرى تقرير حديث لمنظمة الإيسيسكو أن تراجع اللغة العربية وترهلها سهَّل عليها الانخراط في لعبة الميديا وبالتالي بدأنا نلاحظ اليوم انتشاراً للغة الإعلام المفترقة عن اللغة العربية الفصحى مما سبب تعارضاً بين وجهي اللغة: اللغة الدارجة من جهة والفصحى من جهة ثانية، وخلق لغة ثالثة ولدت إثر تفاعل هذه الظاهرة وعرفت امتدادًا سريعًا داخل الدول العربية وخارجها.

هل اللغة الثالثة هي الحل؟

يؤكد تقرير الإيسيسكو أن تموقع اللغة الثالثة في المنطقة الوسطى ومؤازرتها أدى إلى اختلافها عن اللغة العربية الكلاسيكية على المستوى الأسلوبي كما أنها تختلف عن اللغة الدارجة المشتركة على مستوى التعابيرالتي تميزها، ومع ذلك فإن من علاماتها الفارقة قابليتَها للانتشار بشكل واسع وبالتالي مساهمتها في فتح آفاق واسعة لكن الخطر يكمن في كون هذه اللغة الوسطى (الثالثة) الهجينة قد حلت محل اللغة العربية الفصحى بصفة نهائية بكل ما يكتنفها من ابتذال ونواقص، ويرى الباحث أننا قد نجد أنفسنا مضطرين للتنازل للغة ثالثةٍ لا يعنيها البيانُ بل التبيين، ولا يُقَنّعُ فيها عاملٌ سوطًا، ويلحن الناس فيها ويربحون.

تجربة مؤسسة الجزيرة

لن تكون تجربة مؤسسة الجزيرة –بإصداراتها الورقية والإلكترونية- ذات تفرد عن مماثلاتها من المؤسسات الصحفية العربية في العناية باللغة الفصيحة وإيلائها الاهتمام الأكبر بحيث لا يبدو خطأٌ ولا يعبر لحنٌ ويظل الأسلوب في دائرة المقبول، ولذا كانت أقسام التصحيح والتحرير من أهم الأقسام العامرة بالكفاءات الوطنية والعربية المقتدرة.

ويمكن تلخيص أبرز الخطوات العملية المستخدمة حاليًا بما يلي:

1- إلغاء الكتابة اليدوية بشكل يكاد يكون كاملاً من المحررين ومن الكتاب والكاتبات.

2- توظيف برامج التصحيح اللغوي الآلية مع عدم الاعتماد التام عليها.

3- المتابعة الدقيقة من المصححين والمصححات اللغويين واللغويات لكل مفردة وجملة وسطر وفاصلة والوثوق من الصحة قبل اعتماد المادة المراد نشرها.

4- الرقابة الإدارية الحازمة على قسم التصحيح والحرص على استقطاب الكفاءات المؤهلة.

5- متابعة مخرجات التقنية اللغوية والإفادة منها.

6- عقد دورات تدريبية مكثفة للمصححين والمحررين وإطلاعهم على مستجدات التقنية وضوابط توظيفها .

الواقع:

ذاك حسابُ الحقل لكن حساب البيدر مختلفٌ؛ فالأخطاءُ النحويّة والإملائيةُ تتكاثر، والأساليب تتراجع، والحساسية اللغوية لدى القراء والمتابعين ضعيفة، وبينما مثّل الخطأُ في زمنٍ سابق أرقاً لمسؤولي الصحيفة ومحرريها لما سيجدونه من ملاحظات وطلب إفادات وما يتبعها من محاسبة فإن كثيراً ممن كانوا معنيين بمتابعة اللحن والتصحيف قد تواروا، وظهر جيلٌ جديد تعوزه المعرفة ولا يعنيه إن جرى رفعُ المنصوب وخفض المرفوع ووضع الهمزة الواوية يائية، وهكذا.

التوصيات:

* عقد دورات تدريبية مكثفة لجميع محرري الصحف الإلكترونية تهتمُّ بأساسات اللغة، وإتباعها بدورات تحصيليةٍ مع اختبارات كتابيةٍ وميدانيةٍ في النحو الإعلامي الوظيفي.

* عدم تمكين المحررين والكُتّاب من العمل عبر وسائط الإعلام الجديد دون تأهيلهم عبر هذه الدورات أو التأكد من تمكنهم.

* إيجاد وسائط خاصةٍ بتصحيف الإعلام الجديد لرصد المتكرر منها ونشره عبرها.

* تعزيز مفهوم «اللغة الثالثة» بحيثُ لا تصبحُ لغةً فالتةً من الضوابط ولا تتداخل معها العاميات وكي تسلم من تشويه التصحيف والتحريف.

* دعم انتشار المواقع الإلكترونية الخاصة باللغة العربية وتشجيع الشباب على الإفادة منها والرجوع إليها والبحث فيها، وتوسع نطاق خدماتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها على مختلف الأجهزة.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6745 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة