Culture Magazine Thursday  07/02/2013 G Issue 395
مراجعات
الخميس 26 ,ربيع الاول 1434   العدد  395
 
استراحة داخل صومعة الفكر
ملحمة الجهاد
سعد البواردي

 

الجهاد في سبيل الله رسالة.. والجهاد في سبيل الوطن أمانة.. والجهاد في سبيل النفس حماية لها من أن تنزلق نحو مهاوي الخطأ.. أو الخطيئة..

شاعرنا العربي الكبير عمر بهاء الدين الأميري أجمل لنا في أجمل صورة.. وأبهى ديباجة.. وأحلى عبارة ما يعنيه الجهاد.. وما يشير إليه الاستشهاد من قيم.. ومُثل مثلى:

«حوار في السماء» ماذا يقول؟

قدم لشعره بهذا المقطع النثري الثري:

نحن في أفلاك مجدك

يا مليك من ملك

نحن في تسبيح حمدك

نحن في التقديس لك

بهذه الأبيات الموجزة جاء تبلته إلى خالقه جل وعلا صادقا ومعبرا ماؤه القنوت والخشوع.. ثم يسترسل في حشيته ويعينه الإيماني..

واله الكون في حكمته آي حصيفة..

قال: إني عالم الغيب.. ومالا تعلمون

من سواه من يعلم الغيب.. وما تخفي النفوس وما تظهر؟! لا أحد سوى بارئنا الذي يعلم الجهر وما أخفى.

«آدم والشيطان» جاءت عظته الثانية:

ومن الطين كان آدم، لكن

ليس طين التكوين الا سلالة

نفخ الله فيه من روحه الأسمى

وقال اسجدوا فثمَّ الرسالة

بهذا الوعي. وبتلك البراعة الشعرية التصويرية رسم لنا صورة صادقة عن بداية الخلق.. عن أبينا آدم.. وعن تكليفه بالسجود.. والإيمان بما سيأتي من أوامر إلهية تقية الزلة.. والمذلة:

كانت الزلة.. والتوبة والعفو الرحيم..

ومشيناها خطى.. في دورة الدهر المقيم

وماذا بعد :

جاء إبليس بمكره وعناده.. واغوائه حاشدا جيشه ناصبا شراك غوايته.. وبين إيمان قوي بالبارئ.. وآخر ضعيف جاءت عملية الفرز بين تقي وشقي.. بين منتصر ومهزوم.. قوافل تثرى.. ونبوءات تتالى.. وصراع محتدم بين الخير والشر.

وتتالى عمر الإنسان في الدهر المديد

الهدى، والزيغ، والكبوة، والعزم السديد

أنبياء، وملوك، ورسالات، ودعوه

واهتداء، وارتداد، ومتاهات وشغوه

يرسم بهذا الحركة البشرية بين قنوتها وقنوطها عبر مراحل التاريخ الطويل إلى أن جاء محمد يحمل مشعل الهداية والدين وبدا في فلك الإقدار اشراق وسؤدد لفت الناس إلى الله، فقد جاء محمد أعظم بالأمين الذين حمل الأمانة، وأدى الرسالة على خير وجه..

وإذا النور، نور الله في الأكوان هالة

تصنع الإنسان بالقرآن فتحا ورسالة

إنها معجزة الصحراء، والله له في العرب آية

تنبت الأمجاد بالإسلام للدنيا هداية

شاعرنا الأميري وهو العربي يلتفت إلى عروبته وإلى إسلامه مجتمعين:

قالوا العروبة قلنا إنها رحم

وموطن ومروءات ووجدان

أما العقيدة والهدي المنير لنا

درب الحياة فإسلام، وقرآن

وشرعة قد تآخت في سماحتها

وعدلها الفذ أجناس وألوان

ليس هذا فحسب إنها النور الذي يحمي.. أشبه بالكائن الذي يحمل جناحي الإيمان والحنانه كي يحلق ويسمو بهما إلى الأعلى..

«زلمات بعد النور».. وعدل بعد ظلم.. ولكن..

ثم كانت - وآه منها - نكسة من بعد قوه

فهوينا، وهوينا.. هوة في قمرهوه

قد تغيرنا.. فغار الله، والله غيور

دول دالت، ودولاب مع السعي يدور

وسطا في الأرض حكم أغفل الروح وضلا

خان عهد الله واستقلى، وأقر الله أعلى

هذا ما جناه الإنسان على نفسه.. عطل عقله.. وحكم هواه فضاع.. لماذا لأ، يأسنا شديد بيننا يضرب بعضنا بعضا.. ويستعدي بعضنا على بعض.. فكان الضعف.. وكانت الفرقة وشماته الأعداء.

«عملاء» للغرب، والشرق حادوا

على حياد هادٍ ونهج رشيد

وأسارى أطماعهم.. وهواهم

فتكهم في البلد فتك لدود

وظهور الفساد والجهل والعصيان

في أمة يبيد ويودي

إلى التهلكة.. وهذا ما يعانيه حاضرنا.. وتشرذمنا، وهواننا على أنفسنا.. للأسف..

وفي صيحته.. بل وفي صرخته للنائمين من أجل ايقاظهم.. يقول/

ضج صبر الزمان من سطوة الغرب

ضجيجا، ومال نحو النفود

لم يعد منطق الحياة ليرضى

بامتيازات سيد ومسود

ويتوجه إلى بني قومه ممن أطبق السبات أجفانهم مناشدا إياهم أخذ العدل ديدنا ومنارا، أخذ العلم قوة وبناء..وتنشئة النشأ تقويما لأخلاقهم مذكرا إياهم بمن سلف من الصالحين:

إن من مجدنا العريق سجايا

خالدات رغم الجحود الحسود

فلنا في سلامنا عزم صدق

واتجاه في الحرب غير مبيد

سوف نبقى على الأنام شهودا

وسيبقى الرسول خير شهيد

يذكرنا بجنون الظالمين.. وما بعد جنون الظالمين جنون:

ذعر المستمر، واختل صوابه

أخذته عزة بالإثم واشتد اصطخابه

خلعَ السلكان والسلكان طود لا يزعزع

من يكن في كل قلب عرشه هيهات يُخلع

ويردف قائلا وهو يدعو غلى معركة الحياة الحرة:

أخي في الهدى ارهف الحس من

ضميرك، واسمع نداء البطاح

تمازج فيه هتاف الثكالى

إلى الثأر! حل محل النواح

وصوت المؤذن «الله أكبر»

يحدد الجموع ويشفي الجراح

حرام على الحر طيب المنام

وليس المباح الغداة مباح

على هذا النحو يمضي صوت شاعرنا.. تارة يستصرخ.. وأخرى يستحث الهمم..

وثالثة يُذكِّر لعل الذكرى تنفع المؤمنين.. ورابعة يعطي دروسا للنصر:

يا صائنين برغم البغي دينكمو

وظافرين وقد صينوا بما صانوا

يا عصبة كتب الله العزيز بهم

لأغلبن فما حادوا ولا هانوا

إن الغيوب بحور الله تمخرها

اقداره وقضاء الله ربان

بنت لكم بأعاديكم مرابعكم

فكلها اليوم جنات وأفنان

ويتحدث عن الضغاة عن من طفى وتجبر: وكيف النهاية:

ووسدتكم عروشاً كان يحكمكم

منها الطغاة وكم جاروا وكم مانوا

كم أبرموا كيدهم في فتك ذي طمع

على إبادتهم والعزم غيان

فكان من أمرهم ما كان واندثرت

أيامهم فكأن القوم ما كانوا

يستحث على الصبر والبذل.. والغداء.. كي يأتي الحصاد حلوا

وأعقب الصبر مجداً في تألقه

تشدو الدنى ومني العلياء تزدان

والبذل لله موصول الجزاء به

ولا حساب إذا ما من رحمه وأعدوا..

هكذا يذكرنا بالآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..

هدي النبوية يا ابنها مازال مقدوح الزنان

هذي رمى الأرزاء تطحننا وللأرم اشتداد

كان الذي قد كان والدنيا انقباض وامتداد

والعاقل المقدم لايثنيه عن سعي حداد

ولكه أيضاً يذكر بأن المواجهة أيضاً ليست سلاحاً فحسب..

وغنما تخطيط واستعداد.. وإدارة:

واراك تدرك كيف حاد القوم في غرر الحياد

وتقدموا فتأخروا والسير دون هوى ارتداد

وتفاخروا وتهاتروا وازرق واحمر المداد

فكن المجاهر باعتناق الحق.. وابتدر الجهاد..

يذكرنا أن الحرب ليست هدفاً بحد ذاته إنها أداة لاسترداد حق.. ولجم ظلم.. ورد عدوان..

عبء الأمانة يستحثك والحروب لها عناد

للأمة الوسطة الشهادة والسيادة والسداد

ونحن الأمة الوسط لا ضرر ولا اضرار

السلام العادل وحده هو المنهج والشعار

أخيراً.. مع مقطوعته الجهادية الأخيرة (دعاء):

فجر اللهم من عزمي من نورك نورا

واصطنعني لغد الإنسان في الآفاق صورا

تنتب الدعوة من شدقيه بعثاً ونشورا

كانطلاق الغجر بعد الليل اشراقا طهورا

حاكما عدلاً يهدي الله صباراَ شكورا

انا يا الله من روحكم روح لن يحورا

فأنا للحق كالبرهان لا يترك زورا

وعلى الباطل كالبركان ويلا وقبورا

هكذا يتمنى ان يكون وأن نكون مجاهدين لنصرة الحق

أنا نسر في السماوات العلى أم النسورا

أنا معنى في كتاب الكون قد زان السطورا

أنا قلب خافق ايقظه في الناس الشعور

أنا قرآنك فانشر صحفي أهدي العصورا

أنا أمر لك إن تصدره ذللت الأمور

أنا جنديك فابعثتني قاقتاد الدهورا

وأقم حول من سر مقاديرك سورا

إن دولاب الهوى في الكون دوني لن يدور

بهذا الدعاء الذي يفيض ضراعة وقنوتاً من فم المجاهد الذي ينتصر لدينه.. ولوطنه.. ولكرامته.. ولإنسانيته أنهى شاعرنا عمر بهاء الدين الأميري الفصل الأخير من ديوانه (ملحمة الجهاد) الصغير في حجمه.. الكبير في محتواه.. وبنهايته تنتهي الجولة.. على أمل لقاء متجدد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة