Culture Magazine Thursday  07/03/2013 G Issue 399
فضاءات
الخميس 25 ,ربيع الثاني 1434   العدد  399
 
في معنى أن أفوز بجائزة الكتاب!
د. صالح زياد

 

ليس فرحي بالفوز بجائزة وزارة الثقافة للكتاب هذا العام، بأكثر من فخري بالجائزة ولا أثْمَن قيمةً وأعلى قدراً. فرحي بالفوز هو، فيما أشعر، وعي فردي وحس بالأنا. أما الفخر بالجائزة فهو وعي بدلالة الجماعة فيها، الجماعة التي تكرِّم الثقافة والمعرفة، فليست الجوائز في المجتمعات دلالة معزولة عن الوعي الاجتماعي نفسه بالمدلول الذي تُمْنَح الجائزة للدلالة عليه، والموضوع الذي تبرهِن على التثمين له والتقدير للمشتغلين به. الفرح بالجائزة معنى قصير الأمد، أما الفخر فمعنى عميق عريق واسع مديد...!

الجائزة دلالة فرح وبهجة للفائزين بها، ولكنه فرح بمعناها ومدلولها، وعندئذ فهو فخر بما يجاوزها بوصفها حدثاً في حياة من يفوز، إلى ما تؤشِّر عليه في المجتمع والثقافة. ليس هناك جائزة تحمل قيمة دونما تقدير اجتماعي لها، وليس هناك جائزة لا يفوز من يحصل عليها. خارج هاتين الصفتين تغدو تسمية الجائزة بهذا الاسم مجازاً لا حقيقة، وعلى سبيل التشبيه والإلحاق والتفريع لا على سبيل التأصيل والابتداء والتطابق.

أنا فَرِح بالجائزة، وفخور بها. فَرِح لأن الفرح دلالة الذاتية التي تفرضها الجائزة على من يفوز بها، وفخور لأن الفخر متولِّد عن دلالة الإنماء والاحتواء التي تؤشِّر على الصلة بين الذات الفردية والمجتمع الثقافي والمعرفي والرسمي الذي تحمل الجائزة قيمتها بالاستناد إليه والتعبير عنه. نفرح –عادة- لإحراز الذات نتيجة بعد مغالبة، ونفخر لأن جهد المغالبة يجاوز المكاسب الذاتية إلى مكاسب للثقافة والمعرفة والمجتمع والإنسانية. أفراحنا هي ما نعتقده وحدنا مكسباً، ولكن مفاخرنا تتطلب مشاركةً من الآخرين في اعتراف نوعي بما أنجزناه وتقدير له.

الفرح بالجائزة والفخر بها لا معنى لهما -أيضاً- بدون القناعة بصيغتها وهدفها ومعاييرها وتحكيمها، ولا بمن فاز بها أو يفوز بها. وفي هذه الجائزة تحديداً يلفتنا اسمها الذي اتخذ الكتاب موضوعاً لها. فالكتاب -بالمعنى المطلق للكتاب أي كل كتاب مؤلَّف- ليس نقطة وقوف بل مسار ترحُّل وانتقال. إنه دلالة المعرفة والوعي والثقافة التي لا يتحقق وجودها في السكون بل في الحركة ولا بالشبع والاكتفاء بل بالجوع والفضول المستمر. وهنا قيمة الجائزة التي تستمدها من موضوعها، أعني قيمة الاتصال بوعي الحركة في المعرفة والثقافة وإسهامها فيه، هذا الوعي المتوتِّر دوما بين ما هو تال له وما هو سابق عليه.

لكن الجائزة في خضم ذلك كله، لا تنفك عن عبء المسؤولية؛ فهي تضع الفائزين بها في معترك المحاكمة مع ذواتهم ومع الآخرين لما فازوا به، وعبء الاضطلاع بجهده المستمر والتحمل لتبعات المكانة التي وضعتهم فيها الجائزة. ولذلك فإن الجوائز تخلق لمن يحظى بها مسافة احتواء متوتِّر بين التشجيع فيها والتكريم من جهة، والاستمرار -من جهة أخرى- الذي يقتضي المجاوزة للعمل الفائز، والانتقال إلى غيره، وتطوير الممكنات التي ينطوي عليها رؤية ومنهجاً. ونتيجة ذلك تنعكس على معنى الجائزة وقيمتها، إنها قيمة استمرار لا توقف، ومعنى إضافة لا اجترار.

شكراً لوزارة الثقافة والإعلام، وشكراً لأسرتي، وشكراً للزملاء والأصدقاء الذين شاركوني هذه المعاني، وشكراً لمن قرأ كتابي «الرواية العربية والتنوير» ومن سيقرأه. والحمد لله أولاً وآخراً.

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة